ما هي المعلومات الوراثية التي يمكنك معرفتها من خلال اختبار شركة «23 آند مي»؟

6 دقائق
ما هي المعلومات الوراثية التي يمكنك معرفتها من خلال اختبار شركة «23 آند مي»؟

إذا كان بإمكانك أن تعرف ما إذا كان من المرجح أن تصاب بمرض مضنٍ غير قابل للعلاج عندما تصل لعمر الـ 50، هل سترغب في معرفة ذلك؟ تقدّم لك شركة «23 آند مي» هذه الفرصة، ولكنّها لن تسألك السؤال السابق طبعاً.

واظبت هذه الشركة على تقديم المعلومات الوراثيّة يميناً وشمالاً لأكثر من عقد من الزمن (بتكلفة 200 دولاراً) دون أي اهتمام بتأثير هذه المعلومات على الزبائن. على الرغم من أن هذه الشركة تبيع في معظم الحالات معلومات غير مؤذية. كذلك فهي تقدّم لك خيار أن تكشف أسلافك وراثياً أو أن تحصل على معلومات حول صحتك، وكلا الخيارين يُقدَّمان على أنهما «طرقاً سهلةً لتكتشف نفسك». وفي الخيارين، الأسئلة الموجودة سهلة بالفعل: هل امتلك المورّثة التي تجعلني أعطس عندما أنظر إلى الشمس؟ ما نوع شمع الأذن لديّ؟ من أين أتى أسلافي؟ أجوبة هذه الأسئلة الوراثية ليست ذات آثار جمّة على حياتك اليومية، وهي عادةً مسليّة فعلاً.

ولكن الأمور تتغير حاليّاً، إذ قررت إدارة الغذاء والدواء الأميركية أن 23 آند مي وشركات الاختبارات الوراثية الأخرى يمكن أن تبيع للزبائن الاختبارات التي تحدد احتمالية الإصابة بحالات أكثر خطورةً من الحالات سابقة الذكر. أصبحت هذه الشركات قادرة على إخبارك إذا كنت عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر أو باركنسون، إلى جانب 8 أنواع أخرى من الاضطرابات التي تحددها عوامل وراثيّة. هذه أخبار سارّة بالنّسبة للشركة نفسها، والتي كافحت لسنوات بهدف بيع هذه المعلومات لزبائنها. ولكن ليس بالضرورة أن تكون هذه أخبار سارّة بالنسبة لك.

المشكلة الأساسيّة هي التالية: تهدف هذه الشركة لمنحك كل المعلومات التي ترغب بمعرفتها عن خلفيّتك الوراثيّة، ولكنها لا تريد أن تتحمّل مسؤولية تأثير هذه المعلومات عليك. هل ستكون منزعجاً من نتائج تبين أنه من المرجح أن تقضي السنوات الأخيرة من حياتك معتمداً على أشخاص آخرين يهتمّون بك، وتعاني من الرجفان الخارج عن سيطرتك، وتخسر قدرتك على الكلام؟ استشر أحداً آخر، فالشركة ليست مسؤولة عنك. يسرّ هذه الشركة أن توجهك نحو المصادر التي تحتاجها لتجد طبيباً أو مستشاراً وراثياً لتستشيره، ولكن ما الذي تفعله غير ذلك؟ لا شيء. نحن نعيش في عالم حيث يمكن أن تطلب أي شيء باستخدام تطبيق بمسحة من اصبعك، ولكن لا يجب أن يُجتذب الزبائن للبحث عن معلومات وراثيّة دون اكتراث للعواقب.

اقرأ أيضاً: كريسبر المُصغر: تطوير أداة هندسة الجينوم للوصول إلى علاجات جينية ثورية

بعد أن تعلم، لا يمكنك التراجع

إذا كان كل ما تريد معرفته هو ما إذا كانت لديك المورّثة التي تجعل ظهرك ذو شعر كثيف أو التي تجعلك تشم رائحة الهليون في بولك، فلا مشكلة في ذلك. لكن معرفة معلومة ما أمر لا يمكن نسيانه. ولا ينطبق نفس الشيء على معظم الأمراض التي تستطيع شركة 23 آند مي اختبارها. بالنسبة لبعض الأمراض، مثل الدّاء البطني (مرض الاضطرابات الهضميّة)، أو نقص مضاد التربسين ألفا 1، يمكنك على الأقل أن تتّبع بعض الاحتياطات بناءً على النتائج التي حصلت عليها. لكن ماذا بشأن مرض ألزهايمر؟ 

هناك قلة من الأمور التي يمكنك فعلها للوقاية من فقدان الذاكرة، وقلة أيضاً من العلاجات التي تطيل من حياتك. لا يمكن التنبّؤ بدقّة متى سيضرب المرض ومدى شدته إذا أصبت به. ونفس الأمر ينطبق على مرض باركنسون. كلا المرضين مضنيان ولا يمكن التنبؤ بهما. ومع ذلك، المشكلة الحقيقية المتعلّقة باختبار احتمالية الإصابة بهما ليست إقناع الأشخاص أن اختبارات 23 آند مي يمكن أن تُعلمك باحتمالية الإصابة فقط، ولا وجود احتمال للإصابة بالمرض أيضاً، بل هي مجرّد معرفة هذه المعلومات.

