هل يمكننا التحكم في الأحلام الواعية؟

4 دقيقة
الأحلام الواعية
الصورة: فليكر

يمكن أن تكون الأحلام تجارب مربكة وضبابية. قلة القدرة على التفكير الناقد، وصعوبة أو غياب القابلية على الدخول للذكريات الحقيقية، والإندفاعية والعواطف الزائدة خلال الأحلام، كلها تسبب الحيرة في اللحظات الأولى من الاستيقاظ.

لكن ليست كل الأحلام هكذا. إذ اختبر أكثر من نصف البشر في حياتهم حالة من الوعي خلال الأحلام لمرة واحدة على الأقل. وفي بعض الحالات، نكون قادرين على التحكم بالأحلام. يفيد حوالي ربع البشر بأنهم يختبرون الأحلام الواعية على الأقل مرة كل شهر.

يبدو أن تغيّرين في الدماغ مسؤولان عن هذه الحالات. إذ أن القشرة الجبهية الصدغية -والتي تتحكم بقدراتنا المعرفية المتقدمة وتكون مثبطةً خلال الأحلام العادية- تُظهر نشاطاً أكبر خلال الأحلام الواعية. ورصد الباحثون أيضاً زيادة في موجات جاما، وإطلاق منسقاً للسيالات من مجموعات من العصبونات في تواتر يترافق مع حالة الوعي المُدرَك، و وظائف تنفيذية مثل الأفعال الإرادية وإتخاذ القرارات.

يهتم العلماء بالطريقة التي يمكننا فيها التأثير على الدماغ بهدف الدخول في هذه الحالات، وليس بهدف التسلية فقط. ويأملون في أن الأحلام الواعية يمكن أن توفر فهماً قيّماً لكيفية تشكّل الوعي، إضافة إلى كون هذا الأمر مفيد في العديد من المواضع.

على سبيل المثال، العلاج بالأحلام الواعية واعد للغاية كعلاج هؤلاء الذين يعانون من الكوابيس المزمنة ومتلازمة الإجهاد اللاحق للصدمة. الأشخاص الذين يعانون من المتلازمة الأخيرة يختبرون كوابيس متكررة تكون متمحورة عادة حول حدث صادم معين. هذه الكوابيس مرعبة لدرجة أنها تسبب القلق والأرق، واضطراب النوم، مما يؤثر على النشاط النهاري. ومع القدرة على إحداث الأحلام الواعية، فإن الأشخاص الذين يعانون من من الكوابيس يستطيعون إدراك أن ما يحلمون به ليس حقيقياً، ويصبحوا قادرين بعد ذلك على تحويل الكابوس إلى حلم إيجابي أو عادي.

الأحلام الواعية توفر أيضاً فرصاً لتحسين المهارات الحركية من خلال التبصّر. تبيّن أن استخدام التخيّل العقلي للتدرّب على المهارات الحركية يحسن أداء الرياضيين والعاملين في مجال الطب والموسيقيين، إضافة إلى المساعدة في إعادة تأهيل التحكم بالأيدي والمهام الحركية الأخرى، على سبيل المثال بعد تأذي الجهاز العصبي لسبب ما. يعمل توليد الأحلام الواعية لأنّ تخيّل إنجاز نشاط حركي يفعّل نفس البنى العصبية تقريباً التي تتفعل خلال القيام بالنشاط في الواقع. ونفس الشيء ينطبق على الأفعال التي نحلم بها.

توليد الأحلام الواعية

طُوّرت واختُبرت العديد من التقنيات لتوليد الأحلام الواعية في السنوات الأخيرة، لكن حتى الآن، لم تنجح أيّ منها بشكل موثوق ومتّسقة بالنسبة للجميع. لكن هذا لا يعني أن هذه التقنيات لن تنجح معك. على الرغم من أن الأبحاث في هذا المجال لازالت متواضعة، إلا أن هناك تقنيات واعدة فعلاً. وسنورد بعضاً منها، والتي يمكن أن تطبقها في المنزل.

التقنيات الإدراكية هي نشاطات تؤدّى خلال النهار أو خلال الغفو. ولحد الآن، هذا النوع من المقاربات هو الأنجح في توليد الأحلام الواعية. وفقاً لدراسة شملت 169 مشارك أسترالي، ولّد مزيج من 3 تقنيات الأحلام الواعية بنجاح لا نظير له: اختبار الواقع، الحث الذاكِرِيّ، الاستيقاظ والعودة للنوم.

