هل كانت الديناصورات أنواعاً اجتماعية؟

السلوك الاجتماعي للديناصورات
حقوق الصورة: بيكسلز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل كانت الديناصورات وحوشاً قاسية أم حيوانات عطوفة وذكية؟ يتجادل العلماء حول هذا السؤال منذ اكتشاف الديناصورات لأول مرة منذ 200 سنة، وانعكس هذا الجدل على الأفلام والثقافة العامة.

لإيجاد إجابات عن أسئلة مثل هذه، ينظر علماء الأحافير بشكل عام في الأنواع الأقرب من الديناصورات والتي ما زالت حية، في هذه الحالة، هذه الأنواع هي التماسيح والطيور. هل نلاحظ أن الديناصورات تُظهر سلوكيات اجتماعية مثل الطيور الحالية؟ أم عادات أكثر بدائية مثل التي تمارسها التماسيح والقواطير؟

هل عاشت الديناصورات في قطعان؟

كان يُعتقد من قبل أن الديناصورات متوحشة، وربما آكلة للحوم الديناصورات الأخرى أيضاً، وتفتقر بالتأكيد إلى الذكاء أو الرغبة في رعاية صغارها. بعد ذلك، في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، صاغ «جاك هورنر» وزملاؤه وجهة نظر جديدة في دراساتهم للـ «ماياصورا» (Maiasaura)، وهو ديناصور آكل للنبات من أواخر العصر الطباشيري (قبل 77 مليون سنة).

وجد هورنر وزملاؤه أدلة تبين أن هذه الديناصورات البالغة تعود إلى نفس مكان التعشيش كل عام، مما يشير إلى أنها ذكية بما يكفي لتتذكر المكان وتقدّر ميّزاته الإيجابية، سواء كانت هذه الميزات توافر الطعام أو الأمان. كانت أعشاشها في الأرض تبعد عن بعضها حوالي 7 أمتار، مما يشير إلى أنها تفضّل أن تكون قريبة من بعضها مثل الطيور الحديثة التي تعشش بشكل جماعي، لكن ليس قريبة جداً لدرجة أنها تبدأ بالمشاجرة. بيّن هذا البحث أن الديناصورات قد تكون حيوانات عطوفة تتمتع بسلوك اجتماعي متطور (مصطلح «ماياصورا» يعني «أم زاحفة صالحة» باليونانية).

يحاجج «دييغو بول»، عالم من متحف «إيغيديو فيروغلو» لعلم الأحافير في مدينة تريلو في الأرجنتين، إلى جانب فريق دولي من الباحثين في دراسة جديدة نُشرت في دورية «تقارير علمية» (Scientific Reports)، أن هذه السلوكيات الاجتماعية يمكن تتبعها إلى الديناصورات المبكرة، أو على الأقل إلى تلك التي عاشت في أوائل العصر الجوراسي، قبل 193 مليون سنة.

درس الفريق في موقع يحتوي على حفريات تعود إلى العصر الجوراسي المبكّر في باتاغونيا في الأرجنتين، حفريات نوع من الديناصورات يُدعى «ديناصور باتاغونيا» (Mussaurus patagonicus) والذي، وفقاً لتحليل الباحثين التأريخي الجديد، عاش في الموقع منذ حوالي 193 مليون سنة. الموصورات هي من «أشباه الصوروبوديات» (Sauropodomorpha)، وهي ديناصورات من الأقارب المبكرة للديناصورات العملاقة التي ظهرت لاحقاً مثل «البرونتوصور» (Brontosaurus) و«الديبلودوكس» (Diplodocus). مع ذلك، تبين الأدلة أن الموصورات كانت ذات أحجام كبيرة.

كشف الباحثون عن 80 هيكلاً عظمياً للديناصورات، بالإضافة إلى عدد من الأعشاش وحوالي 100 بيضة. كانت الأعشاش عبارة عن خنادق سطحية في الأرض تحتوي على 8-30 بيضة كروية مرتبة في صفوف ومكدسة في طبقات، كما هو الحال بالنسبة للصوروبودات الأخرى. استخدم الباحثون التصوير المقطعي ووجدوا أن بعض البيوض تحتوي على عظام صغيرة للأجنة التي تم تفقس.

هل الديناصورات متوحشة
حقوق الصورة: اكتشف الباحثون حوالي 100 بيضة تعود إلى أنواع من الموصورات. حقوق الصورة: روجر سميث.