من السهل القول الآن وأنت في عمر الـ 20 أو الـ 30 أو الـ 40 أنّك تريد أن تعرف ما سيحصل لك. ربما تظن أنّك ستحقق أحلامك التي لطالما رغبت بتحقيقها، أو أنّك ستبدأ فعلاً بممارسة الرياضة للحفاظ على صحتك لأطول فترة ممكنة. وربما ستفعل فعلاً هذه الأشياء بعد أن تعرف احتمالات إصابتك بالأمراض المختلفة. ربما ستعيش حياة سعيدة، أو ربما، عندما تكون جالساً على الشاطئ في عطلة أحلامك الاستوائية، ستفكّر في مستقبل ستضطر فيه أن تعيش في دار للعجزة لأنك لا تستطيع أن تتذكّر اسم ابنك، وهو مستقبل محضّر لك من قبل مورّثاتك. قد تقول لنفسك إن هذا ليس مؤكداً، من المحتمل أن لا تصاب بالمرض أبداً وأن تعيش لعمر الـ 95، وعندها ستموت محاطاً بأحبابك. ولكن هذا بحد ذاته ليس مؤكداً.

خذ مثالاً متطرفاً أكثر. الأشخاص الذين يمتلكون الطفرة الوراثية التي تتسبب في مرض هنتنجتون سيصابون به بالتأكيد. وعلى الرغم من وجود اختبار يمكن أن يخبرك ليس فقط ما إذا كانت لديك هذه الطفرة، بل متى ستصاب بالمرض أيضاً، إلاّ أن العديد من الأشخاص يختارون ألّا يعرفوا هذه المعلومات. معرفة المعلومة تغيّر الطريقة التي تعيش فيها حياتك، والكثير من الأشخاص، خصوصاً صغيرو السن، لا يرغبون بتحمّل هذا العبء.

اقرأ أيضاً: تقنية جديدة للهندسة الوراثية تولد من رحم كريسبر

اختبارات لا تقدم تشخيصاً

لا تقدّم شركة 23 آند مي اختباراً خاصاً بمرض هنتنجتون. ولا يعود ذلك لعدم قدرتها على ذلك، إذ أنّها قادرة (على الأقل نظرياً)، بل لأن الشركة لا تقدّم «اختبارات تشخيصيّة». تقوم هذه الشركة بنوع من التحليل الوراثي الذي لا يكشف عن بعض الشذوذات، مثل تلك التي تتسبب في مرض هنتنجتون أو متلازمة الصبغي إكس الهشّ، لذا، بما أن هذه الشركة لا تمنح معلومات صحيّة، فهي لا تقوم بأكثر من مهامها الأساسية المتمثّلة بخدمات التنميط الوراثي.

إذا كانت الشركة تقدّم خدمات تشخيصيّة (وكانت حاصلة على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية)، فعندها يمكنها فحص العيّنة التي يرسلها الزبون وتشخيصه بمختلف أنواع الأمراض الوراثيّة. ولكنّها لا تقدّم هذه الخدمات ببساطة (ولنكن عادلين، فهي تصرّح بهذا بشكل واضح)، وإذا قاربت نتائج الاختبار تشخيصاً بالفعل، تسحب الشركة يدها من الموضوع، وتنصحك باستشارة طبيب أو مستشار وراثي متخصص. الشركة حازمة بهذا القرار، ولكنّه لا يصب في مصلحة الزبون. لا يمكن تحميل الشركة مسؤوليّة اختبار لا يقدّم تشخيصاً (مثل اختبار مرض باركنسون، والذي يخبرك فقط بأنك عرضة)، وخصوصاً بعد كل المحاذير التي تقدّمها للزبائن.

