في الوقت الذي ما زال فيه العالم ينتظر اكتشاف لقاحٍ فعال لفيروس كورونا؛ نعتمد بشكلٍ كبير على التباعد الإجتماعي، أو لنسميّه «التباعد الجسدي» للتحكّم في انتشار فيروس كورونا.
ينجح التباعد الجسدي في الحدّ من انتشار الفيروس لأن انتقاله سهل من خلال الاتصال الوثيق/ المباشر بين الناس، بالإضافة إلى وجود بعض الأدلّة التي تشير أنه يمكن أن ينتقل عبر لمس الأسطح الملوّثة.
تشير النمذجة الرياضية إلى أنّ بلد مثل أستراليا قادرة على احتواء انتشار الفيروس بكفاءةٍ عالية، والتقليل من تفشّيه إذا التزم 80% على الأقل من السكّان بقواعد التباعد الجسدي.
لتنفيذ سياسة التباعد الجسدي، تنصح الحكومات بالآتي: البقاء على مسافة 1.5 على الأقلّ من الآخرين، العمل من المنزل، تجنّب التجمعات، والحدّ من التنقلات والسفر قدر الإمكان. لكن التباعد الجسدي الفعّال ما زال يشكل تحدياً كبيراً بين الناس في الأماكن العامة، حيث ما يزال هناك الكثير من الناس بحاجة للذهاب إلى المتاجر، أماكن العمل، ومرافق الرعاية الصحية.
التباعد الزمني
هناك طريقتان تزيدان من كفاءة التباعد الجسدي: التباعد المكاني (إقامة فواصل مكانية بين الناس)، والإبعاد الزمني (الفصل بين الناس زمنياً). يمكن بسهولةٍ شرح مفهوم التباعد الزمني. على سبيل المثال، تناول طعام الغداء في وقتٍ أبكر لتتجنب الازدحام، أو ركوب الحافلة التالية لتتجنب الصعود في الحافلات المزدحمة.
بعبارةٍ أخرى، السماح للأشخاص بالدخول إلى نفس الأماكن، ولكن في أوقاتٍ مختلفة. بالطبع ينبغي أن يترافق ذلك مع نظامٍ سريع للتعقيم والتنظيف في فترات الاستراحة، من أجل القضاء على أية احتمالات لانتقال الفيروس عبر الأسطح المختلفة.
استراتيجية مُتدرجة
يمكن عمل التغييرات الفعالة على جداول المواعيد دون التسبب في الفوضى والارباك (أو حيث تفوق الفوائد التكاليف بوضوح) من خلال ما تنفيذ ما يلي:
- جداول زمنية متداخلة لدوام العمّال، بما في ذلك استخدام جداول مدتها 7 أيام (بدلاً من 5 أيام).
- بالنسبة للمدارس، تغيير موعد تناول الغداء، وأوقات بدء وانتهاء الدراسة لكل فصلٍ دراسي على حدى خلال اليوم.
- السماح بساعات عملٍ أطول للمتاجر والصيدليات والخدمات الحكومية.
في الواقع لا يساعد تقليل ساعات العمل في المتاجر -كما حدث في إيطاليا- على التباعد الاجتماعي (الجسدي)، بل العكس، لأنه يؤدي إلى تكدس الناس في نفس المساحة خلال فترةٍ زمنية أقل.
يمكن تخفيف الازدحام عند ذهاب الناس إلى أماكن عملهم. فمثلاً؛ يمكن للبعض اختيار الذهاب إلى العمل الساعة السابعة صباحاً، بينما يمكن للآخرين بدء يوم عملهم من الساعة العاشرة صباحاً، أي العمل بنوبتين، صباحية ومسائية.
لماذا يعمل التباعد الاجتماعي بكفاءة أكبر مع التباعد الزمني؟
يوضح الرسم البياني أدناه كيف يمكن أن يعمل التباعد الزمني والمكاني معاً في تسوية منحنى العدوى. تخيل أن عدد السكان المنتشر عشوائياً هو 1000 شخص، وأنّ أحدهم مصاب. إذا سمحنا بحريّة الحركة دون تقييد؛ سيُصاب الجميع في غضون فترةٍ زمنية قصيرة نسبياً. أما إذا قللنا الحركة بنسبة 80% (التباعد المكاني، المنحنى المتقطع)، فإن معدل العدوى يتباطأ. وإذا قللنا من الوقت الذي يجتمع الناس مع بعضهم (التباعد الزماني، المنحنى المُنقّط) فإن معدل الإصابة يتباطأ أيضاً، لكن ليس كثيراً. ولكن إذا جمعنا بين هذين الإجرائين (المنحنى الأحمر)؛ فسيكون التأثير أقوى بالمجمل.
سيناريوهات افتراضية مختلفة لمنحنى العدوى مقارنةً بخط الأساس (عدم اتخاذ أي إجراء). السيناريو الأول يفترض 20% من الحركة الطبيعية (التباعد المكاني فقط). السيناريو الثاني تقليل التقاء الناس باستخدام التباعد الزماني. السيناريو الثالث، الجمع بين الطريقتين.
سيكون لتأثير التباعد الزماني آثار اقتصادية واجتماعية. يمكن أن تتسبب ساعات العمل الليلية أو ساعات العمل غير المنتظمة بمشاكل صحية، وقد يكون من الصعّب تنظيم رعاية الأطفال، أو العمل خارج ساعات العمل الروتينية، كما أن التنقّل والنشاط الليلي يحمل بعض المخاطر على السلامة. يجب الموازنة بين هذه التكاليف بشكلٍ جيد في أي حالةٍ معينة.
وحتى بعد السيطرة على الجائحة الحالية، ستبقى هناك محفّزات اقتصادية للتباعد الزماني، وستقدّم وسائل النقل العام والمطاعم والاتصالات وشركات الكهرباء ومقدمو الخدمات المختلفة؛ خصومات خارج أوقات الذروة.
خفض الأرقام
بالإضافة إلى استخدام كل من الابتعاد المكاني والزماني، يمكننا إبطاء انتشار الفيروس أكثر عن طريق تضييق نطاق الأشخاص الذين يُحتمل أن نلتقي بهم.
على سبيل المثال، في حين ما يزال مسموحاً بممارسة تمارين اللياقة البدنية في مجموعاتٍ صغيرة في المدارس [المترجم: البلدان التي ما زالت مدارسها تعمل]، فإن اقتصار الصفوف على نفس هؤلاء الأشخاص أفضل من مزج الصفوف أو جمعها. سيساعد ذلك على اقتصار العدوى على مجموعةٍ صغيرة في حال إصابتها. بالتالي يجعل من مراقبتها وتتبّع اتصالاتها أسهل بكثير.
يمكن أن تنظر أماكن العمل والمدارس أيضاً في إبقاء الأشخاص في مجموعات، أو فرقٍ متسقة بدلاً من خلطهم، على الأقل أثناء الحاجة إلى التباعد الاجتماعي في هذه الفترة.
كما قد يكون من المهم تخصيص وقت لكبار السن في الأماكن العامة، أو المتاجر لأنهم الفئة المُعرضة لخطورةٍ الإصابة بنسبة أكبر. هذا الوقت المخصص لكبار السن قد يساهم في الحد من تواصلهم مع الشباب (الذين لديهم معدلات اختلاطٍ وانتقال العدوى أعلى عموماً).
سيكون الابتعاد الاجتماعي جزءاً هاماً من الحياة في الأشهر القادمة، ويجب أن نعتاد عليه. لذلك نحن بحاجة للقيام بذلك بذكاء وفعالية قدر الإمكان.