تُعتبر قرارات السنة الجديدة التي يعدُ أصحابها أنفسهم بتحقيقها تقليداً قديماً في المجتمع الغربي، وتعلّق العديد من الشركات آمالاً عليها لتحسين عملها ودخلها؛ عن طريق إغراء الزبائن، وإعطائهم أملاً بتحقيق قراراتهم. فالأندية الرياضية المنتشرة في أرجاء الولايات المتحدة، تعتمد على انتساب الآلاف في بداية كلّ عام لها، لكّن معظمهم يفشلون في متابعة تدريباتهم الرياضية. يشترك في كلّ نادٍ من هذه النوادي نحو 6500 شخص؛ بالرغم من حقيقة أنّه لا يستوعب سوى 300 شخص فقط. تعتمد شركة «بلانت فيتنس» في اقناع الناس على أنّه لقاء تكلفةِ 10 دولارات شهرياً فإنك ستستمر بالتدريب بالتأكيد، وأنه بلا شكّ ستذهب في الأسبوع المقبل والأسبوع الذي يليه، لتحقّق غايتك في اكتساب اللياقة والجسم المثالي.
لكنك على الأرجح لن تستمر وستتوقّف عن الذهاب إلى الناددي الرياضي. يعدّ الحفاظ على اللياقة البدنية وفقدان الوزن من أكثر قرارات العام الجديد شيوعاً لدى الناس، ويعتمد كلاهما على إجراء تغييراتٍ يومية في نمط الحياة. هذا يعني مقاطعة عاداتك الروتينية الطبيعية واستبدالها بعاداتٍ جديدة. لسوء الحظ، يفشل البشر في كلا الأمرين.
ومن المفارقات، بالرغم من ذلك، من الصعب تغيير العادات تحديداً لأن أدمغتنا بارعةٌ جداً في التعوّد. في الحقيقة نحنُ مُصمَّمون على العمل آلياً، فنجد أنفسنا في العمل دون الحاجة إلى التفكير في الوصول إلى هناك، أو نذهب تلقائياً إلى الجدار بحثاً عن زرّ تشغيل الإضاءة عندما يحلّ الظلام. وهو السبب في أنّ معظم الحميات وخطط التدريب تفشل في النهاية. فبمجرّد أن تصبح العادة تلقائية، يصبح تغييرها أمراً صعباً للغاية.
ولكن يمكنك تسخير هذا الميل لتشكيل العادات لفائدتك؟ دعنا نتخّذ قراراً شائعًا -وهو الرغبة في اكتساب شكلٍ رياضي- ولنرى كيف يمكننا تحقيق هذا الهدف من خلال تطبيق ما نعرفه عن آليات عمل الدماغ.
تقييم الهدف وتجزئة الخطوات
الخطوة الأولى هي تحليل هدفنا المتمثّل في «الحصول على الشكل الرياضي»، بحيث يمكن تقسيم مراحل تنفيذه إلى أجزاءَ أصغر وأكثر قابلية للتحقيق. اختر خطوةً واحدةً من الممكن تحديدها بحيث تستطيع إنجازها بحلول نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول. مثلاً، الركّض لمسافة 8 كم، والسحب 10 مرّاتٍ على جهاز التعليق (تمرين العقلة)، وتمرين السكوات. صحيحٌ أن هذه التمارين صعبة، لكنّها واقعية. ثم قم بتنفيذها على مراحل للوصول لهذا الهدف.
خذ تمرين السكوات (رفع الأثقال من وضعية القرفصاء) كمثال. لنفترض أنك تعلم كيفية القيام بتمرين السكوات (إن لم تكن تعلم، استشر مدربك الشخصي، أو شاهد بعض مقاطع الفيديو التعليمية على اليوتيوب)، فستحتاج للذهاب للنادي 4 إلى 4 مرات أسبوعياً للقيام بالتمرين أخيراً. ستحتاج أيضاً إلى تناول ما يكفي من البروتين لتغذية نمو العضلات المطلوب، والذي يجب أن يكون بمعدّل حوالي جرام لكل رطل من وزن الجسم. يمكننا اختزال متطلبات البروتين عن طريق تناول شراب البروتين (المكثّفات بروتينية). ستتأصل العادات اليومية المرغوبة لديك بشكلٍ أسرع، لذلك دعنا نقول أنه بالإضافة لتناول مشروب البروتين، فإنك ستعتاد الذهاب إلى النادي للتمرين أو ستقوم بتمرين مشيٍ طويل كلّ يومٍ من أيام الاسبوع.
لماذا يجب أن تفعل ذلك؟
في الواقع، إن أسوأ القرارات هي تلك التي تنطوي على أهدافٍ محددة مجرّدة. قد يكون عقلك بارعاً في إيجادها، لكنه سيءٌ في تحقيقها. فمن السهل عليك الاستمرار في التمرين كلّ يوم، لكنّ من المحتمل أن تستمر في نسيان أن تتعلّم شيئاً جديداً، أو أن تتناول الغذاء الصحيّ.
