لماذا لم يحرك معظم البشر هذه العضلات منذ 25 مليون سنة؟

3 دقيقة
لماذا لم يحرك معظم البشر هذه العضلات منذ 25 مليون سنة؟
يستطيع نحو 10% إلى 20% فقط من الناس تحريك آذانهم.

تمتع أسلاف البشر القدماء بأجزاء جسدية أصبحت عديمة الفائدة إلى حد ما مع تطورهم ومرور الزمن، مثل أضراس العقل والذيول التي تظهر في أجسام الأجنة في الأسبوع السادس من الحمل والعضلات الأذنية. ساعدت العضلات الأذنية على تغيير شكل غلاف الأذن، الذي يحمل اسم "صيوان الأذن" (أو الأُذينة)، كما ساعدت البشر الذين عاشوا منذ ملايين السنين على الإنصات. يتمتع نحو 10% إلى 20% من البشر بالقدرة المضحكة على استخدام هذه العضلات لتحريك الآذان.

مع ذلك، من المحتمل أن البشر يستخدمون هذه العضلات الأثرية أكثر مما اعتقد العلماء من قبل. يبدو أن العضلات الأذنية تنشط عندما يحاول البشر الاستماع إلى الأصوات المتضاربة، وليس فقط عند تحريك الأذنين. وصف العلماء هذه النتائج في دراسة نشرتها مجلة آفاق في علم الأعصاب (Frontiers in Neuroscience) بتاريخ 31 يناير/كانون الثاني 2025.

قال عالم الأعصاب في جامعة سارلاند في ألمانيا والمؤلف المشارك للدراسة، أندرياس شرودر، في بيان صحفي: "هناك ثلاث عضلات كبيرة تربط صيوان الأذن بالجمجمة وفروة الرأس، وهي مهمة لتحريك الأذن. يزداد نشاط هذه العضلات، خاصة العضلة الأذنية العلوية، في أثناء مهام الاستماع المجهدة، ما يشير إلى أن نشاط هذه العضلات ليس مجرد رد فعل بل إنه جزء من آلية جهد انتباهي، خاصة في البيئات التي تشوش على حاسة السمع".

اقرأ أيضاً: لماذا تهز الكلاب أجسامها عند البلل؟ وكيف سيساعد ذلك على تطوير علاجات للبشر؟

أصوات تتنافس على جذب الانتباه

استخدم العلماء في الدراسة الجديدة تقنية تحمل اسم "تخطيط كهربية العضل" لقياس مدى شدة إنصات الفرد دون أن يطلبوا منه الإبلاغ عن هذه الشدة بنفسه. تقيس عملية تخطيط كهربية العضل النشاط الكهربائي في العضلات، وقد تساعد العلماء على تحديد الأجزاء في العضلات الأذنية التي تتمتع بالنشاط المرتبط بالاستماع عن كثب. اكتشف العلماء في أبحاث مشابهة أن أكبر العضلات، وهي العضلات الأذنية الخلفية والعضلات الأذنية العلوية، تستجيب للأصوات في أثناء الاستماع اليقظ؛ إذ إنها تسحب الأذنين إلى الأعلى والخلف، ويعتقد العلماء أنها أدت دوراً في تحريك صيوان الأذن لالتقاط الأصوات في الماضي.

قال شرودر: "تحديد السبب الذي جعل هذه العضلات أثرية بدقة صعب؛ إذ فقد أسلافنا القدرة على تحريك الأذنين منذ نحو 25 مليون سنة. ينص أحد التفسيرات المحتملة على أن الضغط التطوري لتحريك الأذنين زال لأن البشر أصبحوا أكثر كفاءة في استخدام الأجهزة البصرية والصوتية".

هدف العلماء إلى تحديد إن كانت هذه العضلات تتمتع بنشاط أكبر خلال مهام الاستماع الأصعب، ودرسوا 20 شخصاً من الذين لا يعانون أي مشكلات سمعية موثقة. وضع العلماء أولاً أقطاباً كهربائية على العضلات الأذنية للمشاركين ثم شغّلوا كتاباً صوتياً وبعض المدونات الصوتية المشتتة للانتباه من مكبرات الصوت الموضوعة أمام المستمعين أو خلفهم. خضع المشاركون لـ 12 تجربة بلغت مدة كل منها 5 دقائق وغطّت ثلاثة مستويات مختلفة من الصعوبة.

