حقق فيلم «جوراسيك وورلد» نجاحاً باهراً. فقد أصبح الإصدار الرابع من سلسلة «جوراسيك بارك» أول فيلم تصل عائداته أكثر من 500 مليون دولار خلال أول عطلة أسبوعية يُعرض فيها (سجل فيلم «هاري بوتر آند ذا ديثلي هالوز» الرقم القياسي الأسبق بـ 487 مليون دولار في 2011). هذا النجاح ربما سيستمر، إذ أن تصنيفات المشاهدين والنقاد على موقع «روتن توماتوز» تتجاوز 70%، وهو تصنيف جيد في الوقت الذي يمتلك فيه رواد الأفلام الأكثر انتقاداً العديد من الأفلام الصيفية المليئة بتطبيقات تقنية «سي جي آي» ليختاروا منها.
مع ذلك، هناك مجموعة واحدة يبدو أفرادها مصممون على انتقاد الفيلم، وهم علماء الحفريات. كانت آراء بعضهم إيجابية، بينما كانت آراء البعض الآخر حيادية، لكن الأغلبية الساحقة منهم غير راضين عن الفيلم، وألّف العديد منهم مقالات عناوينها على شاكلة «علماء الحفريات يهاجمون جوراسيك وورلد».
أعتقد أن الموضوع يجذب القراء. ولكنه يجعل علماء الحفريات «متذمرين»، يهاجمون فيلماً بسبب بعض الأخطاء المتعلقة بالديناصورات، مثل: الطيور الجارحة تمسك يديها بشكل خاطئ، الموزاصور أكبر من اللازم، ديناصور «تي ريكس» الضخم يتحرك بسرعة كبيرة، تشبه ألوان الديناصورات ألوان التماسيح بدلاً من الطيور، وغيرها من الملاحظات.
يكمن التناقض في أن علماء الحفريات هم من أكثر الأشخاص الذين التقيت بهم في حياتي سعادة ومرحاً وحماساً. فهم يدرسون أروع وأدهش المخلوقات التي عاشت على الأرض منذ 4.5 مليار سنة. نحن نحب الديناصورات ونحب الحديث عنها، ونستمتع عندما نستطيع مشاركة شغفنا بها مع الآخرين. [المترجم: يتحدث كاتب المقال بصيغة الجماعة لأنه عالم حفريات أيضاً].
أثر جوراسيك بارك
شخصياً، أعتقد أن فيلم «جوراسيك وورلد» يفيد مجال دراستي كثيراً. شاهدت الفيلم مؤخراً وأعجبني. هو بالفعل فيلم خيال علمي جيد. كنت قادراً على تجاهل دماغ عالم الحفريات خاصتي لبضعة ساعات، نسيان العيوب العلمية، والاستمتاع بوقتي.
ظللت أفكر في أول مرة شاهدت فيها فيلم جوراسيك بارك الأصلي منذ 22 سنة. كنت أبلغ من العمر 9 سنوات حينها، أستمتع بوقتي خلال صيف رطب في وسط غرب الولايات المتحدة الأميركية، وأقضي أياماً طويلة في لعب البيسبول مع أصدقائي في الحارة. لم أكن أهتم كثيراً بالعلم. ولم أفضّل حصة العلوم في المدرسة كثيراً، لكن أتذكر أنني اندهشت برؤية الديناصورات في جوراسيك بارك. ولم أصبح مهووساً بها مباشرة، إذ حصل ذلك بعد 5 سنوات. تم تصوير هذا الفيلم بطريقة مدهشة، حيث أعاد إحياء العلوم بشكل لم ينجح بها أي كتاب أو متحف، أو صف مدرسي من قبل.
بالنسبة لصغار السن في يومنا هذا، سيمثل فيلم جوراسيك وورلد مَعْلماً ثقافياً، تماماً كما حدث لي منذ 22 سنة. إذ سيجعل الناس يتحدثون عن الديناصورات، ويفكرون ويقرأون ويبحثون ويسألون أساتذتهم عنها، وربما يذهبون لرؤيتها في المتاحف. بالنسبة لي، أي شيء يجعل الناس يفكرون بالعالم حولهم، وبتاريخ كوكبنا الطويل، وبعلاقة الإنسان الطبيعة هو شيء جيد.
