جابر بن حيان: الخيميائي الذي وضع أسس الكيمياء الحديثة

جابر بن حيان: الخيميائي الذي وضع أسس الكيمياء الحديثة
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Vera Petruk
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أدركت ذلك أم لم تدركه، فالكيمياء جزء أساسي من تفاصيل حياتك اليومية؛ من عطرك المفضل إلى الكرسي البلاستيكي الذي تجلس عليه، والبخار المتصاعد من الخبز في آلة التحميص، وحبة الدواء التي تشربها وغيرها الكثير، الكيمياء في كل مكان. لكن الكيمياء الحديثة كما نعرفها اليوم لم تأتِ بالصدفة، بل لشاب فضولي كان لطموحه في الحصول على الذهب من معادن أخرى دورٌ فيها. إنه الخيميائي جابر بن حيان أو أبو الكيمياء، فمَن هو جابر بن حيان وما دوره في تطوير الكيمياء الحديثة؟

حياة جابر بن حيان وتعليمه

وُلد جابر بن حيان أبوموسى الأزدي عام 721 للميلاد في مدينة طوس في إيران حالياً، إلا أن أصل العائلة يعود لقبيلة الأزد في اليمن. عاشت العائلة في مدينة الكوفة بالعراق، حيث عمل الأب صيدلانياً، وعرف عنه دعم الثورة ضد الأمويين، فلاحقوه وأعدموه بعد ولادة جابر بفترة قصيرة، ما دفع العائلة للهروب إلى اليمن.

في اليمن، كبر الشاب وتتلمذ على يد العالم الحربي الحميري، حتى وصل العباسيون إلى الحكم. عاد جابر إلى الكوفة، حيث قيل إنه أصبح تلميذاً لجعفر الصادق، ودرس علوم الفلك والكيمياء والطب والصيدلة والفلسفة، وأصبح الخيميائي والطبيب في بلاط الخليفة هارون الرشيد، كما عمل بشكلٍ خاص لدى البرامكة، وهم وزراء الخليفة، لكنه دفع ثمن هذه العلاقة لاحقاً.

اقرأ أيضاً: كيف وُلد العصر الذهبي للجغرافيا على يد الإدريسي؟

الطريقة التجريبية لجابر بن حيان

وفقاً للمؤرخ إريك جون هولميارد (Eric John Holmyard)، حاز جابر بن حيان لقب أبو الكيمياء لأنه كان أول من اعتمد المنهج التجريبي وذلك قبل أوروبا بكثير، وقال إن أهمية بن حيان في تاريخ الكيمياء تماثل أهمية روبرت بويل وأنطوان لافوازييه.

إذ استطاع بن حيان أن يطوّر المنهج العلمي من العلم القائم على التخمين وفقاً للتقليد اليوناني القديم، إلى المنهج التجريبي، فكان أول من وضّح أهمية إجراء التجارب والمعرفة العملية المكتسبة من التجريب، وتطوير الجانب العملي في علم الكيمياء. يقول بن حيان: “إن أهم شيء في الكيمياء هو أن تقوم بعمل تطبيقي وإجراء التجارب، فمَن لا يقوم بعمل عملي ولا يقوم بالتجارب لن ينال أبداً حتى أدنى درجة من الإتقان”.

اقرأ أيضاً: 5 طرق علمية لتدوين ملاحظاتك

مساهمات جابر بن حيان في الكيمياء

خلال مسيرة حياته، استطاع جابر بن حيان رسم ملامح علم الكيمياء والصناعات الكيميائية، من خلال مجموعة كبيرة من الإنجازات، ومنها:

