هل يمكن أن يستفيد البشر من النحل في تحسين عملية التعلم؟

3 دقائق
نحل, تعلم, حشرات, مقالات علمية, خلية نحل, أصفر

يكمن مفتاح تحسين ممارسات التدريس والنهوض بالعملية التعليمية في فهم كيفية تعلم البشر. ولكّن هل يتعلم الجميع بنفس الطريقة، أم هل يحتاج الأشخاص المختلفون إلى أساليب تدريسٍ مختلفة؟

قد يبدو السؤال بسيطاً، لكن تقييم وتحليل كفاءة عملية التعلّم لا يزال بعيد المنال. إنها واحدة من أكثر المواضيع التعليمية التي تُناقش على نطاقٍ واسع هذه الأيام، خاصةً بالنسبة للتلاميذ الذين يُظهرون طرقاً فريدةً في فهمهم لحلّ المشاكل.

استشكاف, تعلم, نحل, غابات
السلوك الاستكشافي الفردي يمكن أن يعزز نتائج التعلم

تعلّم النحل

بحثنا عن الحلول في مكانٍ قد لا تتوقعه؛ عند نحل العسل. ففي دراسةٍ جديدة نُشرت في دورية «فيديو للتربية والتعليم»، قمنا باستخدام النّحل كنموذج لفهم كيفية اكتساب أفرادٍ مختلفين للمعرفة.

في الواقع، لاستخدام النماذج الحيوانية لفهم عملية التعلّم تاريخٌ طويل ومشرّف. على سبيل المثال، قام العالم «إيفان بافلوف» والحائز على جائزة نوبل بتدريب الكلاب من خلال ربط مؤثرٍ صوتي مع تقديم مكافأة الطعام لها، وقد أظهر بافلوف في النهاية أنّ الكلاب يسيل لعابها بمجرّد سماع صوت المؤثر الصوتي الذي ارتبط بتقديم الطعام لها.

لقد كشفت تجربة بافلوف عن النظرية الأساسية الكامنة وراء كيفية فهمنا للتعلم الترابطي في التعليم والمجتمع والثقافة، (وهو مبدأٌ ينص على أن الأفكار والخبرات تعزز بعضها البعض، ويمكن ربطها ببعضها البعض، مما يجعلها استراتيجيةً تعليمية قوية).

يأتي الكثير مما نعرفه عن فسيولوجيا تكوين الذاكرة من النتاج العلمي العظيم لعمل عالم الأعصاب الحائز على جائزة نوبل «إريك كاندل». كان كاندل قد استخدم أحد الحيوانات الرخوية البحرية التي تُدعى «سبيكة البحر» أو بزّاقة البحر للتحقيق في كيف تمكّن الارتباطات العصبية في الدماغ الحيوان من التعلّم.

وفي هذا الصدد، يُعد النحل من المتعلمين المذهلين البارعين، فقد أظهرت الأبحاث الحديثة أنّ بإمكانها التعرّف على الوجوه والجمع والطرح وحتّى معالجة مفهوم الصّفر. يتعلم النحل حلّ المشاكل المعقّدة من خلال اتباعه مبدأ التجربة والخطأ الرياضي، حيث، أثناء التجارب، يتم توفير مكافأةٍ من الماء المُحلّى بالسكر للمساعدة على حلّ المشاكل بشكل صحيح.

استشكاف, تعلم, نحل, غابات
تتعلم نحلة العسل التي تحمل علامةً بيضاء التمييز بين ما بين أشكال (3) و(5) على نفس مساحة السطح الكلية. — حقوق الصورة: الكاتب

تعليم النحل الحسابي

كنا مهتمين للغاية باكتشاف ما إذا كان جميع أفراد النحل ستتعلم حلّ المشاكل المعقدة بطريقةٍ مماثلة؛ هل سيظهر كل فرد أداء تعليمياً متشابهاً خلال التدريب، أم هل سيُظهر الأفراد استراتيجيات تعليمية مختلفة؟

تتمثل إحدى مهارات الرياضيات الأساسية التي نتعلمها جميعاً في سن ما قبل المدرسة في كيفية جمع الأرقام وطرحها. في الواقع، الحساب ليس مهمةً بسيطة، فهو يتطلب ذاكرةً طويلة المدى للقواعد المرتبطة برموز معينة مثل علامة الجمع (+) أو علامة الطرح (-)، وكذلك ذاكرةً قصيرةَ الأمد لحفظ أرقامٍ محددة والتي يجب معالجتها في حالةٍ معينة.

