يموت الرجال بأعداد أكبر من النساء بسبب لدغات الحيوانات السامة. ولا يعود هذا لأن الرجال يتعرضون أكثر من النساء للحيوانات السامة في عملهم (كانت تميل الإصابات للحدوث في عطلة نهاية الأسبوع)، ولكن لأن الرجال يفعلون أشياء كتقبيل الأفاعي ذات الأجراس (لا يفعل جميع الرجال ذلك). فبعض الناس يعتادون على فعل أشياء هي في الحقيقة حماقات. وقد يكون ذكور الماموث الصوفي قد عاشوا حياة أكثر خطورة أيضاً.
وكما هو الحال في الفيلة التي تعيش اليوم، فإن فيلة الماموث كان تعيش في مجتمع أمومي قوي. وكانت الإناث البالغة تشكل مجموعات صغيرة مع صغارها وبعض الذكور الفتية، ولكن مع بلوغهم سن البلوغ، يترك الذكور أمهاتهم. وأحياناً يشكلون مجموعات للفيلة العزّاب، ولكنهم غالباً يعيشون وحدهم، حيث يجولون بدون توجيه من أقرانهم، وهذا يزيد من احتمال سقوطهم في الفخاخ الطبيعية، كحفر القطران، أو الجليد الرقيق.
على أي حال، إليكم النظرية التي تفسر ذلك. افترض علماء الحفريات هذه الفكرة لتفسير حقيقة أن 69 في المائة من أحافير فيلة الماموث في سيبيريا تعود لذكور ذات أجسام غير متجانسة. وقد نشروا نتائجهم في نوفمبر 2017 في مجلة "كارانت بيولوجي".
وقبل أن يتوصل الباحثون إلى فكرة عزوبية الفيلة في نظريتهم هذه، كانوا يعتقدون أن ذكور الماموث تتنقل أكثر من الإناث. أما الإناث فهي مرتبطة بصغارها التي لا تمشي بنفس السرعة أو لنفس المسافات، ولذلك ربما كانت فرصة سقوط ذكور الماموث في الفخاخ أكبر. ثم تبين لهم أن ذلك إن كان صحيحاً، فإن التفاوت في أعداد فيلة الماموث الصوفي ذات الأحجام الأصغر بين الجنسين سيكون أقل في السجل الأحفوري. وبعد كل هذا، وضمن مساحة محدودة، فإن أحجام الذكور والإناث ستكون متشابهة. ولذلك فقد قام علماء الحفريات بالنظر إلى مجموعتين منفصلتين من الفيلة، الأولى في سيبيريا، والأخرى في جزيرة رانجل في المحيط المتجمد الشمالي. لو كانت نظرية التنقل صحيحة، فإن معدل الموت عند الفيلة على الجزيرة يجب أن يكون أعلى من نظيره عند فيلة سيبيريا. ولكن الأمر لم يكن كذلك. فقد بقيت ذكور فيلة جزيرة رانجل أعلى تمثيلاً في السجل الأحفوري.
واستنتج الباحثون أن نظرية النظام الاجتماعي أكثر منطقية. فالذكور لا تتنقل أكثر وحسب، ولكنها تتنقل أكثر بمفردها، دون أن يكون لديها المعرفة المشتركة التي يوفرها العيش ضمن مجموعة. وربما يكون التأثير أكثر وضوحاً عند فيلة الماموث التي تمارس أنواعاً أخرى من الأمومة، لأن الكثير من السجل الأحفوري الخاص بها يأتي من حفر القطران والمجاري، حيث يرجّح أن تموت الثدييات الكبيرة على الفور وتبقى محفوظة بشكل جيد. أما فيلة الماموث التي ماتت لأسباب طبيعية فستتحلل، وعلى الأرجح لن تنجو من تأثيرات آلاف السنين.
ولا يقتصر هذا الانقسام الجنسي على فيل الماموث الصوفي. فقد كان لدى الحصان المنقرض إكووس أوكسيدنتاليس نظام اجتماعي أمومي، وكانت تميل الذكور الفتية إلى كونها أعلى تمثيلاً في السجل الأحفوري. ولكن المجموعات الأنثوية لم تكن في الغالب محمية بالضرورة. فثور البيسون كان لديه نمط معاكس. فإناث ثور البيسون هي ضعف عدد الذكور في حفر قطران لابريا (وهي منطقة ترسب فيها الإسفلت الطبيعي من داخل الأرض لعشرات الآلاف من السنين، وحفطت فيها بقايا الحيوانات التي حصرت في القطران). ونحن نعلم أن المخلوقات العملاقة كانت تجول في مجموعات من الإناث والعجول الصغيرة، وأنها غالباً ما كانت تهاجر معاً، لذلك فمن المحتمل أن هذه المجموعات الجوالة -الأنثوية على الأغلب- كانت أكثر عرضة للوقوع في الفخاخ.
بطريقة ما، فإن هذا الانقسام بين الذكور والإناث هو مجرد شذوذ في السجل الأحفوري، ولكنه خارج السياق، قد يتعرض للانحياز في البيانات. فإذا افترض علماء الحفريات انقساماً بنسبة 50/50، وقدّروا أن شيئاً ما، مثل حجم الجسم أو النظام الغذائي، يستند إلى هذا الافترض، فإن النتائج ستكون منحازة باتجاه عادات الذكور. إن حجم الجسم -على سبيل المثال- هو من الناحية الجنسية ثنائي الشكل عند الكثير من الثدييات. فعندما يستخدم متوسط حجم عظم الفخذ في السجل الأحفوري للذكور المشوهة لتقدير ارتفاع الحيوان، فإن الحسابات ستكون مرتفعة بشكل غير طبيعي، لأن هناك الكثير من الذكور طويلي القامة بالمقارنة مع الإناث القصيرة.
وفي خضم هذا التحيز العلمي والتنظير التطوري، سيكون من الصعب ألا نشعر بالأسى نحو هذه الفيلة. لقد كانت الذكور الفتية المسكينة تجول لتسقط في حفر القطران أو تنزلق في الجليد الرقيق، وتموت وحيدة في البرية بهذه الطريقة الفظيعة. قد يكون النظام الأبوي كارثة، ولكن ربما لا يكون النظام الأمومي أحسن حالاً. فكر كم كانت حياة فيلة الماموث -وكذلك السجل الأحفوري- ستكون أفضل حالاً لو أن كل واحد منها كان بإمكانه أن يحظى بالرعاية الشاملة.