هل يمكن أن يسبب بعض أنواع الفطريات جائحة في المستقبل؟

هل يمكن أن تسبب بعض أنواع الفطريات جائحة في المستقبل؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Kateryna Kon
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

احتوت الحلقات الثلاث الأولى من مسلسل آخرنا (The Last of Us) الذي يعرض على شبكة آتش بي أو على الكثير من أنواع الفطريات. يبدأ هذا المسلسل بتحذير من قبل عالم الأوبئة الذي يؤدي دوره الممثل جون هانا (John Hannah)، والذي ينص على أن بعض أنواع الفطريات مثل  أوفيوكورديسيبس (Ophiocordyceps) “تسعى للتحكم في سلوك الحيوانات الأخرى التي تصيبها بدلاً من قتلها”. لاحقاً، تشرح عالمة الفطريات في جامعة إندونيسيا، والتي أدت دورها الممثلة كريستين حكيم (Christine Hakim)، أنه لا يوجد أي دواء أو لقاح يساعد البشر في مقاومة هذه الفطريات.

يمثّل اقتراح هذه الشخصية، والذي ينص على أن الحل الوحيد لمقاومة هذه الجائحة الفطرية هو “قصف المدينة وكل من فيها”، مبالغة سينمائية نموذجية. على الرغم من أن البشر يقاومون هذه العدوى من خلال العلاجات الوريدية وليس الأسلحة الحارقة، فإن خطر الجائحات الفطرية حقيقي.

الجائحات الفطرية: خطر حقيقي

يمكن للفطريات التي تعيش على كوكب الأرض أن تمثّل خطراً حقيقياً على الزراعة والتنوّع الحيوي وصحة الإنسان (خصوصاً مع احترار الكوكب)، على الرغم من أنها بعيدة كل البعد عن الكائنات الحية الطفيلية التي تحوّل البشر إلى أحياء أموات (الزومبي). هذه الفطريات هي التي يجب أن تتعلم عنها وتخشاها في بعض الحالات.

لا تعتبر الفطريات التي نعتبرها مضرة أو مقرفة والتي تصيب الإنسان بشكل شائع، مثل تلك التي تتسبب في حالة سعفة القدم والقشرة وحالات عدوى الخميرة البسيطة والتهاب الظفر الفطري، مصدر قلق بالنسبة للأطباء. مع ذلك، يستمر منتجو الأفلام في هوليوود بالمبالغة في تمثيل قدرة بعض الأنواع الاستثنائية من الفطريات على التحكم في سلوك الحيوانات متجاهلين الأنواع الغازية التي تتسبب في دخول الأشخاص إلى المستشفيات والكثير من الوفيات.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن الاستفادة من الجزر النائية في فهم تطور الفطريات؟

تقول الأستاذة المساعدة في علم الفطريات في جامعة شمال أريزونا، بريدجيت باركر (Bridget Barker): “من وجهة نظر سريرية، فإن تأثير هذه الفطريات لا يحظى بالتقدير الكافي”، وتضيف: “لا يحصل المرضى على الرعاية الصحية اللازمة إلا بعد تطور المرض إلى مراحل متقدمة”. نظراً لأن العديد من أنواع الفطريات تصيب الأشخاص الذين يعانون من الأمراض الأخرى بانتهازية، فإن ذلك يجعل فهم العلماء للدور الذي تؤديه في وفاة المرضى معقداً، كما أنه يفسّر على الأرجح عدم الاهتمام بها بين عوام الناس.

يقول الطبيب في جامعة ديوك في ولاية نورث كارولاينا والمتخصص في الأمراض الفطرية، إيلان شوارتز (Ilan Schwartz)، إنه حتى بالنسبة للأطباء، وخصوصاً أولئك الذين يعيشون في دول العالم التي تنتشر فيها حالات العدوى الناجمة عن الفطريات، “التحدّي الأكبر هو القيام بالتشخيص”.

في بعض الدول، لا يزال السريريون يفتقرون للاختبارات الأكثر أساسية، ما يمكن أن يؤدي إلى تشخيصات خاطئة. بحلول الوقت الذي يدرك فيه السريريون أن سبب الحالة المرضية هو الفطريات وليس الأمراض البكتيرية مثل السل، يصبح العلاج عادة أقل فاعلية، ما يمكن أن يؤدي إلى الوفاة.

لكن إذا تم تشخيص العدوى الفطرية باكراً، يمكن أن تكون سبل المعالجة فعّالة للغاية.

