هل يتمتع نحل العسل بخصلة الإيثار مثل الأمهات؟ وما سبب ذلك؟

هل يتمتع نحل العسل بخصلة الإيثار مثل الأمهات؟ وما سبب ذلك؟
النحلات العاملات هن إناث تتبعن أي سلوك يخدم الملكة، مثل تعطيل وظيفة المبايض. ديبوزيت فوتوز

حياة نحل العسل هي مثال نموذجي على العمل الجماعي في الطبيعة؛ إذ يتمتّع هذا النحل بمجتمع معقد ويشكّل الخلايا التي تنتج ما يكفي من الطاقة لتوليد شحنة كهربائية. يبدو أيضاً أن نحل العسل من الحيوانات النادرة التي تظهر سمة الإيثار الفريدة، وهي سمة موروثة جينياً. هذه نتائج دراسة جديدة نُشرت بتاريخ 25 سبتمبر/أيلول 2023 في مجلة مولكيولار إيكولوجي (Molecular Ecology).

سلوك يصب في مصلحة الملكة

وفقاً لجمعية علم النفس الأميركية؛ يُظهر البشر الإيثار عندما يتّبعون سلوكيات تفيد الآخرين على حساب أنفسهم. يعتقد بعض علماء النفس أن الإيثار هو سمة إنسانية فريدة، وأن دراستها في الحيوانات تتطلب تطبيق إطار عمل مختلف لفهمها. تتمتّع الحيوانات بمستوى مختلف من الإدراك. ولذلك؛ قد تختلف العوامل التي تدفع البشر إلى اتباع السلوكيات الإيثارية عن تلك التي تدفع الحيوانات مثل نحل العسل للتصرف بطرق تبدو إيثارية.

نظر الباحثون في الدراسة الجديدة أولاً إلى العوامل الوراثية وراء سلوك الحاشية الذي تتبعه نحلات العسل العاملات. سلوك الحاشية هو السلوك الذي تتبعه النحلات العاملات عند الاعتناء بالملكة؛ مثل إطعامها أو تنظيفها. يعتقد العلماء أن هناك فيرومونات محددة تحفّز هذا السلوك، وأن النحلات العاملات إناث دائماً.

تتعطّل وظيفة مبايض النحلات العاملات عند تعرّضهن إلى فيرومون الفك السفلي للملكة. وتسهم هذه النحلات عندها في نشر هذا الفيرومون في الخلية، وهي تعتني فقط بالبيوض التي تضعها ملكة النحل. يَعدّ علماء الحشرات هذا السلوك "إيثارياً" لأنه يعزز قدرة الملكة على إنتاج الذرية، بينما تظل العاملات عقيمات.

الملكة هي أم نحلات العسل في الخلية جميعهن أو معظمهن عادة. يمكن أن تنتقل الجينات التي تجعل النحلات العاملات أكثر حساسية لفيرومون الملكة واستعداداً لاتباع سلوكيات حاشية الملكة من الوالدين إلى الأبناء، سواء أكان الآباء ذكوراً أم إناثاً. مع ذلك، تحفّز هذه الجينات سلوك الإيثار فقط عندما تنتقل من الأمهات.

اقرأ أيضاً: 5 حقائق مذهلة عن النحل لا يعرفها كثيرون

قال المرشّح لنيل شهادة الدكتوراة في جامعة بن ستيت والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، شون بريسنهان، في بيان صحفي: "يعتقد العلماء في الكثير من الأحيان أن اختلاف الأنماط الظاهرية ينتج من الاختلافات في تسلسل الجينات أو البيئة. لكن ما تُظهره هذه الدراسة هو أن ذلك لا يقتصر على الاختلافات في الجين نفسه؛ بل إن العامل الرئيس هو جنس الوالد الذي يورّث الجين. يتسبب الجين الموروث من الأم بسلوك مختلف عن ذلك الناجم عن النسخة نفسها الموروثة من الأب لأن النحلة حصلت على الجين من الأم".

معركة جينيّة

تدعم نتائج الدراسة الجديدة نظرية تحمل اسم "نظرية القرابة للصراع داخل الجينوم". تقترح هذه النظرية أن جينات الأمهات والآباء تنخرط في صراع حول السلوكيات التي يجب تحفيزها وتلك التي يجب عدم تحفيزها. بيّنت الدراسات السابقة أن الجينات الموروثة من الذكور يمكن أن تحفّز السلوك الأناني لدى الثدييات والنباتات ونحل العسل. والدراسة الجديدة هي أول بحث معروف يبيّن أن الإناث يمكن أن ينقلن السلوك الإيثاري إلى ذريتهن عبر جيناتهن.