تُنبّه الشركة الزبائن أن النتائج ليست دقيقة بنسبة 100%، وهي فقط تمنحك معلومات احتمالية، وأن المؤشرات الوراثية لا تنعكس دائماً كصفات ظاهرة. ولكنّها ببساطة تحاول بيع منتجها. لن يشتري الزبون المنتج إذا شعر بالقلق حول النتائج أو بالخوف حول ما يمكن أن ينتج عن المعلومات التي سيحصل عليها. لذا، ستخبر الشركة الزبائن بقصص عن أشخاص وجدوا آباءهم الطبيعيين بسبب خدماتها، أو بأشخاص اكتشفوا السبب الحقيقي وراء أمراضهم المزمنة. الحقيقة هي أن معظم الأشخاص سيكونوا سعيدين بالنتائج، وذلك لأن الأمراض مثل ألزهايمر وباركنسون نادرة. معظم الأشخاص سيرتاحون لمعرفة أنّهم لن يصابوا على الأرجح بمرض خطير. ولكن البعض لن يحصلون على هذه الطمأنينة. وإذا كانت شركة ما ستبيع للزبائن حقّهم بأن يعرفوا، فيجب عليها أن تقدّم لهم المساعدة عندما تكون هذه المعرفة خطيرة.

اقرأ أيضاً: الجيل الثاني من تقنية «كريسبر» قد يُحدث ثورةً في علاج الأمراض الوراثية

شركة 23 آند مي لا تبيع العُدد الوراثية بجميع الأحوال

إذا احتجت للمزيد من الأسباب حتى تتخلّى عن فكرة اللجوء إلى شركة 23 آند مي، إليك باثنين آخرين: أولاً، مع أن اختبارات الشركة موافق عليها من قبل الـ إف دي إيه، إلّا أنّه ليس هناك أي اختبار فرزيّ دقيق تماماً دائماً. حتى ولو صحّت اختبارات الشركة على نسبة 99.9% من البشر، فهذا يعني أن شخصاً من بين كل 1000 شخص سيحصل على نتيجة خاطئة. (الدقّة والنّوعية الحقيقيتان من المستحيل معرفتهما من موقع الشركة). تمتلك الشركة لحد الآن نحو أكثر من مليون زبون، ما يعني أن نحو10,000 منهم يمكن أن يكونوا قد حصلوا على معلومات خاطئة. لذا فلن تكون مخاطراً بالعيش مع عبء فظيع فحسب، بل ستخاطر بذلك بناءً على فحص قد يكون خاطئاً.

ثانيا: على الرغم من أن تكلفة 200 دولاراً تبدو كبيرة، فتكاليف الاختبارات ليست مصدر دخل الشركة الأساسي، كما أن الاختبارات ليست خطّة العمل النهائية الخاصة بها. أحد أعضاء مجلس إدارة الشركة قال لمجلة «فاست كومباني» إن «الهدف بعيد الأمد ليس تحقيق الأرباح عن طريق بيع عُدد الاختبارات الوراثيّة، على الرغم من أنها ضرورية للحصول على البيانات الأساسيّة». المنتج ليس العدة، إذاً فهو الزبون بحد ذاته. بوجود قاعدة بيانات هائلة من المعلومات الوراثية، تستطيع الشركة أن تبيع هذه المعلومات لشركات أخرى، تقوم شركات كثيرة منها  بأبحاث علمية يمكن القيام بها فقط بالحصول على كميّات كبيرة من المعلومات الوراثية.

حتّى الوكالات الحكومية مثل وكالة المعاهد الوطنية للصحة تستخدم البيانات للوصول إلى فهم أفضل للأسباب الوراثية وراء الأمراض. وبالإضافة إلى ذلك، تؤكد شركة 23 آند مي للزبائن أنه إذا قبلوا مشاركة معلوماتهم الوراثيّة مع جهات أخرى، فستكون هذه المعلومات مجهولة المصدر ومجمّعة «حتّى لا يمكن بمعرفتها اكتشاف مصدرها أبداً». وبالتأكيد، فالشركة لن تخرق هذه القاعدة. وحتّى لو صح ذلك، اتضح أنه من الممكن معرفة الاسم الأخير لشخص ما باستخدام عدد التكرارات القصيرة الموجودة على الصبغي «واي» الخاص به، والولوج إلى قاعدة بيانات خاصّة بعلم الأنساب. ثم يمكن تحديد عمره ومكان إقامته باستخدام مصادر متوافر للعوام. ولكن باستثناء كل هذا، فالمعلومات الخاصة بالزبائن تكون مجهولة المصدر تماماً!

لذا، إذا كنت ترغب في معرفة ما إذا كانت مورّثاتك تجعلك عرضة لميّزات مثل زيادة التعرّق أو نسب أطوال أصابع غريبة، فلا تتردد. ولكن اعلم بما ستقدم عليه، فليس بالضرورة أن يكون من السهل معرفة أنّك عرضة لأن تصاب بأمراض مثل داء باركنسون.

المحتوى محمي