نحن على دراية بعبارة «الممارسة تؤدي إلى الكمال»، التي تملك أساساً في علم أعصاب الدماغ. قام باحثون من جامعة كورنيل بدراسة مجموعة من التغيرات التي تحدث في الدماغ عند تعلم مهارة جديدة. تشير النتائج إلى وجود علامات عصبية تدل على إعادة التنظيم التي يمر بها الدماغ عندما يمارس الشخص مهمة ما ويصبح بارعاً فيها.
ما يزال الغموض يكتنف كيفية عمل الدماغ البشري، لذا يسعى الباحثون إلى فهم كيف تعمل أدمغتنا، لكننا على أي حال بدأنا في استنتاج فكرة أفضل عن كيفية تعلّمنا لأشياء جديدة.
وانطلاقاً من هذه الفكرة، وقبل أن نتعرف على بعض الطرق الفعالة لتعلم هذه المهارات بشكلٍ أسرع؛ دعنا نبدأ بمعرفة ما يحدث داخل دماغك عند تعلّم مجموعة جديدة من المهارات.
كيف يتغير دماغك عند تعلّم مهارة جديدة؟
في كل مرة تتعلم شيئاً جديداً، يتغير دماغك جوهرياً من الداخل. وهو ما يسهّل بدوره باقي أنحاء حياتك؛ لأن فوائد التعلم تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد إتقانك لأمرٍ ما. إذ أن تعلم مهارةً جديدةً تمنحنا كل أنواع الفوائد غير المتوقعة ، بما في ذلك تطوير الذاكرة العاملة، والذكاء اللفظي، وكذلك زيادة المهارات اللغوية.
وبينما تتعلم هذه المهارة، تصبح أسهل بالنسبة لك مع مرور الوقت. ويشرح الباحثون في جامعة كورنيل ما يحدث كالآتي: «يرتبط إتقان المهارات بزيادة النشاط في مناطق الدماغ غير المنخرطة في أداء المهارة، ويمكن اكتشاف هذا التحول في الشبكات الواسعة للمخ. وبصورة أساسية، كلما زادت مهارتك في الأداء، كلما قل العمل الذي يتعين على عقلك القيام به. وبمرور الوقت، تصبح مهارة تلقائية ولا تحتاج إلى التفكير فيما تفعله». وهذا لأن عقلك يعزز من قدراته بمرور الوقت بينما تتعلم تلك المهارة.
يمكن للعديد من الأحداث المختلفة أن تزيد من قوة التشابك العصبي عندما نتعلم مهارات جديدة. تسمى هذه العملية «بالتأييد طويل الأمد»، حيث يتعزز بها ارتباط أي خليتين من الخلايا العصبية عند تحفيزهما معاً مرة بعد الأخرى. وبعد إنشاء رابط قوي بين هذه الخلايا العصبية، فإن تحفيز الخلية العصبية الأولى من المرجح أن يحفز الثانية تلقائياً.
وكلما تشكلت المزيد من الروابط بين هذه الخلايا العصبية، تعلّّمنا أكثر، واحتفظنا بالمزيد من المعلومات. وكلما ازدادت قوة هذه الروابط، قلّ التفكير فيما نقوم به، بالتالي يمكننا التحسن في جوانب أخرى أيضاً.
كيف يمكنك الاستفادة من هذه المعلومات لتتعلم أسرع؟
إن معرفة كيف يتكيف عقلك مع مهارات جديدة هو مجرد جزء من العملية. وليس لهذه المعرفة أي قيمة إذا لم تكن تعرف كيفية تطبيقها على أرض الواقع.
مع وضع ذلك في عين الاعتبار، دعنا نرى بعض الأساليب المُجرَّبة والحقيقية لتعلم مهارات جديدة في أسرع وقت ممكن. يتعلق الأمر بتعزيز قواك العقلية بطريقة أو بأخرى، ولحسن الحظ فهو أمر غاية في السهولة. يمكنك اتباع الآتي:
- أجبر نفسك على التعلم بدون اللجوء للإرشادات أو المساعدة
عندما نبدأ في تعلم مهارة جديدة، من السهل الاعتماد على قنوات يوتيوب المتعددة، والبرامج التعليمية المختلفة، والشروحات الإرشادية لمساعدتنا في بدء العملية. هذا بالتأكيد أمر رائع بالنسبة لمرحلة البداية، لكن إذا واصلنا فعل ذلك فلن نتعلم أي شيء على الإطلاق؛ لأننا لا نحاول إيجاد حلول للمشاكل بالاعتماد على أنفسنا.
لقد سمعنا الكثير حول فوائد تجربة الفشل والتغلب عليه، وإحدى الطرق للحصول على هذه الفوائد هي تهيئة الوضع بحيث تكون متأكداً من الفشل، من خلال مواجهة مشكلة صعبة دون الحصول على أي تعليمات أو مساعدات. هذا ما يُطلق عليه «الفشل المُنتِج»، ويمكنك تنفيذه عند محاولة تعلم أي شيء، من خلال إتاحة الفرصة لنفسك أن تكافح لإيجاد حل مشكلة صعبة لفترة من الوقت قبل طلب المساعدة أو المعلومات.