وحتى لو تمكنت من اتباع هذه التعليمات، فمن الصعب أن تشعر أنك أنجزت شيئاً ما عندما يكون الهدف محدداً. وبدون هذا الإحساس بالإنجاز، لن يكون لديك الدافع لمواصلة تكرار العمل والتعوّد عليه.
الطريقة المثالية لخلق هذا الدافع لديك هي إشراك دارات المكافأة العصبية في عقلك. في الواقع، إنّ الشعور الإيجابي الذي تمنحك إياه نشوة الإنجاز يؤثّر في الخلايا العصبية كما تؤثّر المخدرات، حيث تصبح نوعاً من الإدمان، سيتوق عقلك إلى أيّ شيءٍ يجعلك تشعر بالرضا والسعادة، وسيُضطرك للبحث عن مصدر هذا الشعور مرّةً أخرى. لا يوجد جزءٌ فريد من الدماغ يؤدي وظيفة «المكافأة»، أو الشعور بالرضا، لأن آلية عمل الدماغ معقّدةٌ جداً، لكن يكفي القول أن «مكافأةً» واحدة يمكن أن تثير مناطق متعددة في الدماغ لإطلاق نواقلَ عصبية لتؤثر بشكل إيجابي على دماغك.
للحصول على هذه المكافأة من خلال تحقيق هدفٍ صحي، عليك التأكد من حصولك على الشعور الإيجابي بشكلٍ منتظم. يجب أن تشعر بانتظام بالإثارة الصغيرة التي تحصل عليها عندما تفعل شيئاً تفخر به ليبدو وكأنه إنجاز. أفضل طريقة للقيام بذلك هي أخذ هدفك وتقسيمه إلى أجزاءٍ أصغر. كلما تكررت وتعددت الأجزاء، كلما كان ذلك أفضل، لأنه كلما قمت بربط الإجراء بالمكافأة، يصبح الاتصال أقوى والعادة أكثر تأصلاً. يفيد الشعور الإيجابي المتكرر خلال فتراتٍ متقاربة بأن تصبح العادات الجديدة متأصلةً بشكلٍ أسرع.
قم بربط العادات الجديدة بروتين حياتك اليومي
لديك اثنتين من العادات اليومية الجديدة التي ترغب في جعلها متأصلةً لديك (تناول شراب البروتين والتمرين)، ولفعل ذلك، عليك توفير الوقت للقيام بهما خلال روتينك اليومي. أفعل ذلك يومياً في نفس الوقت والمكان؛ كي تعمل على جعل دماغك يطالب بها تلقائياً في نفس الوقت والمكان تلقائياً لوحده. مثلاً، تناول مشروب البروتين عندما تهمّ بغسل فنجان القهوة الصباحي، أو أثناء قلي البيض في الصباح.
بالنسبة لجزء التمرين، حدد ما إذا كنت تفضّل التمارين الصباحية أم المسائية (قد تكون هناك حاجة إلى بعض التجريب لتحديد المناسب لك)، واعثر على التوقيت الذي يناسب توقيت نشاط جسمك الأفضل، يمكن أن يكون وقت نهوضك من السرير، أو بعد توصيل الأطفال إلى المدرسة، أو بعد عودتك للمنزل بعد العمل. اذهب إلى صالة الألعاب الرياضية (أو اخرج للمشي) في أسرع وقت ممكن بعد حصولك على إشارةٍ من عقلك تطلب منك القيام بذلك، ولا تجلس وتضيّع وقتك على قراءة الأخبار أو تقول لنفسك: حسناً سأشاهد حلقةً أخرى من برنامجٍ تحبه. اذهب الآن.
لماذا يجب أن تفعل ذلك؟
في الواقع، لديك عادات يومية متأصلة، وينوي عقلك الحفاظ عليها، وليس له مصلحةٌ في تغييرها. إنه يحب الروتين. فهو يتكون من ملايين الخلايا العصبية التي تعمل خلال اليوم بأكمله لدفعك للقيام بروتينك اليومي.
هذا تبسيط لعمل الدماغ، لكن الدماغ عملياً يقوم بذلك عبر بربط مجموعاتٍ من الخلايا العصبية للقيام بعملين متتابعين مترابطين. مثلاً، إذا كانت مجموعة الخلايا العصبية الأولى تتوّلى دفعك للقيام بتنظيف أسنانك، ثم قامت بعدها مجموعة أخرى من الخلايا بحثّك للاستحمام، سينشأ بين المجموعتين اتصالٌ مادّي. فكلما قمت بتنظيف أسنانك، وقمت بالاستحمام بعدها، كلمّا زاد الارتباط بين مجموعتي الخلايا العصبية السابقة. حسناً، إذا قمت بذلك مراراً بما فيه الكفاية، سيتعيّن عليك وبإدراكٍ منك كبح جماح مجموعة الخلايا الثانية في حال عدم رغبتك بالاستحمام بعد تنظيف أسنانك. يصبح فعل هذه الأشياء متزامناً تلقائياً في كثيرٍ من الأحيان بالنسبة لعقلك.
