الآن وقد مضى موسم الطهي الكبير واقتربَ الربيعُ بحمَلات تنظيفه، ستجد نفسك تتأمل دولاب التوابل المليء بمسحوق الخَردَل الجاف والبابريكا التي يحيط الغموض بعُمرها ومصدرها. لكن تمهَّل قليلًا قبل إفراغ مخزونك هذا في سلة المهملات، فما زال بإمكانك أن تستفيد من تلك التوابل العتيقة، خاصةً في شئون المنزل.
متى يجب عليك التخلص من التوابل؟
تُستعمل التوابل (الآتية من جذور النبات أو أجزائه الأخرى غير الورقية) والأعشاب (الآتية من أوراق النبات أو زهوره أو سيقانه) لإكساب طعامنا بعض ما تحويه من مركبات كيميائية، وهي مركبات طَيَّارة كما يسميها علماء الكيمياء؛ أي أنها لا تحتفظ بحالتها لوقت طويل وتتبدل طبيعتها بسرعة وسهولة. فبمجرد أن يتم حصاد نباتات التوابل، يبدأ العدُّ التنازلي لتحوُّل مركباتها الفعَّالة من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية. تختلف المُدَد بالطبع بين أنواع التوابل المختلفة، لكنك ستلاحظ – بشكل عام – فقدان التوابل لبعض فاعليَّتها بعد عام تقريبًا، وبعد ثلاثة أعوام سيكون عليكَ أن تستبدل توابلك القديمة.
ماذا تفعل بالتوابل التي لم تعد طازجةً تمامًا؟
بالرغم من ذلك، فما زلتَ تستطيع أن تستفيد من تلك التوابل التي أمضَت لديك عامًا كاملًا. فالتعريض للحرارة – مثلما يحدث في الكثير من التفاعلات الكيميائية – يمكن أن يعزز من رائحة التوابل ومذاقها. جرِّب تحميص بعض التوابل القديمة - قبل الاستخدام مباشرةً - فوق مِشواة أو مِقلاة جافة. حيلة تحميص التوابل هذه من أقدم الحيل المعروفة، والمستخدَمة لاستخراج النكهات في العديد من وصفات الأطباق المحلية عند الشعوب المختلفة. ولهذا قبل أن تقرر استخدام توابلك القديمة في شيء آخر، حاوِل إحياءها أولًا بلمسةٍ من اللهب.
بإمكانك أيضًا اللجوء لطريقة الاستخلاص بالزيت، حيث تستطيع الزيوت استخراج المواد الفعالة من التوابل والأعشاب. اغمر التوابل القديمة تحت الزيت في إناء زجاجي محكم لمدة تتراوح من أسبوعين إلى ستة أسابيع ثم قم بتصفية الزيت للتخلص من المخلفات الصلبة. من الأفضل أن تطحن التوابل جيدًا قبل القيام بذلك، ويُفضَّل أيضًا أن تغمر الإناء في حمَّامِ ماءٍ ساخن لبضع دقائق، فالحرارة، كما ذكرنا، تساعد. بإمكانك – في حالة الرغبة في استعمال المستخلَص لأغراض العناية الشخصية – أن تختار زيتًا من الزيوت طويلة العُمر التي لا تتغير بسهولة، مثل زيت الجوجوبا، أما لأغراض الطهي فاستخدِم زيتًا تحب مذاقه.
تستطيع كذلك بالطبع أن تزرع بنفسك النباتات التي تأتي منها التوابل. تنمو العديد من نباتات التوابل، كالعَرعَر مثلًا، في المناخ المعتدل. إذا كان بحوزتك بعض البذور فاغرسها في إصيص مليء بالتُّربة وانتظر لعلها تنبت.
التوابل واحتياطات الأمان
قبل أن تأخذ توابلك القديمة إلى خارج المطبخ، أعطِ نفسَك بعض الوقت للتعرُّف على تفاعلات الحساسية المحتمَلة. عندما نضيف التوابل والأعشاب إلى طعامنا، فإننا نستهلك كميات صغيرة للغاية من موادها الفعالة. فإذا زاد التعرض للتوابل تزايدت بالتبعيَّة مخاطر التعرض لتفاعلات الحساسية (لم يكن "تحدي القرفة" مثلًا فكرة وجيهة على الإطلاق!). ولهذا إن كنتَ تنوي استعمال التوابل القديمة كمُعطِّرات أو كمستحضرات للعناية بالبشرة، فعليك الانتباه إلى النقاط التالية:
اجمع المعلومات عن التوابل والأعشاب. ابحث عمَّا تنوي استخدامه منها في المصادر الموثوقة، كموقع "قاعدة بيانات المنتجات المنزلية"، للتأكد من عدم وجود تفاعلات حساسية خطيرة أو أية إصابات أخرى محتمَلة.
انتبه إلى أن تفاعلات الحساسية الخاصة بالطعام لا يُشترط أن تظهر عند التلامس الجلدي مع المادة المسببة للحساسية، والعكس صحيح.
لا تفترض أن الحرارة ستقضي على المواد المسببة للحساسية، فبعض تلك المواد – مثل تلك الموجودة في بذور الكَرَفس – لا تؤثر فيها الحرارة.
اعلم أن تناوُل شيء ما كطعام يختلف كُليًّا عن ملامسته للبشرة على المدى الطويل. تأكَّد أن ما تريد استخدامه لفترات طويلة في محيطك من التوابل – أو مركباتها الكيميائية – لن يسبب لك المتاعب.