علاجات الفطريات المثبتة

وفقاً لشوارتز، هناك 3 أصناف رئيسية من مضادات الفطريات، وهي الأدوية التي تقتل الفطريات أو تثبّط نشاطها. يمكن تناول نوع واحد فقط من هذه الأدوية، والذي يحتوي على مواد تحمل اسم الأزولات (azoles)، كحبوب خارج المستشفيات. وتتطلب الآثار الجانبية السلبية للنوعين الآخرين، وهما إيكانوكانديس (echinocandins) وبولينس (polyenes)، إشرافاً طبياً متخصصاً. يقول شوارتز: “تعتبر مقاومة الفطريات لأي نوع من هذه الأنواع الثلاثة عاملاً ضرورياً للغاية، وهي تحد للغاية من قدرتنا على علاج المرضى”.

لكن ما احتمال ظهور الفطريات التي تقاوم أفضل الأدوية المتوفرة لدينا؟ وفقاً لشوارتز، قاوم أحد أنواع الفطريات التي تعيش في التربة والتي تتسبب أيضاً في الالتهابات الرئوية، والذي يحمل اسم الرشاشية الدخناء (Aspergillus fumigatus)، الأدوية في 10 إلى 15% من العَزْلات في بعض المواقع. يقول شوارتز: “تتميز الأزولات التي تستخدم ميدانياً [لمقاومة الفطريات المسببة للأمراض] ببنية مشابهة للغاية للأدوية التي تستخدم سريرياً”. لذلك، فإن ما قاله جول (Joel) لـ إيلي (Ellie) في الحلقة الثالثة من مسلسل آخرنا صحيح: “الفطريات تطفر”. على الرغم من أن العديد من الفطريات أتقنت إصابة الحيوانات، ومن ضمنها البشر، منذ زمن بعيد، فإن مكافحتها عند دخولها أجسام البشر أصبحت أكثر صعوبة.

مقطع عرضي للأنسجة الرئوية لفأرة بعد 5 أيام من الإصابة يظهر كريّات من فطر الكروانية البوساداسية (Coccidioides posadasii) التي تتسبب في مرض حمى الوادي. تحتوي كل كرية كبيرة على مئات الأبواغ الداخلية. وهي تتمزّق بعد نضجها وتطلق هذه الأبواغ. بريدجيت باركر

الفطريات القاتلة في الواقع

قد يحاجج البعض بأن الفطريات التي تعيش في أجسامنا أخطر بكثير من فطور أوفيوكورديسيبس. تتضمن هذه الفطريات تلك التي تتسبب في مرض حمى الوادي، وهو مرض ينتشر في جنوب غرب الولايات المتحدة ويتوسع انتشاره تجاه الشمال والغرب مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية.

هناك نوعان من الفطريات التي تعيش في التربة يتسببان في هذا المرض، وهما الكروانية البوساداسية والكروانية اللدودة (Coccidioides immitis)، وهما مصدر قلق كبير. تقول باركر، وهي واحدة من أهم الخبراء في الفطريات الكروانية في العالم: “شهدنا بالفعل زيادات في حالات الإصابة بمرض حمى الوادي في مناطق ضمن ولاية كاليفورنيا حيث لم يتم توثيق الكثير من الحالات من قبل”.

تضيف باركر قائلة إن عائلة الأونيجيناليس (Onygenales)، وهي المجموعة الأوسع التي تشمل الفطريات الكروانية، تعتبر “مقلقة لأنها تتسبب في الأمراض لدى الأشخاص الأصحاء”. ونظراً لأن الفطريات الكروانية تتطور إلى جانب الثدييات، “فإن هذه الحيوانات هي الفئة الأكثر عرضة للخطر في المستقبل”، حسب تعبير باركر.

لدى شوارتز مخاوفه الخاصة عندما يتعلق الأمر بالفطريات الكروانية؛ إذ إنه يقول: “الظروف التي تعزز نمو هذه الفطريات هي نفسها التي تزيد من وتيرة حرائق الغابات. تزيد التغيرات التي تطرأ على الأنسجة الظهارية والناجمة عن التعرض لحرائق الغابات من خطر الإصابة بحمى الوادي بشكل كبير”. عندما يدخل الرماد إلى رئتينا، فهو يحمل معه الكثير من هذه الفطريات أيضاً.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تكون الكائنات الغازية مفيدة للأنظمة البيئية؟

الأمراض التي تتسبب فيها الفطريات الكروانية ليست الوحيدة التي يزداد انتشارها. في الواقع، تم الإبلاغ عن عدد قليل من الحالات الصحية الناجمة عن الفطريات الكروانية والأنواع الأخرى في عائلة الأونيجيناليس في الولايات الأميركية التي لا تستوطن فيها هذه الفطريات. يقول شوارتز: “الحالتان الأكثر شيوعاً بالنسبة لي كسريري هما داء المبيضات وداء الرشاشيات، والناجمتان عن فطريات غازية”.