  • درس العناصر والمواد، بما في ذلك المعادن والمواد العضوية (النباتية والحيوانية).
  • ابتكر تصوراً مبدئياً للروابط الكيميائية بين العناصر، على شكل جسيمات صغيرة غير مرئية بالعين المجردة، تربط بين مكونات المادة.
  • اكتشف أحماضاً قوية، مثل حمض الكبريتيك والهيدروكلوريك والنيتريك.
  • وضع الأساس لما يعرف اليوم بجدول عناصر مندلييف الدوري، بالاستناد إلى الفكرة اليونانية القديمة المتمثلة في تصنيف العناصر إلى معادن ولا معادن.
  • اقترح إمكانية الإنتاج الاصطناعي للعديد من الظواهر والكيانات الطبيعية.
  • صنع أحماض النيتريك والكبريتيك، ثم جمعهما لتكوين “الماء الملكي” (Aqua regia)، وهي من المواد القليلة التي يمكنها إذابة الذهب.
  • حصل على الزئبق النقي من الزنجفر.
  • اكتشف حمض السيتريك في الليمون والفواكه غير الناضجة الأخرى، وحمض الخليك وحمض الطرطريك.
  • أدخل مصطلح “قلوي” (alkali) في إشارة للمواد القاعدية، إلى اللغات الأوروبية المختلفة، وأصبح جزءاً من المفردات العلمية.
  • طبق العمليات الفيزيائية والكيميائية التي تؤدي إلى تغييرات على المواد بتأثير الحرارة والحمض وأدوات مختلفة، وشملت بعض هذه العمليات:
    • التقطير: تنقية شيء عبر غليه ثم التقاط البخار.
    • الترشيح: إزالة الشوائب من مادة بتمريرها عبر مرشح.
    • الدمج: خلط مادتين مع بعضهما لتصبحا مادة جديدة.
    • البلورة.
    • الترسيب.
  • تحرير الخيمياء (Alchemy) من الخرافات وتحويلها إلى علم، وهي دراسة تحول المعادن مثل القصدير أو الرصاص إلى ذهب.
  • صنف العناصر ضمن 3 فئات، وهي:
    • الأرواح (الأغوال): مواد تتبخر عند التسخين مثل الزرنيخ وكلوريد الأمونيوم.
    • المعادن: مثل الذهب والفضة والرصاص والنحاس.
    • الحجارة: التي يمكن تحويلها إلى مساحيق.

اقرأ أيضاً: إليك القصة الكاملة وراء الجدول الدوري لمندلييف وسبب عدم فوزه بنوبل

التطبيقات العملية لأعمال جابر بن حيان

طبّق جابر بن حيان تجاربه واكتشافاته في العديد من العمليات التصنيعية، بما في ذلك:

  • صناعة الصلب والمعادن الأخرى.
  • منع الصدأ.
  • نقش الذهب.
  • صنع القماش.
  • العزل المائي.
  • دباغة الجلود.
  • تطوير صناعة الزجاج، إذ استطاع التخلص من الصبغة الخضراء في الزجاج والتي يتسبب بها الحديد، من خلال استخدامه أوكسيد المنغنيز كوسيط كيميائي، وهي عملية ما زالت تُستخدم حتى يومنا هذا.

اقرأ أيضاً: 5 اختراعات معاصرة من قصص الخيال العلمي

دور جابر بن حيان في مختبرات الكيمياء

قادت التجارب بن حيان إلى تصنيع مواد وأدوات خاصة، ضمن بيئة عمل مماثلة لما يسمى اليوم بالمختبر الكيميائي. فمن أجل إجراء تجارب دقيقة صنع بن حيان:

  • موازين دقيقة، يمكنها أن تزن بدقة 1/6 غرام.
  • أحجام وأنواع مختلفة من الأوعية الزجاجية، مثل المقطرة المعوجة.
  • الإنبيق، عبارة عن زجاجتين ملتصقتين بواسطة أنبوب، إحداهما “المسخنة” والتي تتعرض للحرارة والتبخير، ثم التكثيف عبر الأنبوب المعدني والتقطير في الزجاجة الثانية. على سبيل المثال، استخدم الإنبيق لتكرير النفط وتحويله إلى كيروسين (وقود للمصباح).

مؤلفات جابر بن حيان

كان جابر بن حيان كاتباً غزير الإنتاج، إذ يُنسب إليه نحو 300 كتاب في الفلسفة، و1300 كتاب عن الأجهزة والمعدات الميكانيكية، ومئات الكتب من كتب الكيمياء. ومع ذلك، أشار المؤرخ بول كراوس (Paul Kraus) إلى أن بعض المؤلفات تتفاوت في المحتوى والأسلوب، لكن يُعتقد أنها كانت من إنتاج تلاميذه، وتعتبر من منتجات مدرسة جابر في الكيمياء، ومن أهمها:

  • كتاب السبعين.
  • علم الميزان.
  • كتاب الرحمة.
  • كتاب الخمسة عشر.

اقرأ أيضاً: علم الممارسة: كيف تتعلم بشكلٍ أسرع؟

مع اكتشاف هارون الرشيد مؤامرات البرامكة والسعي لإقصائهم بالإعدام أو السجن عام 803، هرب بن حيان إلى الكوفة وقضى فيها ما تبقى من حياته في مختبره الكيميائي حتى توفي عام 815، عن عمر ناهز الـ94 عاماً.

اختلفت أعمال جابر بن حيان عن محاولات معاصريه ومن سبقوه، فبعد أن تُرجمت إلى اللاتينية والإيطالية والإنجليزية، مهّدت الطريق للباحثين اللاحقين الذين استخدموا المنهج العلمي. وسواء كانت تلك المؤلفات له وحده أو نتاج مدرسته، فقد شكّلت أعمال بن حيان خطوة متقدمة ما بين الخطأ والتجربة، وأسس بإسهاماته لعلم الكيمياء والصناعات الكيميائية كما نعرفها اليوم.