طريقة فحص الواقع تتضمن أن تسأل نفسك بشكلٍ متكرر وأنت مستيقظ فيما إذا كنت تحلم أم لا. إضافة إلى القيام بفعل ما يساعدك في اكتشاف الجواب. يُظهر الفيلم المشهور «إنسبشن» هذه التقنية عن طريق بلبل دوار، والذي يتوقف عادة عن الدوران في النهاية ولكنه يستمر بالدوران للأبد أثناء الحُلْم. إذا لم تناسبك هذه الطريقة، فيمكنك أن تسد أنفك وتحاول أن تتنفس من خلاله، وهي مهمة تكون مستحيلة لو كنت مستقظاً. تكرار هذه الفحوصات خلال النهار يجعل من المرجح حدوثها خلال الحلم، مما يجعلك قادراً على الولوج إلى عالم الأحلام الحر الذي يمكنك داخله أن تتنفس من خلال أنف مسدود.

في طريقة الحثّ الذاكري، يتدرب الشخص على حلمٍ ما ويتخيّل نفسه متحكماً به مع تكرار ترنيمة تعبّر عن نيّته بالتحكم بالحلم، مثل: «المرة القادمة التي أحلم بها، أريد أن أتذكّر أني أحلم»؛ للحصول على أفضل النتائج، يجب تنفيذ هذه التقنية أثناء مرحلة العودة إلى الغفو خلال تطبيق تقنية الاستيقاظ والعودة للنوم. والتي يضبط ضمنها الشخص المنبه ليرن قبل ساعة أو ساعتين من وقت الاستيقاظ المعتاد، ثم يستيقظ لبضع دقائق، ثم يعود النوم.

يُعتقد أن هذا الاستيقاظ قصير المدة يزيد النشاط القِشري في مناطق مفتاحية من الدماغ ترتبط بالحُلْم الواعي عندما يعود الشخص إلى مرحلة نوم حركة العين السريعة، وهي المرحلة التي تحدث فيها الأحلام الواضحة. ومن غير المفاجئ، فإن الضغط على زر الغفوة (تأجيل المنبه) لعدة مرات قبل الاستيقاظ يبدو أنه يزيد احتمال حدوث الأحلام الواعية.

بالطبع، هذه التقنيات تتطلب جهداً متواصلاً حتى تكون فعّالة. وبحثاً عن طرق أسهل لتوليد الأحلام الواعية، طوّرت العديد من شركات التكنولوجيا أجهزة تومض ضوءاً أو تهتز أو تصدر أصواتاً خلال مرحلة نوم حركة العين السريعة. تكمن الفكرة في أن هذه المؤثرات تندمج في الحلم وتنبه الحالم أنه يحلم.

لكن تشير الأبحاث -وتجربتي الشخصية- في مختبر النوم في جامعة إسكس أن تقنيات التحفيز الخارجي هذه يجب أن تُطبّق بحذر. فإن طُبقت بطريقة خاطئة، يمكن إما أن لا تندمج المحفزات في الحلم، أو أن تسبب الاستيقاظ. بعض الأشخاص نومهم أخف من غيرهم، لذلك فإن شدة المؤثرات السابقة يجب توليفها بدقة لتناسب ذلك. ويجب أيضاً أن تُقدّم المؤثرات في لحظات محددة من مرحلة نوم حركة العين السريعة، وهي اللحظات التي يكون فيها الدماغ حساساً للمنبهات بأعلى درجة. الأجهزة الحالية لا تأخذ هذه العوامل بعين الاعتبار. والأبحاث لم تكشف بشكلٍ كامل عن الطريقة التي يجب تقديم المحفزات فيها بعد.

تشير بعض الأبحاث إلى أن استخدام الأدوية قد يكون واعداً. على سبيل المثال، تبين أن عقار جالانتامين -وهو مثبط إنزيميّ يستخدم عادة لعلاج داء الألزهايمر- يزيد بشكلٍ كبير من معدلات توليد الأحلام الواعية عند استخدامه بالترافق مع تقنيتيّ الاستيقاظ والعودة للنوم والحث الذاكري. مع ذلك، هذا العقار الموصوف طبياً يجب تجنبه إذ أن الأبحاث حوله لا تزال في مراحلها الأولى، ويمكن أن يكون له مضاعفات جانبية.

يجب أخذ الحذر باستخدام المكملات الدوائية والأعشاب الأخرى التي تدّعى أنها تزيد القدرة على التحكم بالأحلام. إذ أنها ليست مدعومة بالأدلة العلمية. وككل الأدوية الأخرى، هناك احتمال للإصابة بردات فعل تحسسية وظهور آثار جانبية.

إن فهمنا للأحلام الواعية توسّع بشكلٍ كبير في العقد الأخير. لا يزال هناك الكثير من العمل الذي ينبغي إنجازه. لكننا نأمل ألا تطول المدة حتى نكتشف كيفية توليد الأحلام الواعية بطريقة موثوقة ومتسقة. ابق على اطلاع بهذا الموضوع.

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً

المحتوى محمي