كانت المدونة الصوتية في المستوى السهل أكثر هدوءاً من الكتاب الصوتي، بينما كان صوت المتحدث في المدونة أشد من صوت الكتاب الصوتي. أما في المستويين المتوسط والصعب، فقد أضاف الباحثون مدونة صوتية يشبه صوتها صوت الكتاب الصوتي وجعلوا صوت المشتتات أعلى. مع ذلك، كان على الباحثين أن يضمنوا تمكن المشاركين من الاستماع حتى في أصعب الظروف، وذلك لأن الأجهزة لن تسجل الجهد الفيزيولوجي إذا استسلم المشاركون.

بعد ذلك، طلب الفريق من المشاركين تقييم مستويات جهدهم وتقدير عدد المرات التي لم يتمكنوا فيها من متابعة الكتاب الصوتي في كل تجربة. بالإضافة إلى ذلك، أجرى الفريق اختباراً للمشاركين حول محتوى الكتاب الصوتي.

اقرأ أيضاً: لماذا يمتلك البشر شحمة أذن؟ حقيقة علمية غريبة

جهاز يبذل قصارى جهده

اكتشف الفريق أن هناك عضلتين أذنيتين تفاعلتا على نحو مختلف مع الظروف المختلفة. تفاعلت العضلات الأذنية الخلفية مع التغيرات في الاتجاه، بينما تفاعلت العضلات الأذنية العلوية مع مستوى صعوبة المهمة. بالإضافة إلى ذلك، لاحظ الباحثون أيضاً أنه كلما ازدادت صعوبة المهمة، ازداد عدد المرات التي فشل فيها المشاركون في متابعة الكتاب الصوتي والتقديرات التي أبلغوا عنها ذاتياً لمدى صعوبة الاستماع. انخفضت أيضاً دقة إجابات المشاركين عن الأسئلة المتعلقة بالكتاب الصوتي على نحو ملحوظ بين المستويين المتوسط والصعب.

وفقاً للمؤلفين، ارتبط ذلك بمستويات نشاط عضلات الأذن العليا. لم تنشط هذه العضلات في المستوى المتوسط كما كانت في المستوى السهل، ولكنها كانت نشطة جداً في المستوى الصعب، ما يشير إلى أن نشاط هذه العضلات يمكن أن يمثّل مقياساً موضوعياً لمجهود الاستماع. مع ذلك، لا يزال من غير الواضح إن كان نشاط العضلات يساعد البشر بالفعل على الاستماع بكفاءة أكبر.

قال شرودر: "حركات الأذن التي يمكن أن تتولد عن الإشارات التي سجلناها ضئيلة للغاية لدرجة أنها غير مفيدة بصورة ملحوظة على الأرجح. مع ذلك، يؤدي الصيوان نفسه دوراً في قدرة البشر على تحديد مصدر الصوت. لذلك، من المرجح أن الجهاز الحركي الأذني يعمل بكفاءته القصوى بعد أن ظل أثرياً مدة 25 مليون سنة، لكن هذه الكفاءة منخفضة في النهاية".

يجب إجراء المزيد من الأبحاث لتأكيد النتائج وتطوير التطبيقات العملية. مثل العديد من الدراسات حول السمع، كان حجم العينة في الدراسة الجديدة صغيراً نسبياً، وتألفت العينة من أفراد أصغر سناً لا يعانون المشكلات السمعية. إذا أراد العلماء التوصل إلى استنتاجات حاسمة حول دور العضلات الأذنية، فعليهم إجراء دراسات تتضمن مجموعات أكبر وأكثر تنوعاً من المشاركين وإخضاعهم إلى اختبارات تتمتع بظروف واقعية أكثر.

قال شرودر: "نريد في المستقبل البحث في التأثيرات المحتملة لإجهاد العضلات الأذنية أو حركات الأذن الصغيرة في نقل الصوت. ستكون دراسة تأثير هذه العوامل في الأشخاص الذين يعانون ضعف السمع موضع اهتمام لدينا أيضاً".

المحتوى محمي