قد يحدث أحياناً أن نلتقي شخصاً ما أو نراه عن بُعد أو نقرأ عنه، فيكون مرور هذا الشخص في حياتنا مختلفاً عن مرور الآخرين، ويكون تأثيره كبيراً جداً، مثل انعطاف جذري في الحياة تنبثق منه ملامح حياة جديدة أكثر نجاحاً وقوة. إن مثل هؤلاء الأشخاص هم ملهمون، وتجاربهم وقصص نجاحهم والصعوبات التي واجهتهم لا بُدّ وأن تحفّزنا وتغيّر فينا الكثير.
مِن هؤلاء من يسعى أساساً لتغيير حياة الناس والحفاظ على حياتهم في المقام الأول. ومِن بين هؤلاء نساءٌ تتسع قلوبهن للجميع، ممن سخرنّ العلم والقوة واللطف ليساعدن المرضى الذين هم بأمس الحاجة إلى المساعدة والحنان. ومِن هؤلاء، إليكم تجربة الأستاذة عائشة الملا رئيسة جمعية أصدقاء مرضى السرطان الرائدة في العمل الإنساني، وهي منظمة غير ربحية تأسست عام 1999، بتوجيه ورعاية سمو الشيخة جواهر بنت محمد حرم حاكم إمارة الشارقة، والتي تأخذ على عاتقها مهمة مساعدة مرضى السرطان وعائلاتهم للتغلب على العديد من التحديات.
إليكم الأسئلة التي طرحناها على السيدة عائشة عن كيفية وصولها إلى ما وصلت إليه اليوم، وآراءها عن تمكين المرأة في العلم والعمل الإنساني، والتحديات التي واجهتها، وأجوبتها الكافية والوافية.
اقرأ أيضاً: القصة الملهمة لرائدة الفضاء العربية الأولى والوحيدة نورا المطروشي
لماذا اخترتِ مجال العمل الإنساني وما الذي تسعين إلى تحقيقه في حياتك المهنية كمديرة جمعية أصدقاء مرضى السرطان؟
السبب الرئيسي وراء اختياري مجال العمل الإنساني هو رغبتي وطموحي في إحداث الفرق في المجتمع لرسم مسار مختلف. وقد استلهمت رسالة العطاء ممن سبقني من القيادات وبالأخص القيادات النسائية، وكانت أسرتي ولا تزال الداعم الأكبر ومصدر إلهامي أيضاً لمسيرتي في المجال الإنساني، فقد تعلمت منها روح العطاء منذ الصغر.
كوني اليوم مديرة جمعية أصدقاء مرضى السرطان، فإن عملي يتركز بشكلٍ كبير على توجيه فريق العمل، والتأكد من إنجاز المهام والمشاريع التي تتماشى مع رؤية قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، والتي تتماشى مع رسالة وأهداف الجمعية في تلقي جميع مرضى السرطان العلاج والرعاية كونهم أولويتنا.
اقرأ أيضاً: «المرأة سند للوطن»: مرحباً بيوم المرأة الإماراتية
هل أسهمت دراستك العلمية السابقة في الكليات التقنية العليا في وصولك إلى ما وصلتِ إليه اليوم؟
بالتأكيد، دراستي كانت عنصراً أساسياً في وصولي إلى منصبي اليوم. بالنسبة لدراستي، تخصصت في بكالوريوس المالية، ولكني وضعت لنفسي أيضاً قيماً التزمت بها، وكنت دائماً أردد مع نفسي بأني أريد إحداث الفرق حتى خلال مسيرة دراستي.
ولم أكن أعلم كيف يمكنني الوصول إلى هذا الحلم والهدف، حتى جاءتني الفرصة خلال مرحلة الدراسة بدعوة من المدربة المهنية في الكلية، وذلك للانضمام إلى برنامج "ذاتي للقيادة" الذي يديره مركز ريادة للتدريب التابع لمكتب سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، حيث تم اختياري مع آخرين في الدفعة الأولى من البرنامج وتدريبنا لنكون قادة للمستقبل.
اقرأ أيضاً: دروس من التاريخ: هكذا أسهم تعاون الحكومات في احتواء الأمراض
ما الموضوع العلمي خارج مجال التوعية بالسرطان الذي تعتقدين أنه يجب أن يحظى بمزيدٍ من الاهتمام والتوعية به في المجتمع؟
نحن نرى اليوم أن هناك توعية إيجابية في المجتمع عن أنواع مرض السرطان كافة وأهمية إجراء الفحوصات المبكرة التي تسهم في النجاة من مرض السرطان مقارنة بالأعوام السابقة، ولكن ينبغي التركيز أيضاً على أهمية استمرارية البحوث العلمية المتعلقة بأنواع أمراض السرطان كافة، وتمكين علماء الوطن لتحويل بحوثهم ونتائجهم العلمية المعرفية إلى واقع عملي يعزز مسيرة الدولة إلى المستقبل، وذلك من خلال تبني التقنيات الحديثة والعلوم المتقدمة التي تسهم أيضاً في إيجاد أفضل الحلول، بالإضافة إلى توفير علاجات متقدمة تسهم في تخطي مرض السرطان خاصة إذا كان المرض في مراحله المتأخرة.
