قيل لي "ما الغاية من قراءة الكتب والروايات؟ هي لا تقدم حلولاً عملية للعالم التكنولوجي الذي نعيش فيه اليوم. الأجدى من تضييع الوقت في قراءة الكتب التركيز على تعلم مهارة تستفيد منها في هذا العصر، الذي تُطرح فيه كل يوم أداة تقنية أو تطبيق أروع وأكثر تطوراً مما طُرح في اليوم السابق".
حسنٌ، ربما لن تفيدك قراءة الكتب والروايات في مواكبة تشات جي بي تي وأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكنها وبالإضافة إلى المتعة والراحة النفسية التي تمنحك إياها، فإن القراءة تزيد ذكاءك، والذكاء هو ما تحتاجه للتعامل مع العالم من حولك.
كيف تزيد قراءة الكتب الذكاء؟
بداية، ما هو الذكاء أساساً؟ أحد تعريفات الذكاء أنه: "سمة ذهنية تتكون من القدرة على التعلم من التجربة، والتكيف مع المواقف الجديدة، وفهم المفاهيم المجردة والتعامل معها، واستخدام هذه المعرفة لتغيير البيئة المحيطة". وقد يُعرف أيضاً بأنه "القدرة على حل المشكلات واتخاذ القرارات التي تعطي نتائج مفيدة، وقد تطور للتكيف مع البيئات المختلفة من أجل البقاء والازدهار".
يقيس اختبار معدل الذكاء (Intelligence Quotient Test. IQ Test) كلاً من الذكاء السائل (القدرة على التفكير المنطقي وإيجاد الروابط وحل المشكلات بطريقة تجريدية أي بمعزل عن المعرفة المكتسبة) والذكاء المتبلور (القدرة على استخدام المهارات والمعارف والخبرات المكتسبة).
وجدير بالذكر هنا، أن العديد من الخبراء يتفقون على أن اختبار معدل الذكاء لا يعطي صورة كاملة عن الذكاء، لأنه لا يقيس سمات مهمة مثل الإبداع أو المهارات العاطفية، والأحرى أن نضيف نوعاً مهماً آخر من الذكاء، هو الذكاء العاطفي؛ ويعني القدرة على فهم المشاعر وتحديدها في النفس وفي الآخرين، وتنظيم هذه المشاعر وإدارتها والتأثير في الآخرين. وبالطبع، يمكن لقراءة الكتب أن تعزز ذكاءك في هذه المجالات الثلاثة، وإليك كيف.
تقوي الدماغ وتحسن صحته
ذكرت دراسة منشورة في دورية روابط الدماغ (Brain Connect) عام 2013، نفذتها مجموعة من الباحثين بقيادة غريغوري بيرنز (Gregory S. Berns)، أن القراءة تنشِّط عدة مناطق في الدماغ وتزيد الاتصالات العصبية فيما بينها بمرور الوقت، بحيث تصبح هذه الشبكات العصبية أقوى وأكثر تعقيداً.
في حين أشارت دراسة أخرى إلى أن القراءة بانتظام وغيرها من أنشطة التدريب الذهني اليومي تحسِّن الوظائف المعرفية عند البالغين العاديين، وتقلل احتمال مواجهة فقدان الذاكرة الشديد والتدهور المعرفي المرتبط بالعمر.
تزيد معرفتك وتعرض أمامك أفكاراً جديدة
لنفترض أن شخصاً يعيش حياة روتينية في بلدة مملة، يُفترض أن يعمل في الوظيفة نفسها من الصباح حتى بعد الظهر طيلة عمره، يرتاح قليلاً، ثم ينام مستعداً لصباح اليوم التالي. غالباً ما سيمتلك هذا الشخص معرفة عامة أقل من الشخص الذي يعمل في المراكز البحثية، أو يسافر بين البلدان، أو يعمل في عدة وظائف مختلفة.
وبالطبع، لا يعني ذلك أن الشخص الثاني أذكى من الأول؛ فللذكاء أنواع عديدة كما اقترح عالم النفس والبروفيسور، هوارد غاردنر (Howard Gardner) في كتابه "أُطُر العقل" عام 1983؛ وهي: الذكاء اللغوي، والذكاء المنطقي الرياضي، والذكاء النفسي الذاتي، والذكاء بين الأفراد، والذكاء الموسيقي، والذكاء الحسي الحركي، والذكاء البصري المكاني، والذكاء الطبيعي.
معنى هذا الكلام أن ذكاء الشخص الأول ونقاط قوته قد تكمن في أي نوع من هذه الأنواع، لكن ومع ذلك، فإن الظروف التي نعيشها يومياً تحدد كمية الأفكار التي تخطر في بالنا، بالإضافة إلى أن المعرفة تؤدي دوراً مهماً في الذكاء العام.
