إذا تحقق السيناريو الرهيب المتمثّل في انفجار قنبلة نووية، من المحتمل أن تتخيل كتلة مشتعلة ومتوهجة هائلة الحجم وسحابة نووية على شكل فطر تصعد في السماء غريبة الشكل فوقك، بالإضافة إلى تساقط الأمطار السامة والقاتلة في الأيام التي تلي ذلك. كل هذه المشاهد حقيقية، ويمكن لكل ما فيها أن يتسبب في الموت.
لكن اندفاع الهواء الذي يصل إليك بعيد الانفجار حقيقي أيضاً ومميت بنفس القدر. عندما تنفجر قنبلة نووية، فهي تتسبب في توليد موجة صدمة. تتسبب هذه الموجة بتمزيق الهواء في أثناء تحركها عبره بسرعة تفوق سرعة الصوت، ما يتسبب بتكسير النوافذ وهدم الأبنية وأضرار هائلة على أجسام البشر في المناطق التي تبعد كيلومترات عن نقطة الانفجار.
اقرأ أيضاً: كيف تتصرف فرق الإنقاذ لنجدة ضحايا الكوارث؟
لذلك، إذا رأيت الضوء الناجم عن انفجار نووي، فكن على دراية بأن هذا الاندفاع الهوائي قادم. سيكون لديك بضعة ثوان فقط للاختباء. فما المكان الأفضل الذي يمكنك الذهاب إليه؟
ما المكان الأفضل للاحتماء بعد انفجار قنبلة نووية؟
لإيجاد المواقع الأكثر أماناً في المنزل، أجرى مهندسان قبرصيان محاكاة حاسوبية للمواقع التي تتحرك فيها الرياح الناجمة عن الموجة الصدمية بسرعة أكبر، وتلك التي تنخفض فيها سرعة هذه الرياح. تم نشر النتائج بتاريخ 17 يناير/كانون الثاني في مجلة فيزياء السوائل (Physics of Fluids).
خلال الحرب الباردة التي حام خطر استخدام الأسلحة النووية فيها، درس العديد من العلماء عواقب وقوع حرب نووية على المدن والعالم ككل. ولكن ركّزت معظم الأبحاث التي أجريت في تلك الفترة على عوامل مثل الكتلة المشتعلة المتوهجة الناجمة عن الانفجار أو الإشعاع أو محاكاة الشتاء النووي بدلاً من اندفاعات الهواء. بالإضافة إلى ذلك، افتقر خبراء القرن العشرين للمقدرات الحوسبية المتقدمة التي يتمتع بها الباحثون اليوم.
يقول المهندس في جامعة نيقوسيا والمؤلف المشارك في الدراسة الجديدة، ديميتريس دريكاكيس (Dimitris Drikakis): "لا نعرف الكثير عما يمكن أن يحدث إذا وجد إنسان داخل مبنى مصنوع من الإسمنت لم يصبه الانهيار بعد انفجار نووي".
اقرأ أيضاً: كيف تتصرف عند حدوث ماس كهربائي؟
لا تنطبق الإرشادات التي توصل إليها دريكاكيس إلى جانب زميله، يوانيس كوكيناكيس (Ioannis W. Kokkinakis)، على المناطق المجاورة للانفجار النووي مباشرةً. إذا كنت قريباً من نقطة الانفجار، فلا يمكنك أن تتجنب الخطر، وستموت بلا شك. حتى ولو كنت بعيداً نوعاً ما، فستتعرض لوميض ساطع من الإشعاع الحراري، وهو وابل من الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية، والذي يمكن أن يتسبب بالعمى والحروق من الدرجة الثانية أو الثالثة.
كلما ابتعدت عن موقع الانفجار بقدر كاف لدرجة أن الإشعاع الحراري سيتسبب بإصابات طفيفة على الأكثر، ستلاحظ أن معظم المباني لن تنهدم. تماثل سرعة الرياح الناجمة عن الانفجار في هذه المناطق سرعة إعصار قوي للغاية. وعلى الرغم من أن هذه الرياح قد تكون مميتة، يمكنك النجاة بحياتك إذا حضّرت نفسك جيداً.
قام كل من دريكاكيس وكوكيناكيس بتصميم مبنى افتراضي من طابق واحد، وقاما بمحاكاة الرياح القوية التي تضربه من جهتين مختلفتين، والتي تولّدت عن الموجة الصدمية. تمتعت الرياح من إحدى الجهتين بضغط جوي يتجاوز الضغط الجوي الوسطي بكثير، بينما تمتعت الأخرى بضغط جوي أكبر من الأولى. بناءً على هذه المحاكاة، إليك أفضل الأماكن التي يمكنك الاختباء فيها خلال الحرب النووية وأسوأها.