استخلِص الروائح من التوابل والأعشاب القديمة
بخلاف الشائع، لا توجد أدلة علمية ثابتة على أن هناك أي نوع من التوابل تطرد رائحته الآفات. ربما نصحك أحدهم بإلقاء بعض حبوب الفلفل الأسود في غسيلك، لكنها نصيحة لا يجب الاستماع إليها على الأرجح (يُعتقَد أن احتكاك حبوب الفلفل بالبقع سوف يزيلها، لكن حتى لو كان هذا صحيحًا – وهو ليس كذلك – فالمنظِّفات المنزلية العادية ستقوم بتلك المهمة أيضًا على أفضل وجه). رغم ذلك فما زالت هناك حِيَل مُجدِية مُجرَّبة لاستخدام التوابل القديمة في المنزل.
فالتوابل تُعد من الأسلحة الفعالة لمواجهة الروائح الكريهة المتوطِّنة في حالة عدم توافُر الوقت الكافي للقضاء على أسبابها الجِذرِيَّة. تلجأ الجَدَّاتُ كثيرًا إلى تلك الحيلة بخلطاتهن من الأعشاب العطرية والأزهار المجففة، وهو خيار متاح بالطبع. لكن إن لم تكن مستعدًا بعد للظهور بمظهر الجدات فهناك بعض الحيل الأخرى.
إذا كنت تطهو طعامًا نفَّاذَ الرائحة في مطبخك، يمكنك التخلص من الرائحة بعد ذلك بغلي بعض التوابل العطرية في الماء. للمركبات الطيَّارة درجات غليان منخفضة جدًا، وستندهش من كميات الروائح التي لا تزال مُختزَنة في توابلك القديمة. ويمكنك بعد ذلك تصفية المياه واستخدام البقايا كسِماد عضوي.
أما بالنسبة للملابس والكتب فتستطيع تجهيز أكياس قماشية صغيرة – كأكياس الشاي مثلًا – محشوة بالتوابل القديمة التي ستُكسِب ما حولها رائحتها مع مرور الوقت. ستتضاعف الفائدة هنا باختيار ما يناسب الملابس من أنواع التوابل. فرائحة القرفة مثلا معروفة بقدرتها على إيهام عقولنا بالشعور بالدفء، ومن ثَمَّ فتوزيع أكياس التوابل المُدَفِّئة كالقرفة والقرنفل على دولاب الملابس الشتوية سيجدي نفعًا، وللملابس الصيفية يمكن تجربة النعناع المجفف أو الكُزبَرة أو أي عشب آخر يمنحك الإحساس بالبرودة والانتعاش.
وتستطيع أيضًا بالطبع أن تضع هذه الأكياس المُعطِّرة داخل الأغراض كريهة الرائحة كالجوارب المستعملة أو الأحذية التي لا تملِك وقتًا لتنظيفها في الحال. ضع معها أيضًا ما يمتص الرائحة مثل صودا الخَبز للمساعدة في تخفيف حدة الرائحة إلى أن يسمح وقتك بأخذ أغراضك للغسيل.
وستنجح تلك الحيلة أيضًا مع السجاد. فبدلًا من شراء معطرات جاهزة للسجاد، يمكنك خلط قَدر من توابلك القديمة مع ضِعف الكمية من صودا الخَبز ورَشّ الخليط فوق السجادة وتركه لدقائق قبل كنس السجادة بالمكنسة الكهربية. فقط تأكَّد أنك لا تستخدم مِن أنواع التوابل ما قد يترك بُقعًا.
استخدِم التوابل في الحِرَف
إذا كنتَ من هُواة الحرف اليدوية فالتوابل قد تفيدك حقًا. التوابل الجافة نفسها - بهيئتها الكاملة - يُمكن أن تُستخدَم في التزيين وأعمال الديكور، وسيظل أثر الرائحة عالقًا بها بعض لفترات سيدهشك طولها. لكن الأمر لا يقتصر على ذلك فقط.
فقد كانت التوابل ضمن أُولى ألوان الرسم التي عرفها الإنسان، وبإمكانك أنت أيضًا أن تصنع ألوانًا من توابلك الزاهية. امزج كوبًا من الدقيق مع كوب وربع من الماء وملعقة كبيرة من أي زيت شفاف حتى يصبح القوام سميكًا بما يكفي لاستخدام الخليط كلون للرسم. قسِّم الخليط على عُلب صغيرة وضع في كل عُلبة ما تشاء من أنواع التوابل الملوَّنة. ستكون هذه الألوان المعطَّرة آمنةً تمامًا لاستخدام الأطفال، وستصلح لإلهاء الأطفال بينما تقوم بتنظيف المطبخ. كما أن بعض التوابل، مثل الكُركُم، تُستعمَل في حد ذاتها كأصباغ طبيعية.
وإذا كانت رائحة الخل في المُنظفات التي تصنعها منزليًا تزعجك، فأضف بعض التوابل للخليط في المرة القادمة وستلاحظ الفارق. تستطيع أيضًا تتبيل الشموع التي تصنعها بنفسك بإضافة مُستخلَصات التوابل الزيتية - التي وصفناها أعلاه - إلى الشمع المُذاب.
أما عن الصابون فقد استُعملت التوابل منذ مئات السنين لتعطيره وإكسابه الملمَس المطلوب. إذا أردت صُنع صابون بمظهر فاخر يمكنك أن تترك تشكيلة توابل مختلفة – دون طحن – فوق الطبقة العُليا من قطعة الصابون. أما إذا أردتَ التركيز أكثر على إكساب الرائحة، فاطحن التوابل جيدًا قبل إضافتها إلى خليط الصابون.