عندما تطارد النمور فرائسها في ضوء الغسق، أو مع خيوط الفجر الأولى، لا يمكن رؤيتها بسهولة، وسواء كانت تعيش في الأراضي العشبية أو الغابات أو الأدغال، تكسو النمور البرية فراءٌ برتقاليةٌ داكنةٌ مخططةٌ، إذاً كيف يمكن لمثل هذا الحيوان ذو الألوان الزاهية أن يبقى متخفياً عن الأنظار جيداً بما يكفي للصيد بنجاح؟
الجواب ببساطة؛ التمويه.
النمور الخضراء؟
لقد شاهدت عن كثب؛ أثناء عملي كطبيب بيطري للحيوانات، كيف يتطور فراء مختلَف الحيوانات وريشها وألوانها وبقعها وخطوطها، وذلك إما لتساعدها على جذب الشركاء أو للتخفي عن أعين فريستها، ويُعرف ذلك بالتمويه.
بما أن النمور من الحيوانات المفترسة وتقبع على قمة السلسلة الغذائية، ليست بحاجةٍ للاختباء من الحيوانات، فهي من آكلات اللحوم، وتستفيد من التمويه للصيد بنجاح، كما تستفيد من ضعف الرؤية لدى فرائسها؛ حيث لا تستطيع الغزلان والحيوانات الأخرى من ذوات الحوافر رؤية النطاق الألوان الكامل– تماماً مثل الإنسان المصاب بعمى الألوان- وربما يساعدها ذلك على الرؤية في الضوء الخافت، لكنه يعرضها للخطر أيضاً، فهي لا ترى فراء النمر برتقالياً زاهياً، بل تراه أخضر اللون ومتماهياً مع محيطها.
مختبئ وعلى مرأى الجميع
تلعب خطوط النمر دوراً مهماً أيضاً، فخطوطه العمودية؛ التي يتراوح لونها من البني إلى الأسود، تساعد في تشويه شكل النمر وحجمه ليتماهى من الأشجار والأعشاب الطويلة، ويدعو علماء الأحياء هذا النوع من التمويه «التلوين التخريبي الاندماجي»، أو «تأثير الارتباك»، ويكتسب هذا الأمر أهمية بالنسبة للنمور لأنها لا تصطاد في مجموعاتٍ مثل الأسد، أو لديها سرعة عالية كالفهد، فالنمور في النهاية قطط منفردة تعتمد على التخفي والتمويه للعيش.
وتختلف الخطوط حتى بين سلالات النمر الستة؛ فالسلالات الفرعية من نمور سومطرة تمتلك خطوطاً أكثر وأضيق بكثير من الأنواع الأخرى، ليساعدها ذلك على التخفي في الأحراش الكثيفة حيث تعيش.
فريدة كبصمة الإصبع
عندما تتعامل مع نمور مختلفة عن كثب- كما أفعل في عملي- سترى أن أنماط الخطوط لديها فريدة، على غرار الحمار الوحشي (حمار الزرد) تماماً؛ لا يوجد اثنان منها متماثلان، فهي تميزها عن بعضها مثل بصمات الأصابع لدى الإنسان، مما يساعد باحثي الحياة البرية على دراستها وتمييزها وإحصاء أعدادها. يقدر خبراء النمور أن هناك حوالي 3400 نمراً برياً متبقياً في مختلف أنحاء آسيا؛ حيث يعتمدون في تقاريرهم على التقاط صورٍ لها باستخدام كاميراتٍ مثبتة عند مرورهم أمامها.
في الواقع، عندما نُضطر أحياناً إلى تخدير نمر مصاب لعلاجه وحلاقة فرائه، فإننا نلاحظ أن جلده يبدو تحت الفراء وكأنه موشوم؛ حيث يكتسب نفس نمط خطوط فرائه أيضاً.
النمور البيضاء
إذا كان الغرض من خطوط النمور تخفيها عن الفرائس المحتملة، فلماذا تكون بعض النمور لونها أبيض؟ ألا يجعل ذلك كشفها سهلاً في الغابة؟
هناك بعض النمور لونها أبيض بالفعل، وقد نراها على التلفاز أو في المحميات الطبيعية أو حدائق الحيوان التي تجذب السياح، لذا قد نعتقد أنها شائعة، لكنها في الواقع ليست كذلك. في الحقيقة، هناك طفرة جينية في نمور البنغال تكسبها الفرو الأبيض، وينبغي أن يحمل كلا الوالدين نفس الطفرة الجينية كي تنتج أشبالاً بيضاء، وبطبيعة الحال، فإن إكثار النمور في الأسر بهدف جذب السياح يتم غالباً بين الأقارب، وعادةً ما ينتج عن ذلك ذريةٌ غير صالحة.
لم يكن هناك سوى عددٍ قليل من النمور البيضاء تعيش بحالةٍ برية، وقد شوهدت آخر مرة منذ أكثر من 60 عاماً. سيكون اختفاؤها منطقياً، نظراً لسهولة تمييز النمور البيضاء مقارنةً بالنمور البرتقالية؛ وبالتالي سيكون من الصعب عليها التخفي عن الفرائس واصطيادها، فتراجعت أعدادها تلقائياً.
يساعد الفرو المخطط المميز النمور على الصيد بنجاح، ولكنها تُعد بنفس الوقت أحد أسباب تعرّضها للخطر؛ إذ يصطادها البشر من أجل فرائها الجميل، الذي تبلغ أسعاره مبالغَ خياليةً في ظلّ الحظر الدولي على تجارة الحياة البرية؛ التي يأتي معظمها من آسيا. يعمل حراس المنتزهات ومجموعات الحفاظ على حماية هذا الحيوان الأيقوني، والذي يُعتبر أكبر القطط بين السنوريات.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً