انتقل فيروس كورونا من الصين لينتشر في أكثر من 200 دولة عبر العالم في غضون بضعة أشهر فقط، وتسبب في وفاة أكثر من نصف مليون شخص. يدّعي البعض أن جائحة كورونا هي بمثابة جرس يُنذر بنهاية حقبة العولمة، ولكنه في الواقع، يكشف عن حجم المشاكل الكبيرة التي يمكن أن تحدث عندما تتصرف الدول بمفردها.
التقصي عن الإجراءات الصحيحة والخاطئة في الاستجابة لجائحة كورونا عالمياً ربما يساعدنا في التخفيف من أثر أزمةٍ عالمية قادمة، والاستعداد لها؛ وهي التغير المناخي.
في الواقع، لقد تصرفت معظم الحكومات بشكلٍ مستقلٍ عن بعضها البعض في التصدي لجائحة فيروس كورونا، ولم يكن هناك أي انسجام فيما بينها. وكما هو الحال في الجهود العالمية في صدد التغير المناخي، كانت استجابة الدول للأزمة الصحية ظرفية وجزئية وغير معدّ لها، وفي كثيرٍ من الحالات غير فعّالة إلى حدٍ كبير.
ركّزت أبحاثي الأخيرة كباحث أعمالٍ دولي على إيجاد الخيوط المشتركة للثقافات الوطنية. لقد أظهرت أبحاثي أن لدى الناس حول العالم العديد من الاحتياجات والتطلعات المشتركة، مثل الصحة الجيدة والتعليم والعمل. في الواقع، يمكن تحقيق هذه التطلعات بأفضل ما يمكن عندما يعمل قادة العلم بعقلية تتجاوز حدود الدول، وليس من خلال عقلية محدودة بالحدود الوطنية.
لذلك دعونا نلقي نظرة على الدروس التي استفاد منها العالم من جائحة فيروس كورونا، وكيف يمكن أن يساعد ذلك الجهد العالمي للحد من تغير المناخ؟
الانقسام يعني الموت
في أعقاب تفشي فيروس كورونا في الصين، فرضت العديد من البلدان حظر السفر من جانب واحد على الوافدين الصينيين، وذلك ضد نصيحة منظمة الصحة العالمية.
يعكس إجراء الحظر استجابة العديد من الدول خلال وباء إيبولا في غرب أفريقيا الذي ظهر عام 2013. أظهرت الأبحاث أن القيود المفروضة على السفر والتجارة كان أمراً محبطاً للدول، ودفعها للامتناع عن الإبلاغ عن تفشي المرض.
هناك شكوك وأسئلة مشروعة بلا شك حول تقارير الصين حول تفشي فيروس كورونا. ومع ذلك، فإن حظر السفر ربما دفع الصين لتكون أكثر دفاعية وأقل رغبة في مشاركة المعلومات المهمة مع بقية دول العالم.
كما كشف نقص الإمدادات الحيوية عن مشاكل كبيرة في التعاون الدولي. على سبيل المثال، حظرت فرنسا وألمانيا تصدير المعدات الطبية مثل أقنعة الوجه، واتهمت الولايات المتحدة باعتراض شحنة من الإمدادات الطبية كانت في طريقها إلى ألمانيا.
بالمقابل، حين تعاونت دول العالم لوقف انتشار فيروس كورونا، كانت الفوائد واضحة. لقد ساعد التعاون علماء الصحة العالميين على تحديد التسلسل الجيني للفيروس الذي سمح بتنميته في المختبر، وإجراء الدراسات عليه.
وبالمثل فيما يتعلق بالتغير المناخي، فإن توحيد الجهود الدولية مطلوب إذا أراد العالم أن يُبقي ارتفاع درجة الحرارة أقل من درجتين مئويتين خلال هذا القرن. لكن اجتماعات المناخ الدولية غالباً ما تنتهي بالكثير من الانقسام والإحباط. وفي الوقت نفسه، ترتفع نسبة الانبعاثات العالمية لتصل إلى مستوياتٍ غير مسبوقة.
