غيّر مركز السيطرة على الأمراض مؤخراً توصياته بشأن إجراء اختبار فيروس كورونا، فلم يعد بإمكان الجميع إجراء الاختبار رغم ارتفاع عدد الوفيات المضطرد في جميع الولايات المتحدة، وعدم ظهور أية مؤشراتٍ على تراجع المرض.
كان مركز السيطرة على الأمراض قد أوصى في السابق بإجراء الاختبار لأي شخصٍ كان على اتصالٍ وثيق بالشخص المصاب بغض النظر عن هل ظهرت عليه الأعراض أم لا. أما الآن، فيقول بأن الأشخاص الذين تظهر عليهم الأعراض فقط يمكنهم طلب إجراء اختبار فيروس كورونا.
كما صرّح مدير المركز «روبرت ريدفيلد» لشبكة «سي إن إن» بأن المبادئ التوجيهية المحدثة -التي وُضعت بالتعاون مع فريق عمل فيروس كورونا التابع للبيت الأبيض- من المفترض أن تركّز أكثر على من تظهر عليه الأعراض، والمعرضين للخطر أكثر من غيرهم، وعلى الفئات السكانية الضعيفة. وأضاف قائلاً: يمكن لأي شخص «يحتاج» فعلاً إلى إجراء الاختبار أن يحصل عليه، ولكن ليس لأي شخصٍ «يريد» إجراء الاختبار.
أثارت التوصيات المحدثة بعد إعلانها مخاوف خبراء الصحة العامة، وشككوا بفعالية هذه السياسة الجديدة. حيث يقول هؤلاء الخبراء أن نسبة المصابين الذين لا تظهر عليهم الأعراض تبلغ نحو 40% من إجمالي المصابين بالفيروس. كما يجادل العديد منهم بأن التوصيات الجديدة يمكن أن تقلل من عدد الإصابات المبلغ عنها في الوقت الذي قد يكون فيه عدد الإصابات أعلى في الواقع.
وعلاوة على ذلك، كان «أنتوني فاوشي»، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، ورئيس فريق البيت الأبيض للتصدي لفيروس كورونا يخضع لعمليةٍ جراحية في حباله الصوتية عندما صدر إعلان التوصيات الجديدة. نعرض هنا آخر التحديثات حول القرارات الجديدة.
ماذا غيّر المركز في التوصيات؟
حتى قبل صدور التحديثات الأخيرة، كان مركز السيطرة على الأمراض يوصي بإجراء اختبار فيروس كورونا لجميع المخالطين الذين كانوا على اتصالٍ وثيق بأحد المصابين، سواء ظهرت الأعراض عليهم أم لا، نظراً للدور الكبير الذي يلعبه المصابون بدون أعراض في نشر المرض وزيادة عدد الإصابات، لأنهم لا يعلمون أنهم يحملون الفيروس، ويخالطوا الكثير من الناس في أماكن كثيرة. في الواقع، يساعد إجراء الاختبار لجميع الأشخاص المحتمل تعرضهم للعدوى في تحديد الناشرين الصامتين وعزلهم.
توصي التحديثات الجديدة بإجراء الاختبار فقط إذا كانت لديك أعراض، أو إذا بقيت على مسافة أقل من متر من شخصٍ مصاب مؤكد لمدة 15 دقيقة على الأقل، أو إذا أوصى مقدم الرعاية الصحية المحلّي بإجرائه. كما ينص التحديث الجديد على أنه «لا يحتاج الجميع إلى إجراء الاختبار».
هناك حاجة متزايدة لاختبار الأشخاص المعرضين للفيروس
اعترض العديد من الخبراء على الإجراءات الجديدة التي تُظهر «استهتاراً كبيراً» بصحة الناس، وأصدرت العديد من المنظمات الكبرى المحلية الأميركية -مثل الجمعية الطبية وجمعية الأمراض المعدية- بيانات رسمية تنتقد بشدة التحديثات الأخيرة.
حيث قالت جمعية الأمراض المعدية الأميركية في بيانٍ لها: «اختبار الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض والذين كانوا على اتصالٍ بشخصٍ مصاب بفيروس كورونا لا يزال إستراتيجية حاسمة تستند إلى الأدلة لاحتواء الوباء والحد من انتشاره». بينما ذهبت رئيسة الجمعية الطبية الأميركية «سوزان بيلي» إلى أبعد من ذلك من خلال مطالبة المركز بنشر الدليل العلمي الذي استندت عليه هذه التوصيات الجديدة.