فكلما كانت معرفتك أكبر كان ذكاؤك أعلى. وبالطبع، يمكن لقراءة الكتب أن تزيد معرفتك وتفتح ذهنك على أفكار ومفاهيم ومعلومات جديدة، بغض النظر عن المكان الذي تعيش فيه أو الوظيفة التي تعمل بها. وبالطبع، لا يقتصر الأمر على الروايات، يمكنك أن تختار أي موضوع تحبه وتقرأ فيه، من الفلسفة إلى تطوير الذات أو التاريخ أو ما يفيدك في حياتك المهنية وما إلى ذلك.
اقرأ أيضاً: هل تكفي قراءة عشرات الكتب الورقية لتعويض البصمة الكربونية للقارئ الإلكتروني؟
تقوّي مهارات حل المشكلات
تغذي القراءة الخيال؛ إذ تفتح أمامك أبواباً واسعة على عوالم جديدة ومختلفة. والخيال يعزز الإبداع، ما يسهل عليك العثور على حلول جديدة وفريدة من نوعها للتحديات والمشكلات التي تواجهك خلال الحياة اليومية. وعلى الرغم من أن الكتب الواقعية مثل كتب تطوير الذات وكتب الإرشادات والتعليمات تعد طريقة مباشرة نسبياً لحل المشكلات، فإن إيجاد الروابط بين ما تقرأه في الكتب المختلفة والحياة اليومية قد يساعدك على التفكير في حلول أكثر إبداعاً.
تعزز الذكاء العاطفي
وجد الباحثان ديفيد كومر كيد (David Comer Kidd) وإيمانويل كاستانو (Emanuel Castano) من المدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية (The New School of Social Research) في دراسة منشورة في دورية العلوم (Science) عام 2013، أن قراءة الروايات والخيال الأدبي يعزز نظرية العقل؛ أي يعزز المهارات التي تساعد على بناء علاقات شخصية قوية مع الآخرين والحفاظ عليها، أكثر من قراءة الخيال الشعبي أو الكتب غير الأدبية.
وعلى الرغم من أن المهارات المطلوبة اليوم تأخذ طابعاً تقنياً بشكل متزايد، فثمة حاجة كبيرة لتطوير القدرات البشرية على العمل مع الآخرين والتعاون معهم بغية تحقيق الأهداف المهمة. تقول مدربة الذكاء العاطفي والعميدة السابقة في قسم التعليم المستمر في جامعة هارفارد، مارغريت أندروز (Margaret Andrews)، إن الذكاء العاطفي مهارة أساسية تساعد الأشخاص طوال حياتهم المهنية وفي أي مكان يجدون فيه هيكلاً تنظيمياً". وقد تبين أن قراءة الروايات الأدبية تساعد على اكتساب نظرة ثاقبة عن أفكار الآخرين ودوافعهم وأفعالهم، وتساعد على تعزيز الوعي الاجتماعي.
بالإضافة إلى ذلك، عندما تقرأ الخيال الأدبي، فأنت تكتشف أفكار الشخصيات وتتعرف إلى اختياراتها وتتعلم من أخطائها دون أن تواجه عواقب تلك الأفعال على أرض الواقع، أي تتيح القراءة لك فرصة آمنة لاكتشاف الأفعال وعواقبها، واكتساب الخبرة التي تساعد على تقوية شخصيتك. كلما قرأت أكثر زادت احتمالية اكتساب المعرفة والفهم.
اقرأ أيضاً: تحد من التوتر والاكتئاب: إليك فوائد القراءة للدماغ والجسم
توفر فرصة للتعرف على الحضارات والثقافات الأُخرى
يقول الأديب والصحفي السعودي محمد الرطيان "بإمكانك أن تشعر بصقيع موسكو، وتشم رائحة زهور أمستردام، وتتجاذب أطراف الحديث مع حكيم صيني عاش في القرن الثاني قبل الميلاد، بإمكانك أن تفعل ذلك كله وأنت في بيتك عبر القراءة".
فحتى لو لم تسافر إلى أي بلد آخر، فإن القراءة ستسافر بك عبر المكان والزمان؛ إذ تساعدك على اكتشاف ثقافات وتقاليد أخرى، وتفتح أمامك فرصة للتواصل مع الشخصيات التي تمتلك تجارب حياتية مختلفة والتعرف إلى وجهات نظرها. لكن ما علاقة هذا كله بالذكاء؟ كلما زادت معرفتك بالثقافات الأخرى وفهمها قل احتمال تمسكك بالأفكار النمطية والمسبقة عن الآخرين، وساعدتك على تقبل اختلافهم، وفهم تعقيدات المجتمعات المختلفة.
اقرأ؛ فالقراءة تزيد الذكاء وتساعد على الشعور بالاسترخاء وتقلل التوتر وتحارب الاكتئاب، وفوق هذا كله، اقرأ إن شعرت أن حياة واحدة لا تكفيك.