حادث تشيرنوبل: أسوأ كارثة نووية شهدها العالم على الإطلاق

3 دقائق

في يوم 7 يوليو/تموز عام 1986، عُقدت محاكمة بالقرب من محطة تشيرنوبل للطاقة النووية، لمعاقبة 6 أسماء تورطت في حادث انفجار مفاعل تشيرنوبل المروع، فقد كانوا مسؤولين عن إدارة المحطة وقتها، وهم: فيكتور بريوخانوف ونيقولاي فومين وأناتولي دياتلوف ويوري لاوشكين وبوريس روغوجكين وألكسندر كوفالينكو، وانتهت المحاكمة بالحكم على الأسماء الثلاثة الأولى بالسجن لمدة 10 سنوات، والسجن لمدة أقل للثلاثة الآخرين. 

قبل ذلك بشهرين تقريباً 

في الساعة الواحدة و23 دقيقة صباح يوم 26 أبريل/نيسان 1986، بدأت سلسلة من الانفجارات المرعبة أضاءت سماء مدينة بريبيات إثر انفجار المفاعل النووي رقم 4 في محطة تشيرنوبل للطاقة النووية، الواقعة في شمال مدينة "كييف" عاصمة أوكرانيا على بُعد 130 كيلو متراً تقريباً منها، ما أدى إلى إطلاق نحو 5% من المواد المشعة في البيئة، فضلاً عن إزهاق عدد كبير من الأرواح وإصابة آلاف الضحايا، وما زالت البيئة تعاني حتى يومنا هذا من آثار هذا الإنفجار. 

اقرأ أيضاً: لماذا نجت النباتات من كارثة تشيرنوبل؟

لماذا ترك حادث تشيرنوبل بصمة واضحة في تاريخ البشرية؟

لم يكن تشيرنوبل مجرد حادث عابر، لقد خلّف الكثير من الخسائر الفادحة التي ما يزال البشر يدفعون ثمنها اليوم، منها: 

التسرب الإشعاعي 

إنّ تأثير العناصر المشعة على الجسم البشري أو البيئة عموماً خطير للغاية، فقد يؤدي التعرض لجرعات منخفضة إلى تلف الحمض النووي، ويصبح الشخص أكثر عرضة لأورام السرطان وأمراض أخرى خطيرة. وتعتمد شدة ونوع المرض على عدة عوامل، منها: مقدار الإشعاع والأنسجة المعرضة للإشعاع ومدة الإشعاع وطريقة التعرض للإشعاع (تناول طعام ملوث بالمواد المشعة أو استنشاق الهواء الحامل للعناصر المشعة أو لمس سطح ملوث بعناصر مشعة).

أما أثناء الحادث، فقد تسببت التفجيرات في إصابة عدد من عمال المحطة بمرض "متلازمة الإشعاع الحادة"، واستطاع رجال الإطفاء السيطرة على الحريق الأولي في الساعة الخامسة صباحاً، لكن استمر الحريق الناتج عن وقود الجرافيت لعشرة أيام. 

أدى هذا الحادث إلى انبعاث الإشعاعات من المفاعل النووي رقم 4، وكانت أغلب هذه الإشعاعات صادرة عن انشطار (اليود-131، السيزيوم-134، السيزيوم-137). ولكل منها زمن عمر نصف مختلف. مثلاً:

  • زمن عمر النصف لليود-131 يعادل 8 أيام، وينتقل عبر الهواء حتى يستقر في الغدة الدرقية
  • زمن عمر النصف للسيزيوم ونظائره أطول. على سبيل المثال، زمن عمر النصف للسيزيوم- 137، يبلغ 30 عاماً، ما جعله مصدراً للخطر على المدى الطويل. 

وفي يوم 27 أبريل/نيسان 1986، أصدرت السلطات أمراً بإخلاء مدينة بريبيات، لكن لسوء الحظ، لقد اشتكى السكان من بعض الأعراض، مثل: القيء أو الصداع وغيرهما من أعراض الأمراض الإشعاعية. وبحلول 14 مايو/أيار من نفس العام، تم إخلاء 116 ألفاً من السكان. وأُغلقت المنطقة حول المفاعل بمحيط يبلغ 29 كيلومتراً تقريباً. 

المشكلات الصحية 

تتابعت خسائر الكارثة الصحية كما يلي:

  • خلال الأشهر الأربعة الأولى، تُوفي نحو 28 فرداً من العاملين في محطة تشيرنوبل.
  • بعد مرور 3 أشهر توفي 31 شخصاً، بسبب التعرض للإشعاعات النووية. 
  • بين عامي 1991 و2015، تم تشخيص نحو 20 ألف حالة إصابة بسرطان الغدة الدرقية للأشخاص الذين كانت تقل أعمارهم عن 18 عاماً في 1986. 
  • نصح الأطباء النساء الحوامل بإجراء إجهاض، تجنباً لولادة أطفال مشوهين. 

التأثيرات البيئية 

لا شك في أنّ إطلاق مواد مشعة في البيئة سيعود بنتائج سلبية، وهذا ما حدث بعد كارثة تشيرنوبل، فقد تأثرت الغابات المحيطة بمنطقة المفاعل وماتت الأشجار، وعُرفت المنطقة بعد ذلك بـ "الغابة الحمراء"، بسبب تحوّل لون الأشجار الميتة إلى لون الزنجبيل اللامع. بعد ذلك، تم دفن الأشجار في الخنادق، تجنباً لأضرار الإشعاع. 

وانتقل التلوث إلى الأراضي الزراعية في المنطقة، ومنها إلى الماشية والطيور التي تتغذى على تلك النباتات، بعد ذلك إلى منتجات الماشية والطيور من ألبان وبيض ولحوم. لم يكن الخوف من العناصر ذات زمن عمر النصف القصيرة، وإنما من العناصر الأخرى ذات عمر النصف الطويل مثل السيزيوم.

وتراكمت العديد من رواسب المواد المشعة في المسطحات المائية القريبة من موقع الانفجار، ودخلت أجسام الأسماك، لكن من حسن الحظ أنّ المواد المشعة تترسب على العظام وليس في اللحم. 

اقرأ أيضاً: كيف تحمي نفسك من الإشعاع النووي؟

ما مصير مفاعلات تشيرنوبل؟ 

بعد الانفجار، وُضع المفاعل رقم 4 الذي سببّ الانفجار داخل تابوت خرساني، لمنع انطلاق بقية الإشعاعات التي بداخله. وفي نهاية 2017، وُضع التابوت بالمفاعل الذي فيه داخل هيكل آمن، يستطيع حفظ المفاعل ومنع إشعاعاته من التسرب لمائة عام. وفي عام 1991، أُغلق المفاعل رقم 2، وتبعه المفاعل رقم 1 في عام 1996. وفي ديسمبر 2000، تم إغلاق المفاعل رقم 3، وبذلك انتهى دور مفاعلات تشيرنوبل، لكن أثر هذا الحادث الأليم سيظل يلوح في الأفق، ليذكرنا بما حدث هناك في يوم من الأيام، ربما ليكون درساً للبشر. 

المحتوى محمي