المواقع الأسوأ: مقابل النوافذ
إذا رأيت وميض الانفجار النووي، فقد تندفع أولاً تجاه أقرب نافذة لترى ما الذي يحدث. هذا خطأ كبير، وذلك لأنك ستضع نفسك في المكان الأنسب للتعرض للاندفاع الهوائي الذي يتبع الانفجار.
وجد مؤلفا الدراسة الجديدة أنك إذا وقفت مقابل نافذة مواجهة للانفجار، فقد تتعرض لرياح تتجاوز سرعتها 482 كيلومتراً في الساعة. وهي سرعة كافية لرفع إنسان عادي عن الأرض. اعتماداً على قوة القنبلة النووية المتفجرة، قد يضرب جسمك جداراً ما بقوة كافية لقتلك.
ما يثير الدهشة هو أن هناك بعض النقاط التي تعتبر أكثر خطورة في المنزل عندما يتعلق الأمر بسرعة الرياح القصوى (وسنتحدث عن ذلك أدناه). لكن ما يجعل الوقوف أمام النافذة مميتاً هو الزجاج الموجود فيها. عندما يتحطّم هذا الزجاج، ستُقذف الشظايا هائلة السرعة تجاه وجهك.
اقرأ أيضاً: كيف تتجنب الإصابة بالبرق؟
مواقع سيئة: الممرات
قد تظن أنك قادر على الهرب من الاندفاع الهوائي من خلال الذهاب إلى النقاط الداخلية في المبنى. ولكن هذا ليس صحيحاً بالضرورة. يمكن أن تؤدي النوافذ دور مصب للهواء المتدفّق بسرعة، ما يحوّل الممرات الطويلة إلى ما يشبه أنفاق الرياح. تؤدي الأبواب دوراً مشابهاً للنوافذ أيضاً.
وجد مؤلفا الدراسة الجديدة أن الرياح يمكن أن تقذف إنساناً متوسط الحجم يقف في الممر بقدر ما ستقذف شخصاً له نفس الحجم ويقف أمام نافذة تقريباً. كما بيّنت المحاكاة أن الرياح الشديدة يمكن أن تحمل شظايا الزجاج والأجسام الطليقة عن الأرض أو قطع الأثاث وتقذفها بسرعة تصل إلى سرعة رصاص بندقية المسكيت.
مواقع أقل خطورة: الزوايا
ليست كل النقاط في المنزل مميتة. وجد المؤلفان أنه مع مرور الموجة الصدمية النووية عبر غرفة ما، لا تصل الرياح الشديدة غالباً إلى زوايا هذه الغرفة وحوافها.
لذلك، حتى إذا كنت في غرفة تحتوي على مصادر خطر أخرى، يمكنك أن تحمي نفسك من أسوأ عواقب الانفجار من خلال التوجه إلى إحدى الزوايا وتثبيت نفسك فيها. مجدداً، النقطة الأهم هي تجنّب الأبواب والنوافذ.
يقول دريكاكيس: "سيكون احتمال البقاء على قيد الحياة أكبر حيثما لا توجد أي فتحات"، ويضيف: "تنص القاعدة الأكثر أساسية على الابتعاد عن الفتحات".
اقرأ أيضاً: كيف تتصرف في حال حدوث فيضان؟
المواقع الأفضل: زوايا الغرف الداخلية
المكان الأفضل للاحتماء من انفجار نووي هو زاوية غرفة صغيرة في أقصى ما يمكن داخل المبنى. على سبيل المثال، الخزانة التي لا تحتوي على أي فتحات هي خيار مثالي.
الخبر "السار" هو أن ذروة الانفجار تستمر لحظة من الزمن فقط. وستمر الرياح الأكثر شدة في أقل من ثانية واحدة. إذا نجوت من هذه الرياح، فمن المرجح أن تبقى على قيد الحياة طالما لم تتعرض للتلوث الإشعاعي.
يمكن أن يكون تطبيق هذه النصائح مفيداً في أثناء الكوارث التي تتعلق بالرياح شديدة السرعة على اختلاف أنواعها. (تنصح مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأميركية حالياً الأشخاص الذين لا يستطيعون إخلاء مناطق سكنهم قبل وصول الأعاصير إليها بتجنب النوافذ والبحث عن الخزائن). يؤكد مؤلفا الدراسة الجديدة إنه على الرغم من أن خطر حدوث الحرب النووية منخفض، إلا أنه ليس معدوماً. يقول دريكاكيس: "أعتقد أنه علينا رفع مستوى الوعي لدى المجتمع الدولي، وذلك لإيصال فكرة أن خطر الحرب النووية جدي"، ويضيف: "نحن لا نعيش في أحد أفلام هوليوود في النهاية".