كيف تتكيف أسماك المهرج مع بيئتها عبر التعديل الجيني؟

كيف تتكيف أسماك المهرج مع بيئتها عبر التعديل الجيني ؟
تضع أسماك الشعاب المرجانية بيوضها في المحيط المفتوح، ويجب أن تسبح اليرقات ضد التيارات القوية للعودة إلى الشعاب المرجانية للاستقرار فيها. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مضى نحو 20 عاماً منذ عرض فيلم الرسوم المتحركة “البحث عن نيمو” (Finding Nemo) في دُور السينما؛ الذي أدخل شخصية سمكة المهرج (clownfish) التي تعيش في الشعاب المرجانية إلى قلوبنا. بالإضافة إلى جمال أجسام أسماك الشعاب المرجانية الملونة والحكايات الخيالية الملهمة التي تروى حولها، ثمة جوانب أخرى رائعة يمكن أن تثير إعجاب كل من يتعمق في دراستها.

أسماك المهرج

وجدت دراسة نُشرت في 11 مايو/ أيار في مجلة “بلوس بيولوجي” (PLOS Biology) أن بعض الأسماك التي تعيش في شقائق النعمان والشعاب المرجانية، تخضع لتغيرات فيزيولوجية كبيرة عندما تتحول من السباحة السريعة في المحيط المفتوح (عندما تكون يرقات) إلى الاستقرار للعيش في الشعاب المرجانية.

ربما كان لدى بطل الفيلم نيمو (Nemo) وصديقه السلحفاة البحرية الصغيرة سكويرت (Squirt)، الكثير من الصفات المشتركة بالإضافة إلى سنّهما الصغيرة. فعلى غرار السلاحف البحرية؛ تفرخ أسماك الشعاب المرجانية بعيداً عن مكان استقرارها النهائي؛ إذ تضع أسماك الشعاب المرجانية البالغة بيوضها في المحيط المفتوح، ثم تسبح اليرقات الصغيرة ضد التيارات القوية لتعود إلى الشعاب المرجانية التي ستكون موطنها الدائم عندما تصبح أسماكاً بالغة، وتتبع الكائنات البحرية الأخرى التي تعيش في قاع المحيطات مثل نجوم البحر والشعاب المرجانية والقنافذ، هذا النمط أيضاً.

كيف تسبح اليرقات إلى الشعاب المرجانية؟

تقول المؤلفة المشاركة، وعالمة الأحياء البحرية في جامعة جيمس كوك (James Cook University)، جودي رامر (Jodie L. Rummer) لموقع بوبساي: “الأسابيع الأولى من حياة أسماك الشعاب المرجانية الفترة الأكثر حساسية بالنسبة لهذه الأسماك، فإذا لم تنجح اليرقات في العودة إلى الشعاب المرجانية والاستقرار هناك، لن تتمكن من النمو والنضج لتصبح أسماكاً بالغة صحية، ومن ثَمّ لن تستطيع الإسهام في استقرار النظام البيئي للشعاب المرجانية”.

تتطلب السباحة لهذه المسافات الكبيرة الكثير من الجهد، وبمجرد وصول هذه الأسماك الصغيرة إلى الشعاب المرجانية، يجب عليها التكيف مع البيئة الفقيرة بالأوكسجين، أو ناقصة التأكسج، خاصةً في أثناء الليل.

لفهم طريقة تكيف هذه الأسماك؛ جمع فريق البحث قياسات يومية لسرعة سباحة يرقات أسماك المهرج القرفية، واسمها العلمي “أمفيبرايون ميلانوبس” (Amphiprion melanopus)، بالإضافة إلى قياس استهلاكها للأوكسجين ومدى تحملها لنقص الأكسجة. راقب الفريق هذه الأسماك في بيئة مختبرية بداية من وقت فقسها حتى استقرارها في الشعاب المرجانية، وهو ما يحدث عادةً في اليوم التاسع من حياتها.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثّر إنشاء محميات بحرية على الأسماك في المناطق المجاورة؟