يجب أن يكون هدفك هو جعل عاداتك الجديدة تلقائية، ويمكنك القيام بذلك عن طريق إقرانها بشيءٍ آخر يحدث بالفعل كل يوم. وجود نفس الإشارات بشكل متكرر سيساعدك على إنشاء اتصال جديد بسرعة. في البداية ، سيكون أمر ذهابك للنادي ثم العودة للمنزل صعباً، لكّن في النهاية، ستجد نفسك تذهب لارتداء ملابس التمرين تلقائياً بدون تفكيرٍ بالأمر.
كافئ نفسك
عندما تصل إلى المنزل من صالة الألعاب الرياضية، وبغضّ النظر عن مدى اعتقادك بأنّ أدائك في النادي كان جيداً أو سيئاً، ابحث عن بعض المكافآت العقلية الصغيرة لنفسك. ربما تجد الأمر سخيفاً أن تخبر نفسك بوعي أنك فخورٌ بما فعلته اليوم، لكن ذلك سيعمل. حين تغتسل، خذ بضع دقائق وفكر بالفعل في مدى إحساسك بتحقيق هذا الهدف اليومي. خطّط لإنجاز المزيد في قادم الأيام، وفكّر كم هو عظيمٌ سيكون المحافظة على ما تنجزه. استمتع بهذا الشعور وسوف تجد نفسك تتوق لتجربته مجدداً، وسيحفّزك ذلك على مواصلة العمل لتحقيق هذه الأهداف المتوسطة الصغيرة.
لماذا يجب أن تفعل ذلك؟
كلما ترسخت العلاقة بين الفعل -أي الذهاب إلى الصالة الرياضية، والمكافأة -أي الشعور بالفخر-؛ كان من الأسهل تحفيز نفسك على أداء النشاط في المقام الأول، ويصبح عقلك يعمل مثل عقل كلب «بافلوف»، سيتوقّع عقلك مكافأةً بعد تحفيزٍ معيّن. حيث يسيل لعاب كلب بافلوف بعد سماع رنين الجرس، وبالمثل، ستبدأ أعصابك بإطلاق نواقلها العصبية بمجرّد أن تبدأ التمرين. في نهاية المطاف، سيكون التمرين كافياً بحد ذاته للحصول على المكافأة، ولن يتعين عليك حتى تذكير نفسك بالفخر بشكلٍ صريح.
استمر في التدريب لمدة 66 يوماً
لا تتوقع أن يكونَ الالتزام أول شهرين سهلاً. لنفترض أنّك لا ترغب في الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية أو تناول شراب البروتين، لكّنك قلت لنفسك؛ حسناً سأتجاهل هذه الرغبة الآن. وإن كان لا بدّ من ذلك، فأخبر نفسك بأنه يمكنك التوقّف عن التمرين إذا كرهته بعد انقضاء شهرين. حاول فقط الاستمرار في التمرين حتّى ذلك الوقت، ستجد في نهايتها أنّك بدأت تستمتع بالروتين الجديد، وسيكون احتمال استمرارك لما بعد ذلك كبيراً جداً.
لماذا يجب أن تفعل ذلك؟
في المتوسط، يستغرق الشخص حوالي 66 يوماً لتكوين عادةٍ صحية جديدة، بالرغم من أنها تختلف من شخصٍ لآخر وتتراوح بين 18 إلى أكثر من 120 يوماً أحياناً. يتعلق الأمر بالوقت الذي يستغرقه عقلك لتكوين اتصال قوي بما فيه الكفاية؛ بحيث يصبح القيام بعملٍ ما تلقائياً. مرّةً أخرى، أنت لست مُصمماً للتغير بسرعة، فأنت مصممٌ للقيام بنفس الأفعال التي حافظت على بقاءك على قيد الحياة حياً حتّى الآن. في الواقع، يتطلّب التغيير الواعي التزاماً طويل الأجل لإعادة تصميم عقلك من جديد. قد تكون شخصاً يحتاج لبضعة أسابيع فقط لترسيخ عادةٍ ما لديه، أو ربما تحتاج إلى عدة أشهر، كُن مطمئناً، ستصل إلى هناك. مرة أخرى؛ أدمغتنا تحبّ العمل بشكلٍ تلقائي، ودماغك ليس استثناءاً.
قد يكون الأمر مثبطاً لهمتك، ولكن شهرين في مشهد حياتك الكبير ليسا شيئاً يُذكر. بمجرد أن تتمكّن من تغيير عاداتك، سيكون من الصعب كسر العادات الجديدة بنفس القدر الذي كانت عليه سابقاً في المقام الأول.