أثر الفراشة
قد يظن شخصٌ ما يمارس التباعد الاجتماعي أثناء الوباء أن تأثير ما يفعله ضئيل. لكن في الواقع فيروس كورونا مُعدٍ جداً، ويمكن لشخصٍ واحد أن ينقل الفيروس إلى 59 ألف شخص في نهاية المطاف؛ حسب التقديرات.
وبالمثل تماماً، تسعى العديد من البلدان إلى تجنب تحمّل المسؤولية عن اتخاذ إجراءاتٍ مناخية من خلال الادعاء بأن مساهمتها في هذه المشكلة العالمية صغيرة. على سبيل المثال، تقول الحكومة الأسترالية مراراً إلى أنها لا تساهم سوى بنسبة 1.3% فقط من إجمالي الانبعاثات في العالم فقط.
ولكن عند حساب الانبعاثات على مستوى الفرد، يتبين أن استراليا واحدة من أعلى الدول التي تتسبب بالانبعاثات في العالم. وكدولةٍ غنية ومتقدمة، يجب أن تكون قدوة للدول الفقيرة في إجراءات خفض الانبعاثات. لذلك ستكون للإجراءات التي تتخذها دولة مثل أستراليا أثر كبيرٍ عالمياً.
التصرف بسرعة
في الشهرين اللذين استغرقهما فيروس كورونا لينتشر من الصين ويصبح جائحة عالمية، كان بإمكان العديد من الدول الاستعداد له من خلال تجهيز مجموعات الاختبار وأجهزة التنفس الصناعي، ومعدات الحماية الشخصية. لكن وللأسف لم تستعد له دول العالم بشكلٍ كافٍ. على سبيل المثال، كانت استجابة الولايات المتحدة بطيئة جداً في إجراء اختباراتٍ واسعة النطاق، ولم تعلن اليابان حالة الطوارئ على الصعيد الوطني حتى منتصف شهر أبريل/ نيسان.
بالطبع كان أمام العالم وقتٌ أطول بكثير للتحضّر لمواجهة التغير المناخي والتخفيف من آثاره. فالفاصل الزمني بين حدوث الانبعاثات وعواقبها سنوات بل قرون. لقد كانت هناك فرصةٌ كبيرة لاتخاذ إجراءات تصحيحية تدريجية ومدروسة لمواجهة ضد تغير المناخ. لكن بدلاً من ذلك، قوبلت الأزمة بالغرور والغطرسة.
وكما أظهرت تجربتنا مع فيروس كورونا؛ فكلما تأخرنا في العمل كانت العواقب أوسع نطاقاً ومكلفة وقاتلة. وبالمثل في قضية التغير المناخي.
التحديات المقبلة
كما هو مُلاحظ، يوجد في إيطاليا مورّد رئيسي للمسحات المُستخدمة في الاختبارات الخاصة بالكشف عن فيروس كورونا، بينما يوجد في ألمانيا مورّد أساسي للمواد الكيميائية اللازمة لهذه الاختبارات. وتعتمد العديد من الدول على استيراد أجهزة التنفس الصناعي من الدول الأخرى، بينما تقول شركة هندية -أكبر شركةٍ مصنعة للقاحات في العالم- أنه بمجرّد أن يصبح لقاح فيروس كورونا جاهزاً للإنتاج بكمياتٍ ضخمة، فإنها ستصدره لباقي دول العالم بأسعار رخيصة.
من الواضح أن التعاون الدولي أمر بالغ الأهمية لإجراء اختبارات وعلاج جماعي فعّال للفيروس. لذا يجب أن تعمل الدول معاً لتحسين إنتاج وتوزيع الموارد وتقاسمها.
وبالمثل، فإن معالجة الانكماش الاقتصادي العالمي يتطلب تعاوناً مشتركاً بين الدول. في الواقع، سيكون الانتعاش الاقتصادي على الصعيد العالمي بطيئاً وطويلاً إذا تبنّت الدول عقلية الانعزال ووضعت العوائق والحواجز لحماية اقتصادها.
إن العمل المشترك لمواجهة الأزمات العالمية، سواء كانت صحية أو بيئية، هو أفضل طريقةٍ لضمان صحة وسلامة ورفاهية البشرية.