تُعدّ هجرة الحيوانات إلى مناطق جديدة، واستيطانها، سلوكاً تتبعه بعض الأنواع لضمان بقاء نوعها، أكثر من كونه أمراً يُعبّر عن حبّها للارتحال، فالعديد من المخلوقات تهاجر لمئات الأميال بغرض العثور على الموارد قبل العودة إلى موطنها والتزاوج، لكن، كيف تعرف هذه المخلوقات طريقها عبر آلاف الأميال؟ صحيح أن اقتفاء أثر الرائحة، إلى جانب الحقل المغناطيسي الأرضي، قد يساعدها على تحديد اتجاهها أثناء هجرتها، إلا أنّ بعض تفاصيل هجرتها وعودتها مجدداً لا تزال لغزاً يُحيّر العلماء.
تتّبع الحيوانات المائية عادةً التيارات المائية لتصل إلى المياه المفتوحة، لكنّها لا تستفيد من اقتفاء أثر رائحتها إلا عندما تكون عائدة إلى موطنها من أجل التكاثر. على سبيل المثال، يفقس بيض سمك حفش البحيرة في الأعماق الحصوية لنهر «كيواوني» في ويسكنسون، ثم ينتقل 160 كم، ليصل إلى البحيرات العظمى؛ حيث يعيش بها لمدّة عقد أو اثنين، قبل أن يُعيد الكرّة ويهاجر مجدداً، بينما يستوطن 4% منها المكان الجديد. تشرح «جيسيكا كولير»؛ عالمة الأحياء في مصلحة الأسماك والحياة البرية الأميركية في «جرين باي»، هذا الأمر بقولها: «إنها تترك أثراً في النهر الذي وُلدت فيه، ربما تستخدم أسماك الحفش أعضاءها الحسيّة الشبيهة بالشوارب لتَحسُّس البروتينات التي تركها أسلافها سابقاً؛ مما يسمح لها معرفة طريقها».
يمكن لأنواع الحيوانات التي تُهاجر لمسافاتٍ أطول أن تستفيد من الحقل المغناطيسي الأرضي بدلاً من ذلك. على سبيل المثال، يقطع طائر الخرشنّة القطبي مسافة 19 ألف كم تقريباً من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي، بينما تقطع السلحفاة البحرية ضخمة الرأس مسافة 12 ألف كم تقريباً من اليابان إلى باجا في كاليفورنيا، وتهاجر عثّة «بوغونغ» 965 كم تقريباً عبر أستراليا، لقضاء فصل الشتاء في الكهوف. دقّة الحشرات مذهلة إلى حدٍ كبير، لدرجة أنها عندما تعود للتكاثر، تتزاوج في المكان نفسه الذي فقست فيه تماماً.
يقول «إريك وارنت»؛ عالم الحيوان بجامعة لوند في السويد: «إن العثّ لا يعتمد كلياً على الحقل المغناطيسي للأرض، لكنه أشبه بالرحّالة الذي يستخدم البوصلة لمعرفة طريقه؛ فهو يعتمد مساراً باتجاهاتٍ رئيسية، ثم يُعدّل مساره أثناء رحلته بناء على معالم الطريق»، ولكن حتّى هذا النظام متعدد الحواس لا يروي القصّة بأكملها. يقول وارنت: «يموت والدا العثّة قبل أن تصبح قادرة على الطيران بثلاثة أشهر، فهي لا تعرف شيئاً أبداً عن المكان الذي ستذهب إليه، لدرجةٍ تدفعنا للاعتقاد أنها ورثت غريزة البحث عن علامات محددة على الطريق تستهدي بها».
إن فك الشيفرة الجينية؛ التي تقف وراء غريزة التوّجه، التي تستخدمها الحيوانات يمكن أن يقدّم صورةً أوضح لكيفية انتقالها لهذه المسافات كلها، فضلاً عن مساعدتنا في تقييم إذا ما كان حدس الاتجاه المُرمّز في حمضها النووي لا تعوقه التغيرات التي يقوم بها البشر؛ مثل إنشاء السدود والتلّوث الضوئي. إذا استمرتِ الأبحاث لمعرفة اللغز الكامن وراء ذلك، فقد نتمكّن من تقديم أفكارٍ تُفيد في مساعدة هذه المخلوقات للوصول إلى وجهتها في المستقبل.