ماذا يوجد داخل تابوت صغير عمره 2,500 عام؟ تمكّن الباحثون في ال البريطاني من كشف النقاب عما تحتويه هذه التوابيت؛ إذ استخدم فريق من العلماء تقنية تسمَّى "التصوير المقطعي النيوتروني" للاطّلاع على محتويات 6 توابيت للحيوانات المصرية مغلقة منذ أكثر من 2,000 عام، دون التسبب بأي تلف لهذه التوابيت. كشفت دراسة نُشرت في 20 أبريل/ نيسان في مجلة "ساينتفيك ريبورتس" (Scientific Reports) محتويات هذه التوابيت.
التصوير المقطعي النيوتروني
تسمح تقنية التصوير المقطعي النيوتروني للباحثين بفحص المحتويات دون الحاجة إلى فتح هذه التوابيت أو تخريبها؛ إذ تعتمد هذه التقنية على إرسال أشعة من النيوترونات المنبعثة من مصدر خاص عبر المادة المراد فحصها لإنشاء صور لهذه المادة. تُعد تقنية التصوير المقطعي النيوتروني أكثر فعالية من تقنية التصوير بالأشعة السينية، من حيث قدرتها على اختراق المعادن ورؤية محتوياتها. طوّر الفريق هذه التقنية بعد فشل وسائل أخرى؛ مثل الأشعة السينية التقليدية، في إظهار محتويات التوابيت دون تخريبها.
توابيت لحيوانات محنطة
ووفقاً للدراسة؛ تتراوح أطوال التوابيت بين 5 سنتيمترات و30 سنتيمتراً تقريباً، ويعود تاريخها إلى الفترة الممتدة بين عامَيّ 664 و250 قبل الميلاد، خلال الفترة الأخيرة من تاريخ الحضارة المصرية القديمة. كانت التوابيت المزخرفة مصنوعة من مركبات نحاسية، وكانت مغطاة بصور ثعابين البحر وثعابين الكوبرا والسحالي. عُثر على 3 من هذه التوابيت في مدينة قديمة كانت تُعرف باسم "نقراطيس" (Naukratis) (تُعرف اليوم باسم "كوم جعيف")، فيما عُثر على تابوتَين في منطقة تل اليهودية في عام 1885، أما التابوتان الآخران فما يزالان مجهولا المصدر حتى الآن.
اقرأ أيضاً: لماذا برع المصريون القدامى في تحنيط الموتى؟
كشفت عمليات المسح التي أجراها الباحثون عن وجود عظام داخل 3 من التوابيت، وتضمنت هذه العظام جمجمة سليمة تتميز بأبعاد مماثلة لمجموعة من السحالي التي تنتشر في شمال إفريقيا، فيما كانت هناك دلائل على وجود عظام متفتتة داخل تابوتَين آخرَين.
تقول المؤلفة المشاركة في الدراسة والمشرفة على المشروع في المتحف البريطاني، أوريليا ماسون بيرغوف (Aurélia Masson-Berghoff) في بيان صحفي: "كان المصريون القدماء في الألفية الأولى قبل الميلاد يحنّطون السحالي والزواحف والقطط والكلاب والصقور وطيور أبو منجل والزَبابات والأسماك، وارتبطت زواحف مثل الأفاعي وثعابين البحر ارتباطاً وثيقاً بآلهة الشمس والخلق المصرية القديمة مثل آتوم (Atum)، ولعل التوابيت المُكتشفة في مدينة نقراطيس ترتبط بالإله آمون رع شينا (Amun-Ra Shena). تساعدنا تكنولوجيا التصوير النيوتروني على معرفة المزيد من المعلومات حول ممارسات تقديم القرابين والطقوس الدينية المتعلقة بهذه التوابيت الحيوانية التي كان من الصعب اختراقها، وأساليب صنعها واستخدامها وعرضها".
عثر الباحثون على بقايا قطع قماشية قد تكون مصنوعة من الكتان، الذي كان يُستخدم كثيراً في عمليات التحنيط في مصر القديمة، ويعتقد الفريق أن قطع الكتان التي عُثر عليها ربما تكون قد استُخدمت لتغطية الحيوانات قبل وضعها داخل التوابيت.
كما عثر الباحثون على معدن الرصاص في 3 توابيت، وربما يكون استُخدم للمساعدة على تخفيف وزن تابوتَين، بالإضافة إلى إصلاح ثقب في التابوت الثالث، وربما كان استخدام الرصاص في تلك التوابيت مرتبطاً بمكانته بوصفه مادة سحرية في الثقافة المصرية القديمة؛ إذ أظهرت دراسات سابقة استخدام هذا المعدن في صنع تعويذات الحب واللعنات في الثقافة المصرية القديمة. ولم يحدد العلماء وجود أي مواد رصاصية في التوابيت الأخرى المثبّتة بواسطة حلقتَي تعليق.
اقرأ أيضاً: كيف أثرت الروائح بالمصريين القدماء وشعوب شبه الجزيرة العربية؟
ربما وُضعت هذه الحلقات لتعليق التوابيت الأخف وزناً على جدران ضريح أو معبد، ويمكن أن تكون وُضعت لتعليق التوابيت الصغيرة على القوارب، أو حتى على التماثيل المستخدَمة في المواكب الدينية.
تفسيرات محتملة لتحنيط الحيوانات في مصر القديمة
تقدم الدراسة مزيداً من الأفكار حول كيفية صناعة توابيت الحيوانات واستخدامها في مصر القديمة. كانت عمليات تحنيط الحيوانات منتشرة على نطاق واسع في مصر القديمة، ويُعتقد أن بعض الحيوانات المحنّطة كانت بمثابة تجسيد مادي للآلهة، فيما قُدّمت الحيوانات المحنّطة الأخرى كقرابين لهذه الآلهة أو ربما استُخدمت في أداء الطقوس الدينية.
تقول المؤلفة المشاركة في الدراسة، والزميلة الباحثة في مجلس مرافق العلوم والتكنولوجيا (Science and Technology Facilities Council)، آنا فيدريغو (Anna Fedrigo) في بيان صحفي: "تُستخدم تقنية التصوير النيوتروني في العديد من التطبيقات المهمة في علوم القرن الحادي والعشرين. توضح الدراسة أن هذه التقنية يمكن أن تكشف النقاب عن البنية الداخلية للأشياء الأثرية المعقدة، بالإضافة إلى فهم تقنيات تصنيعها ومحتوياتها".