هل يؤثر طقس الفضاء العنيف على وجود كواكب خارجية صالحة للحياة؟

3 دقائق
طقس الفضاء

يتعرض كوكب الأرض باستمرار لسيل من الموجات المشحونة عالية الطاقة، والناجمة عن الانفجارات الشمسية، لكنّ المجال المغناطيسي يحميه منها، وقد تتسبب موجات الطاقة هذه في أننا نرى مزيجاً من الألوان المتراقصة؛ فيما بات يُعرف بظاهرة «الشفق القطبي»، نتيجة تفاعلها مع غلاف الأرض المغناطيسي. ولكن هل يمكن للانفجارات العنيفة التي تحدث في الأنظمة الشمسية الأخرى وطقس الفضاء العنيف هذا أن تجعل العوالم البعيدة غير صالحةٍ للحياة؟

لقد أكَّد علماء الفلك في وقتٍ سابقٍ من هذا العام وجود كوكبين شبيهين بالأرض يدوران حول النجم القزم الأحمر البارد «بروكسيما سنتوري»؛ وهو أقرب نجم إلى شمسنا، حيث يبعد عنها 4.2 سنة ضوئية. وقد قال العلماء حينها أنّ أحدهما؛ ويدعى «بروكسيما سنتوري ب.»، يقع في منطقةٍ تؤهله ليكون صالحاً للحياة، حيث يُحتمل أن تسمح درجات الحرارة عليه بوجود الماء السائل على سطحه.

في دراسةٍ حديثة نُشرت في دورية «أستروفيزيكال جورنال»، استخدم الباحثون مجموعة من التلسكوبات البصرية لمراقبة تلك النجوم على مدار 11 ليلة متتالية. استخدم الباحثون في المراقبة القمر الصناعي التابع لناسا «تيس»؛ المصمم للبحث عن الكواكب خارج المجموعة الشمسية، والتلسكوبات الراديوية الأسترالية مثل مصفوفة باثفايندر، وتلسكوب زادكو في جامعة ويسترن أستراليا.
هل تؤذينا الانفجارات الشمسية؟
في الواقع، لا تؤذينا الموجات الشديدة الناجمة عن الانفجارات الشمسية (الرياح الشمسية) بفضل الغلاف المغناطيسي للأرض، لكنّ الفريق أراد أن يتعرّف على الأثر الذي يمكن أن تتركه مثل هذه الموجات على الأنظمة الأخرى، إذ يُمكن لهذه الموجات عالية الطاقة أن تمحو كل أثر للحياة بسهولة إذا ضربت كوكباً لا يحتوي على درعٍ مغناطيسي.

يقول المؤلف الرئيسي للدراسة «أندرو زيك»؛ الذي أجرى البحث أثناء وجوده في جامعة سيدني: «اعتقدنا أنه يمكننا فهم هذه الظواهر من خلال دراسة نجم بروكسيما سنتوري». في تفاصيل الدراسة، التقط الباحثون سلسلة من التوهجات الضوئية والانفجارات الراديوية آتية من بروكسيما سنتوري. ووفقاً لزيك، بيّنت المراقبات المتزامنة للفريق أنّ هناك ارتباطاً بين الحدثين، وأنّ احتمال عدم ارتباطهم قليل للغاية ويبلغ واحداً من 128 ألفاً.

الأقزام الحمراء هي نجوم نشطة جداً تطلق نبضات من الطاقة في الفضاء. يقول زيك: «غالباً ما تترافق التوهجات والانفجارات الشمسية بإطلاق كمياتٍ هائلةٍ من المواد النجمية المعروفة باسم «الانبعاث الكتلي الإكليلي»، وتشير النتائج بقوة إلى أنّ الكواكب الموجودة حول هذا النوع من النجوم -وهي الأكثر وفرة في الكون- غالباً ما تتعرض لعواصف خلال تاريخها في شكل توهجات نجمية قوية؛ مترافقةٍ بمقذوفات الانبعاثات الكتلية الإكليلية من النجم الذي تدور حوله، مما يُضعف الآمال بأنّ أي شكلٍ من أشكال الحياة يمكن أن يوجد على سطحها.

