المرجان من المخلوقات التي تحب البقاء في مواطنها، فهو يقضي معظم حياته في مستعمراته القوية الجميلة على الشعب المرجانية، متعلقاً بالطحالب التي يعيش معها حياة تكافلية. وهو لا يستطيع الهروب أثناء تعرضه لأي تهديد، لذلك فقد طور المرجان بعض الآليات الدفاعية القوية. فعندما يحاول شيء ما أن يعضه فإنه يقوم بلسعه كرد فعل فوري، حيث يملك خلايا سامة تسبب ألماً قوياً للحيوان المفترس المفترض. كما يزيد هيكله الحاد من شدة الأذى الذي يسببه. ولذلك تتجنبه الغالبية العظمى من الأسماك التي تعيش قرب الشعب المرجانية، لتطارد الفرائس الأقل عدوانية.
ولكن هذا لا يعني أن جميع الحيوانات المفترسة سوف تُهزم في سباق التسلح التطوري هذا. فبعضها، كنجم البحر ذي التاج الشوكي، سيقوم حرفياً بقلب معدته على المرجان، ليقوم بهضم القطع الشهية من الأجزاء الخارجية من جسمه. أما السمكة الببغائية، فلديها مناقير تطحن المرجان إلى رماد لتأخذه من الطحالب.
ولكن هناك الكثير من الأسماك الأخرى التي تتغذى على المرجان، وتستمع بهذه الوجبة صعبة المنال بدون أي تبعات، ولكنها لا تملك مزايا تكيفية واضحة.
ونأخذ مثالاً سمكة الراس ذات الشفاه الأنبوبية: يتغذى هذا الكائن الصغير على المرجان، ولكنه لا يملك منقاراً، ومعدته تبقى ثابتة داخل جسمه. ولكن ما يميزه هو امتلاكه للشفاه التي أخذ اسمه منها. وقد لفت الباحثون الأنظار إلى شفاه سمك الراس كعنصر أساسي في الطريقة التي يأكل بها المرجان، وذلك في دراسة نشرت في يونيو 2017 في مجلة كارانت بيولوجي.
يقول ديفيد بيلوود المؤلف الرئيس للدراسة في تصريح له: "يفترض أحدنا أن تلك الأسماك تأكل طعامها باستخدام أسنانها، ولكن وكما هو الحال عند الإنسان، فإن الشفاه يمكن أن تكون أداة أساسية. تخيل تناول الغذاء بلا شفاه ولا حنك، والأمر نفسه ينطبق على الأسماك".
وهناك أسماك راس أخرى لا تتغذى على المرجان، تملك شفاهاً أيضاً، ولكنها لا تغطي الأسنان بنفس الطريقة الموجودة عند شفاه أسماك الراس ذات الشفاه الأنبوبية، فهي تملك أسناناً بارزة خارج فمها. بينما تستخدم أسماك الراس ذات الشفاه الأنبوبية شفاهها "لتقبيل" فريستها، لتقوم بعمل ما يشبه القفل، ثم تمتص المخاط الشهي الذي يفرزه المرجان، وأحياناً تمتص النسيح المخاطي نفسه. وقد أشار الباحثون في دراستهم إلى أن هذه الطريقة في الأكل تنتج صوتاً خاصاً، أشاروا إليه باسم "تكّة مسموعة".
تُدعَّم شفاه سمك الراس بأغشية مغلفة بشكل دائم بما افترض الباحثون أنه مخاط واقٍ. يقول بيلوود: "تشبه الشفاه خياشيم فطر المشروم، ولكنها مغطاة بمادة لزجة. ويشبه هذا الأمر سيلان الأنف ولكنه في هذه الحالة سيلان الشفاه".
تقوم الشفاه دائمة السيلان بدور مهم، من خلال المخاط الذي يعمل على تغليف قطع المرجان الصغيرة وهي تعبر طريقها في الجهاز الهضمي للسمكة. وهو يساعد السمكة في هضم طعامها دون الحاجة إلى إعادة قضمه.
وستكون الخطوة التالية لبيلوود وزملائه هي البحث عن خصائص ذلك المخاط، ومعرفة الطريقة التي يساهم بها في تأمين السمكة.
إنها مهمة "مليئة بالمخاط"، ولكن لا بد من القيام بها على أية حال.