جوراسيك بارك والعلم
يمكن أن يكون لأفلام مثل جوراسيك وورلد تأثير كبير على العلم والعلماء. على الأرجح كان أول فيلم من هذه السلسلة هو أهم شيء حدث لعلم الحفريات خلال النصف قرن الماضي. فقد ألهم عدداً كبيراً من الناس لدراسة الديناصورات. سيقول العديد من علماء الحفريات الذين تنحصر أعمارهم بين 25 - 35 سنة أن جوراسيك بارك هو سبب اختيارهم لحياتهم المهنية. وهذا الكلام سينطبق بالتأكيد على جوراسيك وورلد، وقد يزيد من اختيار الناس لمهن في العلوم الأخرى أيضاً. قد يكون الشخص الذي سيجد علاجاً لمرض الإيدز، أو الذي سيكتشف نوعاً جديداً من الطاقة المتجددة، أو الذي سيحل مشكلة الجوع في العالم؛ قد اختار مهنة في العلم بسبب جوراسيك وورلد.
أول فيلم من السلسلة دفع المتاحف والجامعات لتوظيف خبراء في الديناصورات، وحفّز تمويل عدد هائل من الأبحاث في علم الحفريات. خُصصت حتى بعض عائداته لتمويل الأبحاث العلمية، وذلك عن طريق «ذا داينوصور سوساييتي» و«ذا جوراسيك فاونديشن». هذه الأخيرة لا زالت تعمل ليومنا هذا، وموّلت مشروعين لي عندما كنت طالباً، أولهما هو رحلة للصين لوصف «المونولوفوصور» آكل اللحوم، والآخر هو عمل ميداني في البرتغال بهدف التنقيب عن الميتوبوصور الملقّب بـ «السمندر الفائق». ربما لم تكن مسيرتي المهنية لتبدأ دون هذه المنح. فإذا كان أي من المسؤولين في شركة «يونيفيرسال» أو «أمبلن» يقرأون هذا المقال، أتمنى حقاً أن تخصص كمية قليلة من عائدات فيلم جوراسيك وورلد الهائلة للأبحاث العلمية.
الأفلام والدقة العلمية
بالطبع، إن بعض الأخطاء العلمية في فيلم جوراسيك وورلد مزعجة قليلاً. أتمنى لو كانت الديناصورات يكسوها الريش مثلاً. إذ نعلم أنه هذا سيكون الحال من بعض المستحثات المحفوظة. لكن هذا الفيلم ليس فيلماً وثائقياً علمياً، ولا يجب علينا أن نتوقع أن يكون كذلك (على عكس الوثائقي الجديد تشريح «تي ريكس» الذي انخرطت فيه.
هدف الأفلام هي للتسلية. وصناع جوراسيك وورلد وضحوا بشكلٍ جيد أن الديناصورات التي توجد في الفيلم هي وحوش مختلفة عن أنها كائنات عاشت فعلاً في العصر الجوراسي. شرير الفيلم، «إندومينوس ريكس»، هو خليط جيني بين التيرانوصور والفيلوسيرابتور وغيرهما. والحديث عن الدقة العلمية في تصميم هذا المخلوق يشبه تحدّث خبير في الخفافيش عن تشريح باتمان والميكانيكا الحيوية خاصته.
سؤال للزملاء الذين أزعجتهم الأخطاء العلمية: هل يهم فعلاً أن العديد من الأشخاص سيظنّون أن الديناصورات كانت أكبر قليلاً، أو لها أسنان أكبر، أو تكسوها الحراشف مقارنة بالديناصورات الحقيقية؟ هل فعلاً يهم أن فيلم جوراسيك بارك أظهر «تي ريكس» يركض بسرعات عالية، أو فيلوسيرابتور أكبر من الحقيقة؟ بالنسبة للذين يدرسون الديناصورات كمهنة، فهذه الأخطاء مهمة فعلاً، لا بل مصيرية. ومن وجهة نظر أعم، فليس لها أي أهمية. عندما يستطيع فيلم أن يلهم ويسلّي الناس بنفس الوقت، لدرجة أنه قد يغير حياتهم، فسأقول: أصدروا الجزء الثاني.