تصيب هذه الأمراض الفطرية الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والناجم في أغلب الحالات عن أمراض مثل السرطان أو حالات العدوى الفيروسية مثل فيروس نقص المناعة البشرية وفيروس كورونا والإنفلونزا. يمكن أيضاً إضعاف جهاز المناعة البشري بسبب الخضوع للعلاج بالكورتيكوستيرويدات والأدوية المثبطة للمناعة مثل سيكلوسبورين (ciclosporin، وهو دواء يحتوي على مادة ينتجها نوع قريب وراثياً من فطريات أوفيوكورديسيبس لأجل الصدفة).

يقول شوارتز: “تتسبب الفيروسات نفسها في العديد من أشكال الشلل المناعي [أي تراجع الاستجابة المناعية]، والذي يتسبب في حالات العدوى الثانوية التي تعيث فساداً في الجسم”.

صغار زيز الحمضيات المصابة بفطريات أوفيوكورديسيبس سوبوليفيرا (Ophiocordyceps sobolifera). مات كاسون

دروس من “فطريات الزومبي” في الحياة البرية

تصيب الفطريات الحيوانات أيضاً. ويؤثر ذلك في صحة الإنسان. تسببت بعض حالات تفشي الأمراض الحديثة واسعة النطاق للفطريات بين الحيوانات البرية في الموت الجماعي لكل من البرمائيات نتيجة داء الفطريات الأصيصية، والخفافيش نتيجة لمتلازمة الأنف الأبيض. يمكن أن تبدو عواقب الجائحات الفطرية الخارجة عن السيطرة وكأنها كارثية. على سبيل المثال، تسببت إحدى هذه الجائحات بطفو المئات من جثث الضفادع على المياه الراكدة الداكنة، مع ارتفاع أرجلها المتصلبة بسبب الفطريات للأعلى فوق سطح المياه.

قبل تسعينيات القرن الماضي، لم يعلم سوى عدد قليل للغاية من علماء الفطريات عن الفطريات المائية الغريبة التي تحمل اسم الفطريات الأصيصية. تسبب النوع الأكثر شيوعاً من هذه الفطريات، والذي يحمل اسم الفطريات الأصيصية البرمائية (باتراشوكايتريوم دندروباتيديس)، في انقراض نحو 90 نوعاً من البرمائيات وانخفاض في عدد 124 نوعاً آخر بنسبة 90% أو أكثر.

اقرأ أيضاً: 5 أمثلة من الطبيعة تثبت أن كائنات الزومبي ليست مجرد خيال علمي

لكن لماذا يجب علينا أن نهتم بالفطريات التي تتسبب في موت الضفادع؟ في الواقع، ووفقاً لخبير الفطريات الأصيصية وأمين قسم الفطريات في جامعة بوردو هيرباريا، رابيرن سيمونز (Rabern Simmons)، يمكن أن يسرّع التغير المناخي انتشار العوامل الممرضة في المناطق التي تمت السيطرة فيها على الانتشار من قبل، كما الحال بالنسبة للعوامل الممرضة التي تصيب البشر.

يقول سيمونز إن الأهم من ذلك هو أن العلماء بدؤوا للتو بملاحظة “التبعات المخفية على صحة البشر” لانخفاض التنوّع الحيوي. في كوستاريكا وبنما، وهما بلدان شهدا انتشاراً كبيراً لداء الفطريات الأصيصية، أدى تراجع جماعات البرمائيات الناجم عن الفطريات الأصيصية البرمائية إلى ازدياد عدد الحشرات مثل البعوض وعدد حالات الملاريا بين البشر، وذلك وفقاً لدراسة نُشرت في عام 2022. يقول سيمونز: “لاحظنا بعض العواقب السلبية على صحة البشر، والناجمة عن نوع من الفطريات المائية المجهرية المتحركة لم يعرف عنه أحد أي شيء تقريباً”.

الخطر الذي تمثّله بعض أنواع الفطريات على البشر حقيقة تماماً. على الرغم من أن فطريات أوفيوكورديسيبس ستستمر في التلاعب بالحشرات المضيفة وقتلها كما فعلت لملايين السنين من تاريخها التطوري المشترك مع هذه اللافقاريات، فإن الفطريات التي قد تتسبب في جائحة بشرية في المستقبل لن تسيطر على أدمغة البشر.

اقرأ أيضاً: هل من الضروري تكثيف الأبحاث على الحيوانات لمنع الجائحة القادمة؟

من المرجح أن يتقاطع تاريخنا التطوري مع نوع لا يبدو خطيراً من الفطريات التي تتربص بهدوء في التربة أو التي تشكّل الأغشية الحيوية في حوض في أحد المستشفيات في العالم، والتي تعمل بلا كلل على التكيّف مع دفاعاتنا البشرية التي تزداد ضعفاً. على الرغم من أن العيش في عالم لا نتخذ فيه الإجراءات اللازمة لوقف المد المتصاعد لمسببات الأمراض الفطرية هو سيناريو مروّع، فإن فشلنا في إدراك الترابط بين مسببات الأمراض والبشر والحيوانات والنباتات الأخرى قد يكون مروعاً أكثر.