أصبح مصطلح «التعلّم الشخصي» أكثر شيوعاً في الولايات المتحدة. فقد لاحظت 39 ولاية أن التعليم الشخصي يساهم في تحسين خطط مدارسها الدراسية، كما يطلب القانون الأميركي الذي صدر عام 2015، والذي يجعل من النجاح حقاً لكل طالب. ولم تعد الولايات فقط هي من تُشرع وتدعم التعلم الشخصي، بل بات يلقى دعماً وتبرعات من العديد من المؤسسات والمتبرعين، لكن هناك بعض العائلات تحاول الوقوف ضده في بعض الحالات.
تقدّم «بيني بيشوب»، الباحثة في مجال بيئات التعلّم، 5 إجابات تتعلق بالتعلم الشخصي.
1. ما هو التعلم الشخصي؟
كما يقول أحد معدّي المناهج التربوية، يُستخدم المصطلح لوصف «كلّ شيء في العملية التعليمية ابتداءً من البرمجيات التكميلية، وحتى إعادة تصميم المدرسة بالكامل». ولتبسيط مفهومه، يتمثّل هدف التعلم الشخصي بإعداد بيئةٍ تعليمية تلائم احتياجات الطالب الفردية من خلال منح الطالب مزيداً من التحكم في عملية التعلم. إلا أن ما يُمكن للطالب اختياره والتحكّم به يختلف باختلاف نمط بيئة التعليم المخصص.
2. ما هي أنماط التعلم الشخصي؟
النمطان الأكثر شيوعاً هما التعلّم الشخصي حسب كفاءة الطالب، والآخر حسب اختيارات ورغبة الطالب الشخصية.
يُمكِّن التعلم الشخصي حسب كفاءة الطالب المُتعلّم من اجتياز المواد حسب وتيرة تقدمه، واتقانه لها، والتي تُقدّم عادةً عبر مناهجٍ على الإنترنت، تتكيف مع احتياجات الطالب ومهاراته مع تقدمّه في عملية التعلم. تعالج هذه العلمية مشكلة عدم إمكانية البشر في التعلّم بنفس الوتيرة، حتى لو كانت معظم المدارس تنظّم الطلاب في الصفوف حسب العمر. «أكاديمية خان» مثلاً، هي مؤسسة تعليمية غير ربحية على الإنترنت، وتوفّر مجموعةً كبيرة من مقاطع الفيديو التعليمية والأدوات والتمارين، حيث تُعدّ أحد الأمثلة المشهورة لهذا المبدأ، والمقاربة في التعليم، حيث تتيح الأكاديمية للطلاب التقدم ببطءٍ أو بسرعة حسب مستواهم، ومعدل إتقانهم لما يتعلمونه. وبالرغم من أن الطالب يتمتع بقدرٍ أكبر من التحكم بوتيرة تعلّمه، إلا أن المناهج الدراسية المُعتمدة فيها معترف بها وتُدرّس منذ زمنٍ طويل.
بينما في عملية التعلّم الشخصي وفقاً لرغبات الطالب الشخصية، يلعب الطالب دوراً أكبر في اختيار ما يريد تعلّمه استناداً لأهدافه الشخصية واهتماماته. وذلك يعني أنّ المنهج الدراسي نفسه -وليس مجرّد وتيرة تقدم الطالب فقط- يُصبح مخصصاً. ويعمل الطلاب غالباً، بشكلٍ إفرادي أو مشترك، في مشاريع تتناسب مع الاهتمامات والقضايا التي يرغبون بدراستها.
على سبيل المثال، أصبحت سياسات التعلم الشخصي إلزاميةً في الصفوف من السابع وحتّى الثاني عشر، حيث يمكن للطالب اختيار دراسة علم الوراثة والتغذية من خلال زيارة مزارع إنتاج الألبان، أو قد يختار الطالب دراسة بيئة الغابات والنمّو السكاني مُسترشدين بأهداف التنمية المستدامة التي أقرتّها الأمم المتحدة.
3. هل هناك ما يدعو للقلق في أسلوب التعلّم الشخصي؟
كما هو الحال مع معظم الاصلاحات التعليمية، فإن التعلّم الشخصي مثيرٌ للجدل والمخاوف. أفاد الآباء أن أطفالهم باتوا يقضون وقتاً أطول أمام شاشات الكمبيوتر، عند اتباعهم هذا النمط من التعلّم وفق وتيرة التقدّم، ويمثل ذلك مشكلةً بالنسبة للعائلات التي تسعى لتحديد وقت جلوس أطفالهم أمام شاشة الكمبيوتر. كما يشكو الطلاب، في حالاتٍ أخرى، من أنّ التعلّم الشخصي يؤدي إلى الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، إلى قلّة وجودِ تفاعلٍ ذي معنى مع المعلّم. شهدت مبادراتٌ مثل «ساميت ليرنينج»، وهو برنامجٌ تعليمي مخصّص طورته مدارس ساميت العامة (شبكة من المدارس المستقلة تنتشر في ولايتي كاليفورنيا وواشنطن) بمساعدةٍ من فيسبوك وتمويلٍ من مبادرة تشان زوكربيرغ؛ شهدت جدلاً كبيراً يتعلّق بقضايا مشابهة.
