في الأيام الجيدة، يتوقع المسافرون من مدينة «لابسيكي» على الجانب الآسيوي من تركيا إلى مدينة «سوتلوجي» على الجانب الأوروبي أن تستغرق رحلتهم بالعبارة ساعة ونصف على الأقل عبر مضيق الدردنيل للوصول إلى وجهتهم النهائية. ولكن في بعض الأيام، خصوصاً عندما تكون العبّارات مزدحمة، قد تستغرق هذه الرحلة نحو خمس ساعات.
الآن، وبفضل افتتاح جسر معلق جديد عبر المضيق الشهر الماضي، أصبح بإمكان المسافرين عبور هذا المضيق في ست دقائق فقط. أُطلق على هذا الجسر اسم «جناق قلعة 1915»، وذلك في إشارةٍ إلى معركة جناق قلعة التي جرت في الحرب العالمية الأولى عام 1915 في هذا المضيق، ويحمل الجسر حالياً الرقم القياسي العالمي لأطول جسر معلق في العالم، وفقاً للمسافة بين برجيه.
اقرأ أيضاً: ما هو مثلث برمودا؟ ولماذا يعتبر خطيراً؟
يتمتع جسر «جناق قلعة 1915» بأهمية كبيرة من الناحيتين الرمزية والهندسية. إليك أبرز الأرقام التي منحته هذه الأهمية.
طول جسر «جناق قلعة 1915» 4607 متراً
بالنسبة لطول أي جسر معلق، يجب النظر إلى رقمين أساسين: الطول الإجمالي للجسر، وأطول امتدادٍ لتعليقه (طول القسم الأوسط من الجسر). يبلغ الطول الإجمالي للجسر التركي 4607 متراً. قبل بناء جسر جناق قلعة، كان جسر «أكاشي كايكو» المعلق في اليابان الجسر الأطول من ناحية الامتداد والطول الإجمالي، حيث يربط بين جزيرتي هونشو وأواجي بطول إجمالي أقل قليلاً من 3962 متراً وبامتدادٍ يبلغ 1991 متراً.
وبالإضافة إلى تفوقه على جسر أكاشي كايكو من ناحية الطول الإجمالي، فإن جسر «جناق قلعة 1915» يتفوق أيضاً عليه في أطول امتداد بمسافة بين الأبراج تبلغ 2023 متراً. يُقصد بهذا الطول أيضاً الاحتفال بعام 2023 باعتباره ذكرى مرور 100 عام على قيام دولة تركيا بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.
يقول بريان برينر، الأستاذ بجامعة تافتس الذي يبحث في الهندسة الإنشائية للجسور، في رسالة بالبريد الإلكتروني: «ليس من المستغرب أن تختار كل من تركيا واليابان جسراً معلقاً عند تحديد نوع تصميم الجسر الذي يجب استخدامه لعبور هذه المسافات الكبيرة».
ويضيف: «الجسور المعلقة نمطٌ من الهياكل يوفر أطول الامتدادات. وغالباً ما يمكن بناء الجسر المعلق فوق المسطحات المائية التي تشهد حركة مرور كثيفة للشحن بطريقةٍ تقلل تعطيل هذه الحركة أثناء أعمال البناء، وتلك ميزة».
وحسب برينر، فإن إحدى مزايا الجسر المعلق عند بنائه فوق المجاري المائية هي أنه يحتاج إلى عدد أقل من الدعائم الهيكلية التي يجب حفرها في المواد الصلبة مثل الصخور أو في أعماق أرضية المجرى المائي.
ويضيف برينر أن الجسر المعلق يصبح بمثابة أيقونة أيضاً. على سبيل المثال، هل يمكنك تصور سان فرانسيسكو دون تخيل جسر البوابة الذهبية المعلق فوق خليج سان فرانسيسكو؟
ارتفاعه 318 متراً
مثل العناصر الرمزية الأخرى لجسر جناق قلعة 1915، فإن ارتفاع أبراجه يحمل رمزية أيضاً. يرمز ارتفاع الأبراج، والذي يبلغ 318 متراً، إلى تاريخ 18 مارس/آذار، وهو لا يمثل التاريخ الذي افتُتح فيه الجسر وحسب، بل ويمثل اليوم الذي تحيي فيه تركيا ذكرى شهداء قواتها البحرية في جاليبولي (معركة جناق قلعة) خلال الحرب العالمية الأولى.
ومع ذلك، فإن ارتفاع البرج له أهمية هندسية أيضاً، كما يقول برينر.
يقول برينر: «كلما ازداد طول الامتداد، تزداد قوى الجسر وأبعاده. لذلك يجب أن تكون الأبراج أطول لدعم الكابلات».
2.5 مليار يورو
بالإضافة إلى طوله وارتفاعه الكبيرين، فإن التكلفة باهظةٌ جداً أيضاً، على الأقل بالنسبة لجسر جناق قلعة 1915. اقتُرح هذا الجسر في الأصل عام 2017، وقد كلف بناءه 2.5 مليار يورو، أو نحو 2.7 مليار دولار، وقد قامت بتنفيذه شركات تركية وكورية جنوبية. وبحسب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، فإن تكلفة عبور الجسر ستكون 200 ليرة تركية، أو أقل بقليل من 14 دولاراً.
على الرغم من التكلفة الباهظة لبناء الجسر، إلا أن إردوغان قال إنه يتوقع عائداً كبيراً من استثماره، وذلك عن طريق توفير الوقود الذي سيتم تحقيقه عن طريق عبور المضيق بكفاءةٍ أكبر، وحسب إردوغان، سيتم توفير نحو 458 مليون دولار سنوياً.
أكثر من 2023 متراً
قد يحمل جسر جناق قلعة 1915 حالياً الرقم القياسي العالمي لأطول جسر معلق، لكن برينر يقول إنه ليس بالضرورة أن يحافظ على هذا الرقم طويلاً. في عام 2009، اقتُرح بناء جسرٍ فوق مضيق ميسينا لربط البر الرئيسي لإيطاليا بجزيرة صقلية، وهو جسر سيتجاوز امتداده امتداد جسر جناق قلعة 1915 بمقدار الضعف تقريباً. لكن الجسر الإيطالي واجه العديد من العقبات ولا يوجد حالياً تاريخ متوقع لإنجازه.
بغض النظر عمن سيحتل القمة بعد ذلك، يقول برينر إن الجسور المعلقة المستقبلية التي ستحاول الامتداد لمسافات أطول قد تحتاج إلى تصميم جديد للحد من تعرضها لعوامل الخطر مثل الرياح.
ويضيف قائلاً: «ربما بدأ المهندسون في الاقتراب من الحدود القصوى لطول الجسر المعلق التقليدي، مثل تصميم جسر جناق قلعة 1915 وجسر البوابة الذهبية والجسور المعلقة الأخرى». ومع ذلك، يشير برينر إلى أن العديد من المهندسين يدرسون الأشكال والتصاميم الهيكلية المعدلة.
ويقول برينر إن ما يُسمى "التصميم الهجين" هو أحد البدائل المطروحة على الطاولة، ويهدف إلى الجمع بين أنواع الجسور المعلقة والجسور المُدعمة بالكابلات. مثل هذا الحل أكثر استقراراً من نمط الجسر المعلق كلياً، ويمكن أن يكون الحل لبناء جسور أطول في المستقبل.