عموماً، للنحلات العاملات الأم نفسها وآباء مختلفون؛ إذ إن الملكة تتزاوج مع عدة ذكور. ويعني ذلك أن النحلات العاملات تتشاركن في عدد أكبر من جينات الأم مع بعضهن.

قال بريسنهان: "لهذا السبب؛ تتنبأ نظرية القرابة للصراع داخل الجينوم أن الجينات الموروثة من الأم تحفّز السلوك الإيثاري في نحل العسل. تستفيد النحلة العاملة أكثر من مساعدة أمها وأخواتها بدلاً من التنافس معهن، وهن نحلات تحملن عدداً من نسخ جينات العاملات أكبر من عدد الجينات التي يمكن أن تنتجها بنفسها. في المقابل، من المتوقع أن جينات الأب هي التي تحفّز السلوك الإيثاري لدى الأنواع التي تتزاوج فيها الأنثى مرة واحدة فقط".

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يؤثر تغير الحقل الكهربائي الناتج عن الأسمدة على سلوك النحل؟

تحديد شبكات الصراع بدقة

هجّن الفريق 6 سلالات مختلفة من نحل العسل لدراسة السلوك الإيثاري بدقة أكبر. ويقول بريسنهان إن تهجين السلالات سهل نسبياً في الثدييات أو النباتات، بينما يعد أصعب في الحشرات. استفاد الفريق من خبرة تربية نحل العسل التي تمتلكها الباحثة في جامعة تكساس أيه آند إم والمؤلفة المشاركة للدراسة، جوليانا رانغيل، والباحثة في مؤسسة ملحق ولاية بن ستيت التعليمية، روبين أندروود، لإنجاز عملية التهجين.

قيّم الفريق استجابة النحلات العاملات للفيرومون الذي يحفز سلوك الحاشية بمجرد تهجين جماعات النحل بنجاح، وعندما وصل نسل النحل إلى عمر مناسب.

تتفحّص الفنية في مختبر غروزنغر التابع إلى جامعة بن ستيت، كيت أنطون، إحدى خلايا النحل على سطح مجمّع ميلينيوم للعلوم في جامعة بن ستيت. المصدر: برينان دينشر
تتفحّص الفنية في مختبر غروزنغر التابع إلى جامعة بن ستيت، كيت أنطون، إحدى خلايا النحل على سطح مجمّع ميلينيوم للعلوم في جامعة بن ستيت. المصدر: برينان دينشر

قال بريسنهان: "تمكّنا بذلك من تركيب جينومات خاصة للآباء وتتبع التعبير الجيني للنحلات العاملات إلى كل والد، وتحديد نسخة الجين الآتية من أحد الوالدين التي يُعبّر عنها".

حدد الفريق الشبكات التنظيمية للجينات التي يحدث فيها الصراع الجينومي، واكتشف الباحثون أن الجينات التي تتمتّع بتحيّز أبوي عُبّر عنها بمعدل أكبر. تتألف هذه الشبكات من الجينات التي بيّنت الأبحاث السابقة أنها مرتبطة بسلوك الحاشية.

اقرأ أيضاً: هل النحل مهدد حقاً بالانقراض؟

قالت عالمة الحشرات في جامعة بن ستيت والمؤلفة المشاركة للدراسة، كرستينا غروزنغر، في بيان صحفي: "دراسة الصراع داخل الجينوم صعبة للغاية؛ ولذلك هناك عدد قليل جداً من الدراسات التي فحصت الدور الذي يؤديه هذا الصراع في تباين السلوك والسمات الأخرى. تشير حقيقة أن هذا هي ثالث مرة نكتشف فيها أدلة تبين أن الصراع داخل الجينوم يسهم في تباين سلوك نحل العسل إلى أن هذا الصراع يؤثر تأثيراً بليغاً في العديد من السمات، لدى النحل والأنواع الأخرى".

يأمل الفريق أن تمثّل الدراسة الجديدة مخطط عمل يسهم في إجراء المزيد من الدراسات حول الصراع داخل الجينوم لدى الحيوانات والنباتات الأخرى.

المحتوى محمي