بينما لم يُثر التعلّم الشخصي بناءً على رغبات الطالب الشخصية؛ نفس ردود الفعل والمخاوف حول إمكانية أن يؤدي إلى عزلة الطالب، نظراً لأنه يقوم على التعاون والاتصال بالمجتمع المحلي بشكلٍ ما. إلا أنّ التقييم التقليدي للطلاب الذين يتبعون هذا الأسلوب غالباً ما يُستبدل بالتقييم القائم على الكفاءة، وهو نظام تقييم يعتمد على قدرة الطالب على إظهار اكتسابهم لمهاراتٍ معينة. وهنا تشعر بعض العائلات بالقلق من أن يحرمهم هذا النوع من التقييم من التقدّم للكليات والجامعات المتخصصة فيما بعد، وذلك نظراً لأن ذلك التقييم قد لا يتضمن معلوماتٍ عن المعدّل التراكمي، أو ترتيبهم الدراسي بين زملائهم، حيث يخشى الآباء من أن يؤثّر ذلك على فرص أولادهم للالتحاق بالجامعات التي يرغبونها والتي تشترط مثل هذه التقييمات.
4. ما هو تأثير التعلم الشخصي على المدى الطويل؟
من السابق لأوانه تقييم آثار التعلم الشخصي على مستقبل الطلاب، التحدي الأساسي الآن هو تطبيق هذا النمط من التعلّم. حيث ما يزال الباحثون التربويون وواضعوا السياسات التعليمية يدرسون كيفية تطبيقه، كما لا يمتلك المعلمون الخبرة الكافية لتحديد أيٍّ من الاستراتيجيات أكثر فعالية لتطبيقها. وعموماً، ومع تزايد الاستثمارات التي بلغت ملايين الدولارات، يستمر التعليم الشخصي بالانتشار عبر جميع أنحاء البلاد، كما باتت العديد من الولايات تُبدي اهتماماً متزايداً بالتعليم الشخصي، ودراسة كيفية تطبيقه، والنتائج التي يمكن تحصيلها من خلاله.
تشير الدلائل الأولية إلى أن التعلم الشخصي يمكن أن يحسّن من تحصيل الطالب ومشاركته، ولكن لا يزال من غير الواضح كيف يحدث ذلك بالضبط. أقوم حالياً، مع زملائي في معهد «تارّانت» للتعليم الإبتكاري، بدراسة تطبيق التعلّم الشخصي وفقاً لرغبات الطالب الشخصية، في إطار سياسات التعليم على مستوى الولايات. يُظهر بحثنا أن الطلاب، ضمن نمط التعليم هذا، يندمجون أكثر في العملية التعليمية من خلال إبداء أرائهم فيما يتعلمون، وكيفية تلقّيهم لهذا التعليم، ويجدون متعةً وفائدةً أكبر في قيامهم بعملٍ حقيقي مهم، والذي يحمل لهم أهميةً على المستوى الشخصي والاجتماعي. وقد أصبحت العائلات تلاحظ مستوىً جديداً مختلفاً من المشاركة التي يبديها أطفالهم، وحتى من الأشياء الجديدة التي يتعلمونها، وأصبحت تجارب الطلاب والتزامهم مصدر إلهامٍ يتحدث عنها معلموهم عند خوضهم في نقاشاتٍ تتعلق بالتعليم المتخصص.
5. هل يحل التعلّم الشخصي محل المعلمين؟
يظهر بحثنا أن المعلمين سيبقون عنصراً حاسماً في مدارس اليوم والمستقبل. فالتعليم الشخصي وفق رغبة الطالب لن يتسبب بإهمال المعلمين، لأنه يتطلّب مجموعةً من المهارات والترتيبات التي يلبيها حضور المعلّم، والتي تتطلّب بدورها من المعلمين أن يكونوا أكثر تفاعلاً واستجابةً للاحتياجات الجديدة للطلاب. على سبيل المثال، يحتاج المعلمون، من أجل مساعدة طلابهم على تحقيق أهدافهم التعليمية الشخصية، إلى البحث في مجموعةٍ كبيرة من المصادر التعليمية ومطابقتها بمستوى مهارات الطالب. بالرغم من أنّ هذا التحدي كبير، إلا أن فهم احتياجات كلّ طالب واهتماماته بهذه الطريقة يمكن أن يقوي العلاقة بينه وبين المعلّم أيضاً.
في الواقع، يمكن أن يعزز التطبيق المدروس لهذا النمط من التعليم علاقة الطلاب مع معلميهم ومع أقرانهم وعائلاتهم ومجتمعهم أيضاً، من خلال دعوة الطلاب للتفاعل أكثر، ومشاركة ميولهم وتفضيلاتهم وأسئلتهم مع الآخرين. ففي حين قد يعارض المعلّمون -ضمن نمط التعليم التقليدي- مثل هذه النشاطات التشاركية، يُعدّ فهم حاجات الطالب الشخصية واستيعابها عنصراً أساسياً في بيئة التعلّم المُخصصة.
ينبغي أن لا يُفهم مبدأ جعل التعليم متوافقاً مع احتياجات الطالب الشخصية على أنه يقود للمزيد من عزلة الطالب، بالعكس، يبدو أنّ أفضل ما في عملية التعليم أن يكون شخصياً واجتماعياً.