شاشاتٌ في كلّ مكان، حتّى في أيدينا. يلاحظ الأطفال شغفنا ومقدار الوقت الذي نقضيه نحن البالغين وراء شاشات هواتفنا الذكية، لذلك يريدون دون وعيٍ منهم أن يكونوا جزءاً منها لإثارة اهتمامنا.
يرانا الأطفال دائماً متصلين بالانترنت ومشغولين بالبحث عن المعلومات التي نحتاجها. لذلك من الطبيعي أن يميلوا لنسخ هذا السلوك في ألعابهم والتدرّب على ما يعتبرونه «تصرّفات الكبار».
عموماً، معظمنا لديه آراءٌ حول الأطفال وعلاقتهم بالتكنولوجيا الحديثة، وتعرض وسائل الإعلام بانتظامٍ فوائد استخدام التكنولوجيا في التعليم وأحياناً تنشر أخباراً فظيعةً عن مدى الضرر الذي تتسبب به للأطفال. إلا أنّ بحثي الذي أعرضه هنا يأخذ منهجاً مختلفاً في مقاربة تأثير التكنولوجيا على سلوكيات الأطفال.
فبدلاً من دراسة تعرّض الأطفال للشاشات في حدّ ذاتها، قمت بدراسة الطريقة التي يلعبون بها بالأجهزة التالفة والقديمة، مثل قبضات الهاتف التالفة أو أجهزة الكمبيوتر المحمولة القديمة المُعطّلة أو الذي لا فائدة من استخدامه.
تحتوي العديد من مراكز تعليم الأطفال في المراحل الأولى من عمرهم -الروضة- على أماكن لعبٍ صنعت لتحاكي المواقف في حياة البالغين اليومية. مثل «ركن المنزل» الذي يحتوي على معدّات المطبخ، حالاتٍ أخرى، مثل المكاتب أو صالون الحلاقة أو عيادة الطبيب أو المطعم. أيضاً توجد أماكن في هذه المراكز التعليمية يُسمح فيها للأطفال باللعب بالهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر أو الآيباد وغيرها من الأجهزة الإلكترونية الأخرى.
راقبت صفوفٍ تحوي أطفالاً بعمر 4-5 سنوات في مركزين للتعليم المبكر أثناء لعبهم التخيلي بالأجهزة الإلكترونية لمعرفة كيفية استخدامهم لها.
هواة الفيسبوك
أظهر الأطفال بعض السلوكيات الرائعة والمذهلة. على سبيل المثال، التقطت «مادي» البالغة من العمر 4سنوات صورةً لمعلمتها وهي ترقص، وقالت أنها ستنشرها على الفيسبوك. كانت تعلم كيف وماذا يعني نشر صورةٍ على الفيسبوك رغم أنها لم تقم بذلك بنفسها من قيل ولم تشاهد سوى والدتها تقوم بذلك فقط.
وصنع «جاك» البالغ من العمر 4 سنوات «كاميرا فيديو» من صناديقٍ من الورق المقوى وتظاهر بتصوير أطفالٍ آخرين. حتى أن الكاميرا «الافتراضية» احتوت على شاشةٍ يمكنه من خلالها مراجعة اللقطات التي التقطها. وقد أخبرتني معلمةٌ أخرى أن طفلها البالغ من العمر عامين يعرف الفرق بين هاتف عملها وهاتفها الشخصي، ويستخدم صوتاً مختلفاً بينما يتظاهر بالتحدث في كلٍّ منهما.
في بحثي، على الأطفال أن يضعو الهواتف في جيوبهم أو حقائبهم قبل الخروج في استراحة للعب، وقد علّق أحد الأطفال على ذلك بقوله: «لا أستطيع الخروج بدون هاتفي!».
الممارسة والتظاهر
يتصرف الأطفال غالباً أثناء اللعب التخيلي بمستوىً أعلى من المهارات الجديدة. لقد رأى الأطفال في دراستي البالغين يقومون بأشياء «بالغة» بأجهزتهم، وأرادوا تكرارها وتقليدها في مواقف اللعب الخاصة بهم.
يمكن لمعلمي الطفولة المبكرة استخدام هذا النوع من اللعب لمساعدة الأطفال على فهم المبادئ والمواقف المعقدة. على سبيل المثال، لاحظتُ أطفال ما قبل المدرسة يتصارعون في الحلبة الرملية، وسمعتهم يناقشون الأشعة السينية وكيف تلتقط صوراً للعظام المكسورة، كما عرض بعضهم كيفية رعاية دميةٍ للتمرّن على التفاعل مع شقيقٍ قادمٍ جديد.
التقنيات لا تختلف. يمكن لأولياء الأمور والمعلمين استخدام أسلوب التظاهر باستخدام التقنيات لتعليم الأطفال دروساً مفيدة في الحياة، مثل كيفية التعامل بشكلٍ مناسب مع الهواتف المحمولة، وما هو الوقت المناسب لاستخدامها.
في المثال السابق الذي قامت فيه «مادي» بالتقاط صورةٍ لمعلمتها، يمكن للمعلّمة النقاش معها حول طلب الإذن من شخصٍ ما قبل التقاط صورةٍ أو مقطع فيديو له ونشره على الفيسبوك، يمكن طرح أسئلة من قبيل «كيف سيكون شعورك إذا قام شخص ما بالتقاط فيديو لك وأنت ترقص ثم نشره على الفيسبوك» بدلاً من إعطاء الفكرة مباشرةً.
عندما كان الأطفال يلعبون في ركن المطعم، قال أحد الأطفال: «ممنوع استخدام الهواتف على الطاولة». ثم أخبر الأطفال الآخرين أنّه لا بأس باستخدام الهاتف إن كان هناك مكالمةٌ مهمة للغاية، أو البحث عن شيءٍ يخص ما تناقشه المجموعة. بهذه الطريقة، أظهر الأطفال فهمهم لأهمية التفاعلات الاجتماعية.
لا يمكن للمعلمين تعليم الأطفال من خلال اللعب فحسب، بل يمكنهم أيضاً صياغة السلوك المناسب باستخدام التقنيات. فمن خلال سؤال الأطفال عن إذا كان من المقبول التقاط صورة أو مقطع فيديو لهم، ثم عرض الصورة على الطفل قبل مشاركتها مع الآخرين، وإظهار الاهتمام وعدم النظر إلى شاشة الهاتف المحمول عندما يتحدث الطفل، بذلك، يمكننا أن نظهر للأطفال أننا نحترمهم وتتصرف بمعايير أخلاقية تجاههم.
لذا قبل أن ترمي الكمبيوتر المحمول المعطّل أو هاتفك المحمول القديم، فكّر في التبرع به لمركز الطفولة المبكرة المحلي أو إذا كان لديك أطفال في منزلك ، فامنحه لهم لاستخدامه كلعبة. قد تفاجأ بما سوف يتعلّموه منه.