كان من المقرر أن تنطلق مركبة فضائية جديدة نحو المريخ من اليابان في 17 يوليو/ تموز، ولكن تمّ تأجيل إطلاقها إلى وقتٍ لاحق من هذا الشهر بسبب ظروف الطقس [المترجم: تم إطلاق المسبار بنجاح منتصف ليل 20 يوليو/ تموز]. وبالرغم من أنه من المقرر إطلاق عدة بعثاتٍ إلى المريخ خلال الشهر المقبل، إلا أن من ما يجعل هذا الحدث مميزاً وذو أهمية كبيرة هو الدولة التي ستقوم بإطلاقها؛ الإمارات العربية المتحدة.
بالرغم من أن دولة الإمارات دخلت حديثاً إلى عالم استكشاف الفضاء، إلا أنها حددت أهدافاً كبيرة لمسبار الأمل، وهو إجراء المزيد من الدراسات حول مناخ المريخ. لكن «عمران شرف»، رئيس البعثة يقول أيضاً: «للمهمة أهداف أكبر، وهي الإسراع في تطوير قطاعنا التعليمي والأكاديمي».
ستكون الإمارات العربية المتحدة أول دولة شرق أوسطية تدخل مجال استكشاف الكوكب الأحمر من خلال مسبار الأمل؛ في الوقت الذي كان هذا المجال محصوراً في السابق بعددٍ من الدول مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، ووكالة الفضاء الأوروبية، ومؤخراً الهند. أعتقد، بصفتي خبيرة في سياسات الفضاء، أن مسبار الأمل مهم بطريقتين أخريين؛ فهو يُظهر كيف أن التعاون الدولي، الذي تم من خلاله تصميم وبناء مسبار الأمل، يُمكّن جيلاً جديداً من استكشاف الفضاء، ويبين أن الاستثمار في هذا القطاع يمكن أن يعزز التنمية الاقتصادية.
تنامي التعاون الدولي
في حين تتحدّث عناوين الأخبار كثيراً عن التوتر الذي يسود العلاقات بين الدول الكبرى في مجال استكشاف الفضاء، يُظهر مسبار الأمل مدى أهمية التعاون الدولي في هذا المجال. في الواقع، ما يزال المجتمع العلمي والهندسي في دولة الإمارات العربية المتحدة صغيراً رغم كونها ثالث أغنى دولة في العالم، لذلك لجأت إلى خبراء آخرين للمساعدة في بناء مسبار الأمل ومعدّاته العلمية اللازمة، فعملت مع جامعة كولورادو بولدر لبنائه، ثم أرسلته إلى إلى اليابان، كي يتم إطلاقه من هناك على متن صاروخ «إتش-2 إيه».
في الواقع، التعاون الدولي في مجال الفضاء ليس جديداً. عادة ما تتعاون الدول لتعزيز مصالحها، أو لتقليل تكاليف استكشاف الفضاء. على سبيل المثال، ساعدت الولايات المتحدة الدول الأوروبية في إطلاق أقمار صناعية في بدايات سباق الفضاء لإظهار قوة الولايات المتحدة في هذا المجال. في المقابل، ما تزال محطة الفضاء الدولية تعمل منذ منتصف التسعينيات، وقد بُنيت نتيجة لتعاون دولي هدف إلى تخفيض تكاليف بناء وتشغيل مثل هذا المشروع الكبير في المدار المنخفض للأرض.
بالرغم من أن المكانة الدولية تلعب دوراً في مهمة الأمل (يصادف تاريخ وصول المسبار إلى المريخ العيد الخمسين لتأسيس الإمارات)، إلا أنّ التعاون الدولي الذي نتحدّث عنه أمر مختلف تماماً. فبدلاً من الاعتماد على مساعدة دول أخرى مباشرة، تعاقدت الإمارات مع جامعة أميركية وصاروخ تجاري لإطلاق مسبار الأمل، وبذلك، تستفيد الإمارات من ميزات إمكانية الوصول إلى تكنولوجيا الفضاء، والقدرة على تحمل التكاليف لإنتاج مهمة منخفضة التكاليف نوعاً ما. فهم يؤمنون بأن مسبار الأمل، والذي بلغت تكلفته 200 مليون دولار، سيحفّز وينمّي قاعدتهم الاقتصادية.
صحيحٌ أن الإمارات غنية بالموارد، لكن تبقى دولة هشّة اقتصادياً بعض الشيء. فبالرغم من نقص الكفاءات العلمية الأساسية واقتصاد المعرفة القوي مقارنة بالدول المتقدمة، إلا أن عمران شرف يقول صراحة أن مسبار الأمل «يتعلّق بمستقبل الإمارات وبقائنا». سيُلهم مسبار الأمل جيلاً جديداً من الشباب الإماراتي لمتابعة التعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا، والهندسة والرياضيات لتنويع وتعزيز اقتصاد البلاد. يبدو هذا النهج ناجحاً، حيث تشهد الإمارات بالفعل زيادة سنوية بلغت 12% في أعداد المنتسبين إلى المعاهد والجامعات المتخصصة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (ستيم) خلال السنوات الماضية.
دور التقانات الفضائية في التنمية الاقتصادية
بالرغم من أهمية التعاون الدولي لإنجاز مثل هذه المشاريع الكبيرة، إلا أن العوائد الإقتصادية تدفع العديد من الدول إلى استثمار المزيد في استكشاف الفضاء.
فبالإضافة إلى الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى في الشرق الأوسط، تتطلع الدول الأفريقية أيضاً إلى الاستفادة من تكنولوجيا الفضاء. حتى الآن، أطلقت 11 دولة أفريقية أقماراً صناعية، ويبلغ اقتصاد الفضاء في إفريقيا حالياً حوالي 7 مليارات دولار. وفي إشارةٍ إلى اهتمام الدول الإفريقية المتزايد بهذا المجال، يخطط الاتحاد الأفريقي لتأسيس وكالة فضاء أفريقية سيكون مقرها الرئيسي في مصر.
وعلى العكس من أن مسبار الأمل الذي يهدف إلى تحفيز الاقتصاد الإماراتي بشكلٍ غير مباشر؛ تسعى الدول الأفريقية إلى الاستفادة اقتصادياً بشكلٍ مباشر عبر استخدام الأقمار الصناعية. على سبيل المثال، تستخدم جنوب أفريقيا الأقمار الصناعية في مراقبة تجارة الصيد غير المشروعة قبالة سواحلها، بينما تستفيد إثيوبيا من قمرها الصناعي الأول في عمليات المراقبة الزراعية والمناخية والتعدينية والبيئية، بالإضافة لتحسين قدرتها على التخطيط لمواجهة تغير أنماط الطقس، كما تستخدم نيجيريا الأقمار الصناعية الثلاثة التي تمتلكها في إدارة مواردها والتنمية المستدامة، وحتّى في ترسيم الدوائر الانتخابية.
في الواقع، لقد كان على دول مثل جنوب إفريقيا وإثيوبيا ونيجيريا والإمارات العربية المتحدة الاستفادة من التعاون الدولي، وذلك نظراً لقلّة الخبرات والقدرات المحلية، خاصة فيما يتعلّق بإطلاق أقمارها. وبذلك، لا يمكن توظيف التقانات الفضائية لدعم التنمية الاقتصادية في تلك البلدان إلا من خلال مثل هذا التعاون الدولي؛ والذي أفضى إلى إنجاز العديد من المشاريع مثل مسبار الأمل.
*تنويه: المقالة تُعبّر عن رأي الكاتبة الخاص ولا تعكس بالضرورة رأي الجهة التي تعمل لديها.