- وزّع مرحلة التعلم على فترات زمنية مختلفة
عندما نكتسب مهارة جديدة أو نتعلم شيئاً جديداً تماماً، فمن السهل أن ننغمس بكل شغف ونفرط في عملية التعلم مع مرور الوقت. ولكن، ليست هذه دائما الفكرة الأفضل. في واقع الأمر، يعتبر توزيع عملية التعلم على فترات زمنية هو الطريقة الأنجح والأفضل، والذي يعرف أيضاً بـ «الممارسة الموزّعة» أو «التكرار المتباعد». حيث وجدت بعض الدراسات في العلوم النفسية أن توزيع التعلم يعد أكثر فاعلية من حشر المعلومات.
وهو تكنيك قديم، لكنه في الواقع يلائم حياتنا المزدحمة هذه الأيام. فبدلاً من الجلوس لساعات متتالية لتعلم مهارة جديدة. يمكنك توزيع مجهودك على جلسات أقصر، حيث تحفّز الارتباط بين الخلايا العصبية بكثافة طوال الوقت. يمكنك أيضاً تقسيم وقت التعلم على مدار اليوم، فمثلاً يمكنك تخصيص ربع ساعة يومياً على مدار أسبوعين، بدلاً من أن تنهي الأمر في يوم واحد.
- اختر وقت التعلم بحكمة
ربما لم يخطر هذا الأمر ببالك، ولكن وقت التعلم أو التدريب لا يقل أهمية عن كيفية القيام بذلك؛ إذ أن الساعة الداخلية للجسم قد تعمل بصورة أفضل خلال بعض الأوقات أثناء اليوم، وينطبق هذا الأمر على التعلم أيضاً. وفقاً لإحدى الدراسات ، فنحن نتعلم أفضل عندما نفعل ذلك قبل النوم.
حيث وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين ينامون مباشرة بعد تعلم شيء ما، حققوا نتائج أفضل بكثير في سلسلة من اختبارات الذاكرة. نعلم أن النوم يملك تأثيراً هائلاً على الاحتفاظ بذاكرة قوية بشكل عام؛ عندما تتعلم مهارة جديدة قبل النوم، فإنك تساعد على تقوية الروابط بين الخلايا العصبية في الدماغ، بالتالي تحتفظ بالمعلومات بشكل أفضل.
- طبّق مهاراتك كل يوم
يرتبط اسم العالِم «ديفيد أ. كولب» دائماً بنظرية التعلم التجريبي، والذي يقول: «تنتج المعرفة عن مزيج من استيعاب التجربة وتحويلها لأفعال».
وتظهر أبحاثه في هذا المجال أن إتقان المهارات هي عملية مستمرة من التجربة الملموسة، ومراقبة وتأمل تلك التجربة، وتشكيل المفاهيم المجردة بناء على التفكير، ثم اختبار هذه المفاهيم الجديدة. تشكل هذه العناصر دورة التعلم التجريبية، حيث توضح العلاقة بين كل مرحلة.
يعد التعلم التجريبي أمراً هاماً للغاية؛ لأنه غالباً ما يكون أفضل طريقة لتعلم أنواع المهارات التي نتحدث عنها هنا؛ فكلما زادت قدرتك على تطبيق ما تتعلمه كل يوم، زاد التصاقاً بعقلك.
والسبب بسيط جداً، فعندما تتعلم عن طريق الممارسة والتجربة، فأنت تُحفّز كل ما يجعل الذاكرة تعمل بكامل طاقتها. وإذا تمكنت من ربط ما تتعلمه بمهمة حقيقية في حياتك اليومية، فإن ذلك سيشكل الروابط داخل عقلك، وبالتالي ستعزز من قوة المهارات التي تتعلمها. وينطبق هذا الأمر خاصةً على تعلم لغة أجنبية، حيث أن التطبيق والممارسة هما مفتاح التعلم بسرعة.
لذا من المهم للغاية أن تنقل ما تتعلمه وتحاول تطبيقه إلى الواقع، خاصةً عندما تتعلم مهارة جديدة. على سبيل المثال، إذا كنت تتعلم الرياضيات، فتأكد من العثور على وسيلة لإدخالها في أمور حياتك اليومية، حتى لو كانت بصورة بسيطة، مثل معرفة كم تستغرق من الوقت لكي تقطع مسافة محددة بسرعة 60 كم في الساعة. الأمر بسيط للغاية كما ترى، لكنه سيشكل فارقاً هائلاً لديك.
بالتأكيد لا تشمل هذه القائمة كل شيء، ولكن يمكنك اعتبارها نقطة انطلاق للتعلم بصورة أكثر فعالية وسرعة. فلا بد من محاولة الالتزام حيث أنه ليس بالأمر الهيّن دائماً، لكن العائد يستحق العناء؛ فربما تعزز من قوة عقلك ويمكنك معالجة الأمور بسهولة.