كيف ستؤثر الحرب على البرنامج الفضائي الأوكراني؟

كيف ستؤثر الحرب على البرنامج الفضائي الأوكراني؟
يعود تاريخ الصورة إلى 28 فبراير/شباط 2022 ذ، وهي في مدينة دنيبرو في أوكرانيا، حيث تظهر صواريخ «يوزاماس»، وهي جزء من مشروع «Rocket Park Centre of Innovative Technologies and Progress»، خارج مبنى «ميديا سبيس» الذي تحول إلى مركز لتوزيع الملابس ومياه الشرب والإسعافات الأولية لمساعدة قوات الدفاع الإقليمية والمشردين بسبب الغزو الروسي. حقوق الصورة: الصورة: ديبوزيت فوتوز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تقع مدينة دنيبرو على بعد نحو 385 كيلومتراً جنوب شرق العاصمة الأوكرانية «كييف»، وتُشتهر بكونها مركزاً للصواريخ الحديثة عالية الجودة وكمركزٍ للصناعات الدفاعية ذات الشهرة العالمية. وقد كانت تُدعى أيضاً بـ «مدينة الصواريخ» في فترة ذروة قوة الاتحاد السوفيتي. 

دنيبرو: موطن أكبر منشآت تصنيع المركبات الفضائية

لا تزال دنيبرو، رابع أكبر مدينة في أوكرانيا، موطناً لأحد أكبر منشآت تصنيع المركبات الفضائية في العالم، والتي كانت تقوم ببناء كل شيء من محركات الصواريخ إلى أنظمة الإرساء للمركبات الفضائية. يقول آصف صدّيقي، أستاذ التاريخ في جامعة فوردهام الذي كتب كثيراً عن برنامج الفضاء السوفيتي: «لقد ساعدت هذه المدينة الصناعية على مر الزمن بوضع أوكرانيا بقوة في طليعة صناعة الفضاء العالمية، بل وأصبحت أحد أهم المنشآت التي امتلكها الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة».

يقول صديقي: «كانت أوكرانيا لاعباً مهماً للغاية في برنامج الفضاء السوفيتي، لأن جزءاً كبيراً من المنشآت الفضائية وصناعة الفضاء كان موجوداً في أوكرانيا، وكان العديد من المهندسين والعلماء الرائدين من أصل أوكراني».

لكن مكانة أوكرانيا المستمرة منذ عقود في قطاع الفضاء قد تدهورت بسبب الحرب الدائرة الآن. لقد كان للحرب تأثير كارثي على جميع أنحاء الحياة في البلاد، وشمل ذلك أيضاً صناعة الصواريخ والأقمار الصناعية. ومع تصاعد الصراع في وقتٍ حرج كانت جهود الدولة منصبة فيه على تعزيز برنامجها الفضائي ليعود إلى أوج قوته كما كان خلال ذروة الحرب الباردة، أصبح مستقبل هذه الصناعة ضبابياً الآن.

خلال الستينيات، كان لأوكرانيا دور كبير في السباق إلى القمر. بحلول الوقت التي هبطت فيه ناسا على سطح القمر عام 1969، كانت دنيبرو وأوكرانيا قد رسختا الأساس لبناء تكنولوجيات استكشاف الفضاء المستقبلية. لقد حددت الدولة لنفسها هدفاً يتمثل في إنشاء محطات فضائية تدور حول الأرض، وهي خطوة كان من شأنها أن تنقل أوكرانيا، والعديد من خبرائها الرواد، إلى المستوى العالمي. 

يقول صديقي: «بحلول نهاية الحرب الباردة، كانت لدى أوكرانيا خبرة كبيرة في تشغيل محطات فضائية متواضعة جداً في مدار الأرض. وهذا ما وضع الأساس لما سيصبح فيما بعد محطة الفضاء الدولية».

اقرأ أيضاً: كيف كان «نورد ستريم 2» سيسمح لروسيا بالسيطرة على سوق الغاز في قلب أوروبا؟

بداية تدهور صناعة الفضاء في أوكرانيا

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1991 وإعلان أوكرانيا استقلالها، كانت روسيا وأوكرانيا لا تزالان من أكبر اللاعبين في ميدان سباق الفضاء. على الرغم من احتفاظ روسيا بمعظم المنشآت الفضائية بعد استقلال أوكرانيا، نجحت أوكرانيا في الاعتماد أكثر على مواردها الذاتية. في عام 1992، أنشأت الحكومة وكالة الفضاء الحكومية الأوكرانية لتنظيم وتوجيه سياسة الفضاء وبرامج الاستكشاف المستقبلية في البلاد . 

وقال صديقي: «حتى الآن كان هناك دائماً نوع من التفاهم بين البلدين فيما يتعلق بالتعاون الفضائي. ولكن، ومنذ الطفرة التصنيعية الهائلة لدنيبرو في الستينيات، أصبح تواجد أوكرانيا في مهمات الفضاء مختلفاً كثيراً اليوم». لقد كانت صناعة الصواريخ في أوكرانيا في العقود القليلة الماضية تتدهور. 