برأيك، ما الذي يجب فعله لزيادة عدد النساء الرائدات سواء في العمل الإنساني أو المجال العلمي بشكلٍ عام؟
أدّت المرأة دوراً أساسياً في نهضة المجتمعات القديمة والحديثة، وأثبتت من خلال هذا الدور قدرتها على إحداث التغيير الإيجابي في المجتمعات كافة، فحضورها لافت في مختلف جوانب الحياة، وهي عنصر أساسي في إحداث عملية التغيير في المجتمع، كما أنها تسهم في بث التأثيرات الإيجابية التي تطرأ على المجتمع.
ولذلك، يجب علينا تمكين المرأة وتعزيز دورها القيادي سواء في العمل الإنساني أو في المجال العلمي بشكلٍ عام، واستثمار طاقتها وقدرتها، فالمرأة هي نصف المجتمع، ويجب تعزيز مكانتها من خلال توفير الموارد والقدرات التدريبية اللازمة، التي تسهم في تطوير قدراتها وتعزز مكانتها بهدف تحقيق الإنجازات في هذا المجال.
اقرأ أيضاً: هذه الأشياء يمكنك التبرع بها لمراكز الرعاية الصحية والمستشفيات
ما أكبر العقبات التي كان عليك التغلب عليها للوصول إلى ما وصلت إليه وهل تشعرين أن هذه العقبات ربما كانت أسهل أو أصعب لو لم تكوني امرأة؟
في كل مسيرة عمل مهنية، لا بُدّ من مواجهة عدة صعوبات وعقبات للوصول إلى هذا المنصب القيادي. ويمكن القول إن المجال الإنساني يعد عموماً مجالاً مليئاً بالتغييرات والتحديات والصعوبات، لكني استطعت أن أثبت قدرتي على التعامل مع هذه المواقف الصعبة بحزم.
ولكن وبما أني امرأة إماراتية تعيش في دولة الإمارات، لم أواجه صعوبات من ناحية أنني امرأة، بل على العكس تماماً، فدولة الإمارات تدعم المرأة في ميدان العمل، وتمتلك المرأة الإماراتية حقوقاً متساوية مع الرجل، كما تؤدي المرأة الإماراتية أدواراً كثيرة في الدولة سواءً في القطاعين الخاص والحكومي، بما يخص مناصب المديرات ورائدات الأعمال والمشاريع.
في الواقع، ثمة أكثر من 21 ألف امرأة إماراتية صاحبة عمل في الإمارات، وقد وفّرت الدولة مقومات الحياة الكريمة والآمنة والرفاه الاجتماعي بأسس عالية الجودة. بالإضافة إلى ذلك، فقد عززت الدولة مكانة المرأة الإماراتية أيضاً في المحافل الإقليمية والدولية، واليوم تعد دولة الإمارات في مصاف الدول الأكثر تقدماً في مجال تمكين المرأة وريادتها.
اقرأ أيضاً: الصور النمطية تصف الرجال بالذكاء وتكبح النساء
هل من نصائح تودين توجيهها للنساء اللواتي يطمحن للعمل في مجال العمل الإنساني؟
رسالتي للنساء اللواتي يطمحن للعمل في المجال الإنساني هو تشجيعهن وتحفيزهن لدخول هذا المجال. فالمرأة تمتلك اليوم الدعم والتشجيع لاكتساب الخبرات المهنية والمعرفة الفنية والمهارات القيادية لتكون قادرة على إدارة هذا القطاع. وعلى الرغم من أن هذا المجال يعد في حد ذاته مجالاً مليئاً بالتحديات، لكنني أعتقد أن الكثير من النساء يملكن اليوم الفرص الملائمة للتقدم والنمو واكتساب ما يلزم من مهارات للتغلب على المصاعب والتحديات التي قد يواجهنها أثناء عملهن ضمن المجال الإنساني.
ختاماً، نتمنى كل التوفيق لجمعية أصدقاء مرضى السرطان والسيدة عائشة الملا في رسالتها النبيلة، وكل التوفيق والامتنان لكل شخص ومنظمة ربحية أو غير ربحية تحاول إحداث الفرق في حياة الناس وتحسين مستقبلهم نحو الأفضل.