نموذج للرياح الشمسية التي تصطدم بالغلاف الجوي والمغناطيسي للأرض. حقوق الصورة: Image Editor/flicker

بالرغم من تعرُّض كوكب الأرض لآثار انفجارات البلازما الشمسية الشديدة، إلا أنّ مجال الأرض المغناطيسي يحمينا منها، لكن لا يزال من غير المعروف إذا ما كانت الكواكب الخارجية القريبة من نظامنا الشمسي لها دروعٌ مماثلة أم لا. يقول زيك: «نعتقد أننا نرى للمرة الأولى بعض نشاط الانفجارات الراديوية المنبعثة من النجوم؛ مثل بروكسيما سنتوري، والشبيهة بتلك المنبعثة من الشمس؛ مما يشير إلى وجود طقس الفضاء العنيف حول النجم».

مع ذلك، من الصعب رصد الانبعاث الكتلي الإكليلي، ويشكّك الكثيرون في أنّ الفريق قد اكتشف إحداها فعلاً يصدر عن نجم بروكسيما سنتوري. لقد أظهرت الدفقة المميزة للضوضاء الراديوية أنها من النوع الرابع؛ أي تلك المعروفة بدفقتها التي تدوم بعض الوقت وتتخامد شيئاً فشيئاً.

يقول «عوفر كوهين»؛ عالم فيزياء الطاقة الشمسية بجامعة ماساتشوستس في لويل وغير مشارك في الدراسة: «من الواضح أنّ التوهج موجود، ولكن ليس هناك ما يؤكد أنّ هناك نوعٌ من الانبعاث الكتلي الإكليلي من النجم». من وجهة نظره؛ سيكون ظهور دفقةٍ راديويةٍ من النوع الثاني رهاناً أفضل لتأكيد حدوث انبعاثٍ كتلي إكليلي من النجم، لأنها تشير إلى حدوث موجةٍ صدمية أمام «التجشؤ» النجمي. ويضيف: «تقدم الورقة ملاحظاتٍ وتفسير لها. تبدو الملاحظات حقيقية، لكنّ التفسير قد يتجاوز ما يمكننا استنتاجه بناءً على هذه الملاحظات».

ويوافق زيك بأنّ احتمال اكتشاف انفجاراتٍ أو اندفاعاتٍ راديوية من النوع الثاني حول النجوم النشطة؛ مثل نجم بروكسيما سنتوري، سيكون أمراً مثيراً للغاية، حيث يقول: «سيكون اكتشافاً مثيراً بالفعل لأنه يمكنك حينئذٍ تأكيد حدوث القذف الكتلي الإكليلي، وتبيان تفاصيله. في الحقيقة، يشبه القذف الكتلي الإكليلي خروج رصاصة من مسدس، بينما يشبه الانفجار من النوع الرابع إلى حدّ ما خروج دخان من فوهة البندقية».

بالرغم من أنّ ما لاحظه الباحثون لا يؤكد حدوث قذفٍ كتلي إكليلي من كوكبٍ أحمر قزم مباشرة، إلا أنه أقوى دليلٍ حتى الآن على انفجار راديوي شبيه بالانفجارات الراديوية التي تنتجها الشمس وتصدر عن نجومٍ أخرى. إذا كانت هذه الفرضية صحيحة، فإنّ ذلك يقلص الآمال باحتمال وجود الحياة في أقرب نظامٍ نجمي إلى نظامنا الشمسي، لكن الأمر لم ينتهِ بعد. يأمل الباحثون، مثل زيك، في أن يتمكنوا من اكتشاف أحداث مماثلة في المستقبل من أجل تحديد الآثار الدراماتيكية لطقس الفضاء على الأنظمة الشمسية الأخرى.

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً

المحتوى محمي