في فيلم الرسوم المتحركة "فيلم النحل" (Bee Movie)، يقاضي "باري النحلة" (Barry the Bee) البشر لسرقتهم العسل الذي ينتجه النحل، فيعيد جمعه كله حتى لم تعد هناك حاجة لعمل النحل في جمع الرحيق. ما يحدث في الفيلم هو بدء موت تدريجي للزهور والأشجار، حتى أدرك باري أن الدور الذي يؤديه النحل في الطبيعة لا يقتصر فقط على إنتاج العسل، بل أيضاً يمتد إلى تلقيح النباتات.
في هذا الفيلم استطاع النحل أن يتدارك الموقف ويستعيد نشاطه وعمله، ولكن في الواقع يختلف السيناريو كثيراً، إذ قد لا نتمكن من حماية الأنواع النباتية والحيوانية والجنس البشري فيما لو انقرض النحل. فهل النحل مهدد فعلاً بالانقراض وهل نحن بحاجة لاتخاذ إجراءات وتدابير وقائية للحفاظ عليه؟
أهمية النحل للطبيعة والإنسان
النحل أحد الأنواع الحشرية التي تتبع فصيلة "أبويديا" (Apoidea)، وتضم نحو 20 ألف نوع، بما في ذلك نحل العسل المألوف (Apis)، والنحل الطنان (Bombus). يعتمد النحل بجميع أنواعه باستثناء النحل الطفيلي على الزهور للحصول على طعامه وتغذية اليرقات، وفي بعض الأحيان قد يتم تعديله وتخزينه على شكل عسل. خلال قيامه بجمع رحيق الأزهار للحصول على غذاء يساعد النحل في نقل [tooltip content="هي عبارة عن مسحوق ناعم جداً وعادة ما يكون أصفر اللون، يتم تكوينه في نهاية السداة (الجزء التناسلي الذكري من الزهرة) والغرض منه هو تخصيب النباتات الأخرى من نفس النوع." https://popsciarabia.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9/%d8%ad%d8%a8%d9%88%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%84%d8%b9/" ] حبوب اللقاح[/tooltip] من زهرة إلى أخرى، وتساعده في ذلك الشعيرات المتفرعة الموزعة على جسمه والتي غالباً ما تعلق بها حبوب اللقاح.
يعتبر النحل واحداً من أهم الكائنات على هذا الكوكب، فهو ينتج العسل بالإضافة لضمانه إثمار المحاصيل، حيث طوّرت أنواع النحل أحجامها وأنماط طيرانها بما يتلاءم مع تفضيلاتها من الأزهار. وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة "فاو" (FAO) فإن ثلث إنتاج العالم من المحاصيل يعتمد على النحل والملقّحات الأخرى من حشرات وطيور، لذا لا غنى عنه في نظامنا البيئي للمحافظة على التنوع الحيوي، وتوفير الأمن الغذائي.
لماذا النحل مهدد بالانقراض
أشارت منظمة الفاو إلى أن أعداد النحل آيلة للانخفاض باستمرار، ما يشكل تهديداً خطيراً على توازن النظام البيئي، وعلى إمداداتنا الغذائية، حيث ضمت لائحة الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (International Union for Conservation of Nature) أكثر من 18 نوعاً من النحل بدأت بالانقراض، وأكثر من 150 نوعاً معرّضاً للانقراض. ومن أهم العوامل المسببة لهذا التراجع وفقاً لدراسة نُشرت في دورية "بلوس ون" (Plos one):
- التغيّرات المناخية.
- تدمير الموائل الطبيعية.
- مبيدات الآفات.
- الأنواع الغازية.
الأنواع الغازية
تشمل الكائنات المفترسة والمنافسة للنحل بعض الطفيليات والبكتيريا الممرضة والتي تدعى بمسببات الأمراض، قد تؤدي لانهيار مجتمع النحل بكامله. بالإضافة إلى ذلك يمكن لبعض أنواع الآفات الحشرية كالدبور الآسيوي أن تفترس نحل العسل، إذ يمكن لدبور واحد قتل خلية بأكملها.