عندما قمنا بتدريب النحل على الجمع والطرح، قمنا بتقييم عدد المحاولات التي استغرقتها كل نحلة لاكتساب مهارة القيام بالمهمة، ثمّ لخّصنا البيانات التي تدرس وتُظهر كيفية تعلم أفراد النحل في شريط فيديو.

لقد فوجئنا بأنه لم تتعلم جميع أفراد النحل القيام بالمهمة في نفس المرحلة من التدريب. بدلاً من ذلك، اكتسبَ أفرادٌ مختلفون القدرة على حل المشكلة بعد عددٍ مختلف من المحاولات.

لم تكن هناك مرحلةُ تعلّم مشتركة في جميع التجارب حيث يحقق النحل النجاح فيها. بدلاً من ذلك، تطلّب القيام بالمهمة من النحل القيام بتجربة استراتيجياتٍ مختلفة لمعرفة أيٍّ منها تعمل. وعلى وجه التحديد، كانت فرصة التعلّم من الأخطاء حاسمةً لكي يتعلّم النحل حلّ المشاكل الرياضية الطابع.

استشكاف, تعلم, نحل, غابات
مسارات مختلفة للتعلم: أداء ثلاثة نحلات مختلف لأداء مهمةٍ حسابية. بينما تنجح النحلات الثلاثة، إلا أن أسلوبها في القيام بالمهمة مختلف تماماً. — حقوق االصورة: الكاتب

يشير هذا الاستنتاج إلى أنه عندما يتعين على العقول أن تتعلم حلّ مشاكل متعددة المراحل تنطوي على استخدام أنواعٍ مختلفة من الذاكرة، فإن إتاحة الفرصة للسلوك الاستكشافي هوّ ما تفضله الطبيعة.

ماذا يعني ذلك بالنسبة لعملية التعليم؟

استشكاف, تعلم
التعلّم عن طريق الممارسة

يعود تاريخ آخر سلفٍ مشترك بين النّحل والإنسان إلى حوالي 600 مليون سنة. مع ذلك، نتشارك نحن البشر مع النحل بعددٍ كبيرٍ من الجينات، ومن المحتمل أن تكون لدينا بعض أوجه التشابه في كيفية معالجة المعلومات.

نحن نعلم أنّ النحل والبشر لديهم طريقةٌ مشتركة لمعالجة الأرقام من واحد إلى أربعة مثلاً، مما يشير إلى أن عمليات التعلم قد تكون مرتبطةً بجيناتنا الوراثية التطورية. لذلك فإن النتائج المُحسنة التي أظهرها النحل عند تعلم حل المشاكل الرياضية بطريقة استكشافية فردية تشير ربما إلى أنّنا نستخدم الطريقة نفسها في اكتساب المهارات والمعرفة.

وبالفعل، فقد وجدت بعض الأبحاث الحديثة في مجال التعلّم وصعوبات التعلم لدى الأطفال؛ أدلةً على أن الأفراد كثيراً ما يتعلمون بطرقٍ مختلفة تبعاً للسياق البيئي.

قد تكون «بيولوجيتنا» مُبرمجةً لتشجّع التعلّم الاستكشافي بدلاً من اكتساب المعارف الجاهزة. إذا كان الأمر كذلك فعلاً، فلا بدّ للأنظمة التعليمية أن تأخذ هذا الأمر بعين الإعتبار وإيلائه أهميةً بالغة.

قد لا تكون هذه الفكرة جديدة، ولكنها قد تواجه تحديات إذا تم اعتماد نظام التعليم بواسطة الكمبيوتر بشكلٍ متزايد، لأن هناك خطراً من أن البرمجة المحدودة المصممة بالحواسب يمكن أن تحد من أفق أساليب التعلّم. بالمقابل، فإن الاستخدام الذكي لبيئات التعلم الاستكشافية -سواء الرقمية أو المادية- قد يعزز العائد من عملية التعلّم.

يجب ألا نخجل من دراسة كيفية تأثير تاريخنا التطوري على التعلم واستخدامنا له لمصلحتنا. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يساعد فهم المبادئ التطورية في تصميم بيئات تعليميةٍ أنسب لتشجيع أساليب التعلّم المثالية.

تم نشر المقال في موقع ذا كونفيرسيشن

المحتوى محمي