تغيرات جينية تسمح بالمزيد من التكيف لهذه الأسماك

يقول المؤلف المشارك في الدراسة، وعالم فيزيولوجيا الحيوانات بجامعة كوينزلاند (University of Queensland) في أستراليا، الذي أجرى البحث ضمن دراسته لنيل درجة الدكتوراة في جامعة جيمس كوك، آدم داوني (Adam Downie) لموقع بوبساي: “تُعدّ يرقات أسماك الشعاب المرجانية؛ ومنها يرقات أسماك المهرج، من أسرع الأسماك الصغيرة في السباحة بالنسبة إلى حجم أجسامها. لاحظنا خلال الدراسة أن أقصى سرعة لليرقات بلغت أكثر من 12 سنتيمتراً في الثانية؛ أي أنها تتحرك بمعدل 10 إلى 12 ضعف طول جسمها في الثانية، وهذه سرعة عالية جداً لأسماك بهذا الحجم الصغير جداً. لذلك؛ مقارنةً بحجمها الصغير، تتفوق يرقات أسماك الشعاب المرجانية ومنها أسماك المهرج، بسرعة سباحتها على معظم الكائنات البحرية الأخرى، وحتى على البشر”!

وكذلك لاحظ الباحثون انخفاض استهلاك هذه الأسماك للأوكسجين بعد مرور 5 أيام تقريباً من الاختبار؛ ما أدى إلى زيادة قدرة تحملها لنقص الأوكسجين. ولدراسة طريقة تكيف أجسام هذه الأسماك مع نقص الأوكسجين، رتب الباحثون تسلسل الرنا المرسال ليرقات الأسماك في مراحل عمرية مختلفة للبحث عن التغيرات التي تحدث في نشاط الجينات خلال مراحل النمو، ووجدوا أن هذه التغيرات الفيزيولوجية ترتبط بمناطق معينة في الجينات التي تنتج بروتين الهيموغلوبين (hemoglobin)، ولاحظوا تغير نشاط 2,470 جيناً خلال مرحلة النمو.

تقول رومر: “يمكن أن تغير هذه الأسماك الصغيرة نمط تعبير بعض الجينات التي تتحكم في إنتاج بروتينات نقل الأوكسجين وتخزينه، للتكيف مع ظروف انخفاض الأوكسجين في الشعاب المرجانية، وتوجد هذه البروتينات؛ مثل الهيموغلوبين والميوغلوبين (myoglobin)، في أجسامنا أيضاً، وهي مهمة للحصول على الأوكسجين من البيئة ونقله إلى العضلات والقلب والأعضاء الأخرى. في الواقع، يؤدي التوقيت المثالي لهذه التغييرات الجينية دوراً حاسماً في القدرة على البقاء والتكيف”!

اقرأ أيضاً: توثيق سلوك غريب يتبعه بعض أنواع الأسماك للتخلص من الطفيليات

أظهرت الدراسة أن يرقات أسماك المهرج القرفية تتميز بأعلى معدل امتصاص للأوكسجين بالنسبة إلى حجم أجسامها، مقارنةً بالأسماك العظمية الأخرى التي درسها الباحثون حتى الآن. توصلت الدراسة أيضاً إلى أن التغيرات الجينية التي تحدث لهذه الأسماك تزيد قدرتها على امتصاص كميات أكبر من الأوكسجين؛ ما يسمح لها بالسباحة بسرعات تفوق حتى سرعة رياضيي الأولمبياد المتميزين في السباحة. وفقاً لداوني؛ وجد بعض الدراسات أن سرعة أسماك المهرج في السباحة يمكن أن تصل إلى 50 ضعف طول جسمها في الثانية الواحدة، مقارنةً بسرعة السباح مايكل فيلبس (Michael Phelps) الذي يقطع نحو ضعفيّ طول جسمه في الثانية الواحدة.

نتائج التغير المناخي تهدد أسماك المهرج

نظراً لتأثيرات تغير المناخ التي تهدد الحياة البحرية بأكملها؛ يعتقد الفريق أن ارتفاع درجات حرارة المحيط يمكن أن يؤثر في قدرة أسماك المهرج على السباحة إذ تتطلب السباحة بهذه السرعات العالية جهداً كبيراً. كما يشكل ارتفاع درجات حرارة المحيط خطراً متزايداً على النظم البيئية للشعاب المرجانية، بالإضافة إلى حدوث ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية (coral bleaching) وتغير حموضة المحيطات وانتشار الأمراض التي تصيب الكائنات الحية في الشعاب المرجانية وغيرها من المشكلات.

يقول داوني: “تتمثل الخطوات التالية في معرفة كيفية تأثير الضغوط الناجمة عن تغير المناخ؛ مثل ارتفاع درجة الحرارة وانتشار الملوثات، في أداء يرقات أسماك المهرج في السباحة وقدرتها على الانتقال بنجاح من المحيط المفتوح إلى الشعاب المرجانية”.