التغيّرات المناخية
نظراً لما يتعرض له كوكبنا من تغيّرات مناخية، وتأثيرات الاحتباس الحراري، فإنه يتعرض لارتفاع دائم في درجات الحرارة، لكن عدداً قليلاً من أنواع النحل يمكنه أن يتحمل نطاقاً كبير نسبياً من درجات الحرارة. فعندما تصبح موائلها أكثر دفئاً، تضطر للبحث عن مناطق أعلى حيث يكون المناخ أكثر برودة، ما يقلل المساحة التي يمكنها العيش بها.
تدمير الموائل الطبيعية
أدى البحث عن المزيد من إمدادات الغذاء إلى زيادة مساحة الأراضي الزراعية، وبالتالي تدمير المساحات التي يعشش فيها النحل، والأنواع النباتية التي يتغذى عليها.
مبيدات الآفات
يستخدم المزارعون بشكل عام 3 أنواع من المبيدات التي تستهدف الحشرات والفطريات والأعشاب الضارة. بينما تشكل مبيدات الحشرات ضرراً على الملقّحات بشكل عام لما تحتويه من مواد كيميائية، فإن مبيدات الأعشاب الضارة أكثر ضرراً، لأنها تحتوي على 5 أضعاف المبيدات الحشرية من المواد الكيميائية التي قد تستهدف أمعاء النحل، بالإضافة لمجموعة كبيرة من النباتات البرية التي يحتاجها النحل ليتغذى عليها.
اقرأ أيضاً: إذا أردت مساعدة النحل، لا تستخدم المبيدات
ماذا سيحدث إذا انقرض النحل؟
في سيناريو أكثر تشاؤماً وواقعية من فيلم النحل، تتجاوز القضية الآثار البيئية المحتملة لانقراض النحل، بل تصبح قضية وجود إنسانية، حيث يعتمد استقرار التجمعات البشرية على وجود النحل ودوره في دعم الأنظمة الزراعية بقدرته على التلقيح، لذا من المرجح أن يؤدي اختفاؤه إلى اختلال للنظم البيئية، وأزمة غذاء للبشرية، فكيف ذلك؟
تعتمد بعض الأنواع النباتية على نحل العسل بشكل حصري لتلقيحها، وتُعرف ببساتين النحل، هذا بدوره يؤثر على الموئل الطبيعي لهذه النباتات، ويؤدي لكسر السلسلة الغذائية التي تشكل جزءاً منها، وبالتالي قد يتبعها انقراض كائنات أخرى أو انخفاض في أعدادها. على الرغم من أن ذلك غير كافٍ لخلق أزمة مجاعة، لكنه سيتسبب بتراجع في إمدادات بعض الأغذية مثل العنب البري والكرز اللذين يعتمدان على نحل العسل في التلقيح بنسبة 90%، وارتفاع في أسعارها بشكل كبير.
تلجأ اليابان لما يُعرف بالتلقيح بالروبوتات كحل بديل لتراجع أعداد النحل، إذ طوّرت طائرات آلية صغيرة دون طيار لتلقيح نباتات البساتين والزهور، وعلى الرغم من نجاح الطريقة لكنها مكلفة للغاية. كما يمكن استخدام التلقيح اليدوي إلا أنه يتطلب عمالة مكثفة وتكاليف عالية.
أمَّا بالنسبة للحيوانات، سيفقد العديد منها كالطيور التي تتغذى على النحل، فريستها الأساسية، ما قد يؤدي لنفوقها أو انخفاض أعدادها، وهذا من شأنه أن يؤثر على توازن النظم البيئية والسلاسل الغذائية.
يمكنك دعم مجتمعات النحل بزراعة نباتات صديقة للنحل في حديقة منزلك أو شرفتك، وتقليل استخدام المبيدات الزراعية، وحتى في الحفاظ على البيئة من التلوث. وعلى الرغم من أنها مبادرات صغيرة، فإنها قد تساعد في الحد من التهديدات بانقراض النحل.