درس الباحثون الهياكل العظمية وأحصوا عدد حلقات النمو في العظام للتأكد من أحجام الديناصورات وأعمارها التقريبية. تضمنت الهياكل العظمية ديناصورات بالغة تماماً، ربما تبلغ من العمر 10 سنوات، وديناصورات شبه بالغة، وديناصورات صغيرة السن وأخرى حديثة الولادة. تراوحت الأوزان بين 70 غراماً بالنسبة للديناصورات حديثة الولادة، مثل أوزان الطيور المغردة الصغيرة، إلى حوالي 1.5 طن بالنسبة للديناصورات البالغة، مما يؤكد أن معدل نمو هذه الديناصورات العاشبة ذات العنق الطويل كبير جداً.

ظهرت الأعشاش والبيوض والهياكل العظمية في 3 مستويات في الصخر بسمك إجمالي يبلغ 3 أمتار، واعتبر الباحثون أن هذا التكوين هو دليل على عودة الديناصورات إلى نفس المكان للتعشيش.

يبدو أن صغار الديناصورات كانت تتنقّل مع البالغين، وأن القطيع كله كان يهاجر إلى موقع التعشيش كل عام، وأن أفراده يبقون معاً، ربما من أجل الحماية المتبادلة وحتى لمساعدة الأمهات اللواتي تضعن البيوض وصغارهن.

وُجدت مواقع التعشيش مثل هذه من قبل في عدة مواقع تحتوي على حفريات تعود للعصرين الجوراسي والطباشيري في أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية وإفريقيا والصين. يشير هذا إلى أن سلوك القطيع المتطور كان منتشراً في جميع مجموعات الديناصورات الرئيسية. لكن هذا الاكتشاف الجديد يسبق أي اكتشاف سابق لهذا السلوك بحوالي 40 مليون سنة، وهو أقرب إلى الأنواع التي نشأت منها الديناصورات منذ حوالي 250 مليون سنة.

هل الديناصورات متوحشة
درس الفريق البحثي الحفريات التي تعود إلى العصر الجوراسي المبكّر في موقع في باتاغونيا، الأرجنتين. حقوق الصورة: أليخاندرو أوتيرو.

السلوك الاجتماعي لدى الديناصورات

هل يمكننا التأكد من أن هذه الهياكل العظمية تحمل أدلة تتعلق بالسلوك الاجتماعي للديناصورات؟ إذا وجدتَ كومة من الهياكل العظمية للديناصورات، فهذا لا يعني أنها كانت تعيش معاً. من المحتمل أن تكون قد تجمّعت معاً بسبب عاصفة أو نهر. يحدث الشيء نفسه اليوم عندما تهطل الأمطار الموسمية بشكل مفاجئ وتحمل الأشجار الميتة وجثث الحيوانات وغيرها من الحطام بتياراتها السريعة، ثم تفرغ حمولتها مع تباطؤ التيارات.

مع ذلك، في حالة اكتشاف باتاغونيا الجديد، تبين بعض خصائص التربة القديمة التي وُجدت فيها الهياكل العظمية والأعشاش والبيوض، مثل آثار جذور النباتات التي نمت في التربة، أن هذه البقايا لم تتجمّع بهذه الطريقة. علاوة على ذلك، كانت الأعشاش في أمكنتها وكان بعضها محفوظاً بشكل جيد ويحتوي على مجموعة كاملة من البيوض غير المنكسرة، والتي يحتوي بعضها على الأجنة. يشير هذا إلى حدوث كارثة، مثل الجفاف والعواصف الترابية، والتي تسببت في دفن البيوض أو منعها من الفقس. يشير وجود الهياكل العظمية الكاملة أيضاً إلى أن البقايا لم تنتقل بسبب الماء أو الرياح من المكان الذي ماتت فيه الديناصورات.

يتماشى السلوك الاجتماعي المتطور للديناصورات المبكرة الذي يبيّنه البحث الجديد مع أدلة أحفورية أخرى تبين أن الديناصورات كانت تشبه الطيور أكثر من شبهها بالتماسيح. من المرجح أن كل الديناصورات كانت تمتلك ريشاً من البداية، وتبين الأدلة أن الديناصورات وأقاربها كانت من ذوات الدم الحار. كانت الديناصورات الأولى صغيرة، وتمشي باستقامة، ومتكيفة مع الركض المستمر. يبدو افتراض أن الديناصورات كانت تتمتع منذ نشأتها بسلوك اجتماعي شبيه بسلوك الطيور أو الثدييات منطقياً. كان يعتبر هذا الافتراض مثيراً للجدل لسنوات، لكن الأدلة تتراكم: كانت الديناصورات من ذوات الدم الحار، وكانت تمتلك الريش، كما أنها كانت سريعة الحركة وتتمتع بسلوكيات معقدة.