ولكن «لينا وين»، طبيبة الطوارئ وأستاذة الصحة العامة في جامعة جورج واشنطن والتي شغلت سابقاً منصب مفوض الصحة في بالتيمور، تقول أن أحد الأسباب الكامنة وراء التحديثات الجديدة، كما قالوا، هو التركيز على السكان «المعرضين للخطر»، وذلك لا يمكن تبريره إلا إذا كان هناك نقص في موارد الاختبار. لكن لم يكن هناك أي إشاراتٍ على حدوث نقصٍ في إمدادات الاختبارات.
تقول وين: «لو قالوا أن هناك نقصاً في مخزون الاختبارات، فستكون التحديثات الأخيرة مفهومة ومبررة في الواقع. ولكن ذلك لا يعني أن الناس الذين لا يعانون من أعراض لا يحتاجون إلى اختبار، وهذا ما ذكروه حقاً».
أحد المبررات التي يسوقها المدافعون عن التحديثات الأخيرة تقول أنه قد تكون نتيجة الاختبار سلبية، ولكن ذلك لا يعني ذلك أنها سلبية فعلاً خصوصاً إذا أُجري الاختبار بعد مخالطة شخصٍ مصاب مباشرة. لكن وين تقول: «إذا كان هذا هو المبرر فعلاً، فإن ذلك يعني أنه يجب اختبار الأشخاص الذين كانوا على اتصال مباشر مع المصابين أكثر، وليس أقل».
ويؤكد خبراء آخرين في الصحة العامة أن الاختبار والعزل الصحي في حال كنت على اتصال بشخص مصاب بالفيروس -حتى لو لم تظهر عليك الأعراض- هو أمرٌ بالغ الأهمية.
هل القرار سياسي؟
في الواقع، لعبت السياسة دوراً كبيراً في نجاح بعض البلدان في احتواء المرض، وإخفاقات في دول أخرى. بالنسبة للبلدان التي نجحت في خفض حالات الإصابة بالفيروس، فقد كان إجراء اختبار الفيروس على نطاقٍ واسع دورٌ حاسم في ذلك. كان مدير منظمة الصحة العالمية «تيدروس جيبريسوس» قد قال في مارس/ آذار الماضي: «إن محاولة حل هذه المعضلة دون إجراء اختباراتٍ شاملة وموسّعة تشبه إلى حدٍ ما مكافحة حريق وأنت معصوب العينين».
كما صرح الرئيس ترامب عدة مرات بأنه كلما أجرينا المزيد من الاختبارات، اكتشفنا المزيد من الإصابات، وقال علناً أنه يرغب في تقليل عدد الاختبارات «لتقليل عدد الإصابات الرسمي». وعندما سألته «ويجيا جيانج» مراسلة «سي بي إس» هل تصريحاته تلك كانت نوعاً من المزاح؟ أجاب قائلا: «أنا لا أمزح». بالإضافة إلى ذلك، قال مسؤول في مركز السيطرة على الأمراض لشبكة «سي إن إن» بأن التوصيات الجديدة فُرضت من أعلى المستويات.
يقول «كريج سبنسر»، مدير الصحة العالمية والمتخصص في طب الطوارئ في جامعة كولومبيا: «إن فكرة أننا يجب أن نختبر الناس بشكل أقل وليس أكثر ليست جنوناً محضاً وحسب، بل تبدو متوافقة مع ادعاء ترامب بأنه طلب من فريقه تقليل عدد الاختبارات».
كما تشير «لينا وين» إلى أنه لم يكن هناك مؤتمرٌ صحفي أو بيان رسمي للتنويه إلى التوصيات الجديدة. ولكن بدلاً من ذلك، نُشرت التوصيات على موقع المركز بشكلٍ مريب في «ظلام الليل».
في الواقع، لم يكن الدكتور فاوشي، رئيس المعهد الوطني للصحة، حاضراً في الاجتماع الذي أقرّت فيه التوصيات الجديدة، حيث كان يخضع لجراحة في الحنجرة. لكنه تلقى نسخة من التوصيات الجديدة مسبقاً، ولم يعترض عليها. وكما قال فاوشي لشبكة سي إن إن حول الأمر: «أشعر بالقلق بشأن تفسير هذه التوصيات، ومن أنها قد تجعل الناس يفترضون خطأً بأن الانتشار بدون أعراض ليس مشكلة كبيرة. لكنه في الواقع هو كذلك».