وكانت المرة الأخيرة التي كان فيها لدى البلاد مركبة في المدار في عام 2011، عندما أطلقت القمر الصناعي «سيتش-2» من منصة إطلاقٍ في روسيا. ظل هذا القمر الصناعي لمدة عام تقريباً قبل أن تفقد وكالة الفضاء الأوكرانية الاتصال به نتيجة خلل فني، حيث كان من المقرر أن تمتد خدمته لخمس سنوات. 

تعافي خجول

لكن الوكالة كانت تحاول التعافي مجدداً. في وقت سابق من هذا العام، أطلقت سبيس إكس القمر الصناعي «سيتش 2-30» لرصد الأرض، وهو أول قمر صناعي أوكراني منذ 10 سنوات. في يناير/كانون الثاني 2022، صرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر منصة الرسائل الاجتماعية «تيلجرام» قائلاً: «لقد أثبت المهندسون والمختصون الأوكرانيون الذين ساهموا بإنجاح إطلاق القمر الصناعي قدرتهم على إنشاء نماذج جديدة من تكنولوجيا الفضاء الحديثة، وترسيخ أوكرانيا كقوة فضائية عظيمة».

رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، مغرداً على تويتر حول إطلاق القمر الصناعي «سيتش 2-30».

صُمم القمر الصناعي لالتقاط صور رقمية للكوكب وجمع البيانات للجيش ولوكالة الفضاء الأوكرانية على مدى السنوات الخمس المقبلة. كما ستُستخدم البيانات لأغراض الزراعة وإدارة الموارد المائية والكوارث الطبيعية ولقضايا الأمن والدفاع. على الرغم من أنه من غير المعروف ما إذا كان القمر الصناعي يستخدم حالياً لتحديد موقع القوات الروسية أو محاربتها، إلا أن أوكرانيا طلبت بالفعل بيانات الأقمار الصناعية من شركات ووكالات فضائية أخرى، وفقاً لتقارير هيئة الإذاعة البريطانية

كانت أوكرانيا على وشك العودة إلى المسار الصحيح، لكن ربما أعاقت الحرب أي تقدم قصير المدى. دنيبرو، المدينة المعروفة بشركاتها الدفاعية في الماضي، غرقت في الحرب. فمع اقتراب القوات الروسية من ضواحي كييف، يختار العديد من الأوكرانيين الفرار من هناك. وفي وقت كتابة هذا التقرير، لم يكن من الممكن الوصول إلى حالة العمليات والموقع الإلكتروني لوكالة الفضاء الحكومية الأوكرانية.

اقرأ أيضاً: نظرة عن كثب على الترسانة النووية لروسيا وباقي دول العالم

طموحات في العودة إلى الفضاء والخروج من عباءة القوى العظمى

ومع ذلك، لا تزال لدى أوكرانيا طموحاتٌ لتوسيع دورها في استكشاف الفضاء، وتحديداً إلى جانب خطط ناسا للعودة إلى القمر. أصبحت أوكرانيا الدولة التاسعة التي توقع على اتفاقيات أرتميس في عام 2020، وهي اتفاقية دولية لوضع معايير تشجع الاستكشاف المدني للقمر وتوجهه. ويجدر بالذكر أن روسيا والصين رفضتا التوقيع على هذه الاتفاقية، حيث قال بعض الخبراء إن الاتفاقية تركز بشدة على الولايات المتحدة.

على الرغم من أن صناعة الفضاء الأوكرانية تتعاون في مجال الفضاء مع العديد من الدول الغربية، إلا أنه لا يزال من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان برنامجها سيتلقى الدعم الذي يحتاجه. في المقابل، يقول صديقي إن برنامج الفضاء الروسي يمكن أن يصبح “منبوذاً دولياً” بين الجهات الفاعلة البارزة بعد الحرب الروسية الأوكرانية .

ومع ذلك، كان برنامج الفضاء الأوكراني يخطط بالفعل للخروج من عباءة القوى العظمى. 

في إعلان عن إطلاق صاروخ في أغسطس/ آب عام 2021، قال رئيس وكالة الفضاء الحكومية الأوكرانية، فولوديمير تافتاي، لصحيفة «ديفينس إكسبريس»: «بالنسبة لأوكرانيا، مثل هذا العمل له أهمية كبيرة، لأننا في هذه الحالة نتحدث عن الإحياء الفعلي لتكنولوجيا الصواريخ وتطويرها بشكل كامل في أوكرانيا والعودة إلى نادي دول الفضاء في العالم دون مشاركة روسيا».

قد تكون الخطوة الأخيرة التي اتخذتها روسيا هي الخطوة الأخيرة التي تحتاجها وكالة الفضاء الأوكرانية لقطع العلاقات. ومع ذلك، يعتقد صديقي أن مثل هذا الانفصال عن علاقتها مع روسيا لن يكون سهلاً بالنسبة لأوكرانيا، ولا لبقية العالم.

يقول صديقي: «مهما حدث في هذه الحرب، ومهما كانت نتائجها، أعتقد أن تقييمها سيستغرق بعض الوقت. وأعتقد أنه سيكون للحكومة الأوكرانية أولويات أخرى غير الفضاء على المدى القصير».