في هذا السياق، قرر العديد من حكام الولايات الأميركية -بمن فيهم «أندرو كومو» حاكم ولاية نيويورك التي عانت من ارتفاع الإصابات سابقاً- تجاهل التوصيات الجديدة لمركز السيطرة على الأمراض، والتمسك بالتوصيات السابقة.
يقول كومو لصحيفة نيويورك تايمز: «إن المبرر المنطقي الوحيد للتوصيات الجديدة هو أنهم يريدون إجراء اختباراتٍ أقل للناس، لأن ترامب قال سابقاً أنه إذا لم نجري المزيد من الاختبارات، فلن يزداد العدد الفعلي للأشخاص المصابين بفيروس كورونا». كما قال حاكم ولاية كنتاكي وكاليفورنيا أيضاً كلاماً مشابهاً لكلام كومو.
ورغم هذه التصريحات، ما زال مقدمو الرعاية الصحية يتبعون إرشادات مركز السيطرة على الأمراض، ويشعرون بالارتباك الشديد عند اتخاذ القرار المناسب. تقول وين: «لقد أصبحت مصداقية مركز السيطرة على الأمراض -والتي ما تزال الوكالة الصحية الأولى في العالم- على المحكّ بعد هذه التوصيات».
وتسأل: «إذا كانت التوصيات الأخيرة غير مبنيةٍ على الأدلة العلمية، فما هو مبرر إصدارها؟ وكيف سيؤثر ذلك على مصداقية هذه المؤسسة في الوقت الحرج الذي نحتاجه فيه؟».
الآثار طويلة المدى لتقليل الاختبارات
في الواقع، لن نتمكن من الكشف عن الحالات التي لا تظهر عليها أعراض المرض دون إجراء المزيد من الاختبارات، وبالتالي ستزداد خطورة انتشار الفيروس على نطاقٍ واسع أكثر. تقول وين: «مع تقليل عدد الاختبارات، سيكون هناك المزيد من الانتشار الذي يمكن الحد منه فعلاً، وقد رأينا ذلك يحدث في الواقع في العديد من مناطق البلاد». وتضيف وين: «لقد رأينا ما حدث عندما لم تتوفر الاختبارات في وقت الحاجة إليها، سينتشر الفيروس في كل مكانٍ من حولنا، وسينقل المصابون الذين لا تظهر عليهم الأعرض العدوى إلى الكثير قبل اكتشاف إصابتهم، بالتالي ستزداد أعداد الإصابات ويصبح الانتشار وبائياً في نهاية المطاف».
يقول سبنسر: «نعلم أن 30 - 40% من الإصابات بفيروس كورونا تكون بدون أعراض، لذلك قد لا تكون إجراءات الإغلاق كافية لضبط الإصابات بدون أعراض المحتملة، وبالتالي ستنشر العدوى. لكن الاختبار الإيجابي يمكن أن يدفع الناس للبقاء في الحجر الصحي لتجنب نشر العدوى بشكلٍ أكبر. كلما قل عدد الاختبارات التي نجريها، قل عدد الأشخاص الذين يمتلكون هذا الحافز للبقاء في الحجر الصحي».
ويضيف: «هناك تداعيات إضافية لعدم إجراء اختبارات كافية تتمثل في احتمال عدم منح فرصة اختبار الحالات طويلة الأمد، أو الأشخاص الذين يصابون بالمرض مرة أخرى بعد تعافيهم لتأكيد إصابتهم من عدمها، الأمر الذي قد يؤدي إلى معاناتهم لفترةٍ طويلة أكثر».
وقد رأى سبنسر هذه المشكلة بنفسه أثناء علاج المرضى خلال المراحل المبكرة من تفشي المرض في نيويورك، حيث كان من الواضح أن المرضى مصابون بفيروس كورونا، ولكن لم تكن هناك اختبارات كافية لتأكيد إصابتهم. والآن، مع تقليل عدد الاختبارات، فإن المزيد من الأشخاص معرضون لخطر مواجهة نفس المشاكل السابقة.
ربما قد تشعر بالإحباط بعد معرفتك كل هذا، لكن تذكر أنه لا يزال بإمكانك تحمل المسؤولية في الحفاظ على صحتك وصحة من تحب. استمر في ارتداء الأقنعة، وتناول الطعام في الهواء الطلق بدلاً من الجلوس في المطاعم، وخذ الحجر الصحي على محمل الجد حتى لو لم تتمكن من الحصول على اختبار، أو كانت نتيجة الاختبار سلبية.