مع تزايد عدد من تلقى اللقاح وتخفيف القيود المفروضة منذ بدء الجائحة، أصبحنا على وشك العودة إلى الحياة الطبيعية كما كانت قبل الجائحة. لكن البعض يشعر بالقلق والخوف من ذلك.
تشير الدراسات إلى أن للأحداث الصادمة الجماعية تأثيرات تستمر لفترة طويلة بعد انتهائها، وجائحة كوفيد-19 ليست استثناءً بالطبع. لقد وجدت دراسة شملت البالغين في الولايات المتحدة في يونيو/ حزيران عام 2020 زيادةً في أعراض القلق والاكتئاب بمقدار 3 أضعاف الحالات قبل الجائحة، بينما وجد استطلاع جرى في أبريل/ نيسان من هذا العام أن 19% من المُستطلعين يعتزمون الاستمرار في ارتداء الكمامة بغض النظر عن الإرشادات الجديدة، ووجد استطلاعٌ آخر أن 10% فقط من الموظفين يرغبون بالعودة إلى العمل في المكاتب بدوامٍ كامل.
إنه القلق. حتى لو لم تشعر بالقلق مع عودة الحياة إلى طبيعتها، فمن المحتمل أن يكون هناك شخصٌ في محيطك لا يزال يشعر بأنه غير مستعدّ لذلك، ويمكنك تعلّم كيفية مساعدته على الشعور بشكلٍ أفضل في ظل حالة عدم اليقين التي يشعر بها لجعل هذا الانتقال أسهل على الجميع.
فهم القلق
يقول «كارثيك جوننيا»، أخصائي علم النفس الإكلينيكي والأستاذ المساعد الزائر في علم النفس الإرشادي في جامعة نيويورك: «القلق ليس سيئاً دائماً، إذ يمكن أن يكون القلق علامة على أهمية شيءٍ ما بالنسبة لك، وإذا كنت تحاول التخلص من القلق تماماً، فإن تجاهله أو التخفيف منه قد يكون لا يكون مفيداً».
في الواقع، لقد تطور الخوف والقلق لدينا كطريقةٍ لتنبيهنا إلى المواقف الخطرة المحتملة، ولكنه يصبح مشكلةً عندما يبدأ في تعطيل حياتنا اليومية. على سبيل المثال، عندما تقلق بشأن ما إذا كانت هناك شبهةٌ حول استخدام بطاقتك الإئتمانية، فذلك أمر صحي وطبيعي، أما الشعور بالرهبة والخوف عند تلقيك دعوةً إلى حفلة ما، فتلك مسألة أخرى.
يكمن جزء من المشكلة في أن القلق يمكن أن يتعزز ذاتياً. على سبيل المثال، إذا كنت تعاني من القلق الاجتماعي، فإن إلغاء خطط الحفلات سيجعلك تشعر بالراحة فوراً. ولكن بمرور الوقت، يخلق ذلك لديك عادة تجنّبٍ تمنعك من تعلّم إدارة القلق وعيش حياتك بطريقةٍ صحية.
ولا يقتصر الأمر على إلغاء الخطط في اللحظة الأخيرة فقط. على سبيل المثال، يُعدّ الإسراف في الشرب في التجمعات أيضاً نوعاً من التجنب، وينطبق الشيء نفسه على القدوم مبكراً إلى الحفل والمغادرة عندما يكثر عدد الحاضرين، أو قضاء معظم وقتك على الهاتف.
مثل أي مهارةٍ أخرى، تتطلب إدارة القلق ممارسةً وتدريباً، وعندما لا تفعل ذلك بما فيه الكفاية، فسيصبح الأمر أكثر صعوبة. يشير جوننيا إلى أنه وبغض النظر عن مدى انفتاحك أو بقائك بعيداً عن الناس، فإن عودة تفاعلاتك الاجتماعية إلى سابق عهدها قبل الجائحة تتطلب المزيد من العمل والتدريب، حيث يقول: «ستكون هناك مرحلة تكيّف، وقد يواجه الذين يعانون من مشاكل نفسية موجودة لديهم سابقاً صعوبةً أكبر».
من المؤكد أن الانفتاح والتحلي بالصبر مع أي شخصٍ يعاني من القلق يمكن أن يسهّل عليه هذه المرحلة الانتقالية.
طرق التعامل مع القلق من العودة للحياة الطبيعية بعد جائحة كورونا
لا يوجد حل بسيط لعلاج القلق. التعامل مع هذه الحالة هو عملية يمكننا مساعدة الآخرين من خلالها، بشرط أن نفهم حدودنا.
1. قبول الآخرين هو المفتاح:
يقول جوننيا: «يقلق بعض مرضاي بسبب الخوف من أن يلاحظ الآخرون قلقهم. لذا فإن سؤالهم عما إذا كانوا بخير في الوقت الحالي قد يؤدي في الواقع إلى زيادة قلقهم. عوضاً عن ذلك، فإن سؤال المرء عن حاله وتركه يتحدث خيارٌ أفضل، خصوصاً إذا لم تكن قد رأيته منذ فترةٍ طويلة».
تقول «كيلي هيفت»، مستشارة الصحة العقلية المرخصة: «إن ترك الشخص يقرر بنفسه ما الذي سيساعده وما لن يساعده يمكن أن يمنحه الشعور بقدرٍ أكبر من التحكم في الموقف، مما قد يخفف من قلقه بشأن الانفتاح».
2. كن منفتحاً ولا تتعجّل بالحكم:
قد تظن أنك تعرف ما يعاني منه شخصٌ ما، ولكن لا تنسَ أنك لا تعلم القصة الكاملة، وما قد يبدو لك ظاهرياً أمراً هيناً قد يسبب الألم والضيق الشديدين لشخصٍ آخر في الواقع. يقول جوننيا: «تستجيب عقول الناس وأجسامهم بشكل مختلف للمدخلات، وهي ليست مسألة قوة أو ضعف؛ فهناك عوامل تعود إلى تنشئتك قد تؤثر على كيفية إدراكك للمدخلات الجديدة، وكيفية معالجة جسمك لاستجاباتك اللا إرادية».
في الواقع، لن تعلم تماماً الظروف التي مرّ بها أي شخصٍ آخر، لذلك فإن الاعتراف بما مر به سيكون له أثرٌ أكبر من مجرّد الإشارة إلى أنه ليس بهذا السوء. على سبيل المثال، جرّب استخدام عباراتٍ مثل «أعرف مدى صعوبة ذلك بالنسبة لك» أو «هل يمكنني القيام بشيءٍ ما للمساعدة؟».
3. تجنب إعطاء النصيحة أو تقديم حلول ما لم يُطلب منك ذلك:
يتجلى القلق بعدة طرق مختلفة، ويختلف قلق كل شخص. لذلك ، وتقديم إحداها يمكن أن يُشعر من يعاني من القلق بتجاهل ورفض مشاعره وتجربته التي يعاني منها. عوضاً عن ذلك، اسأله عما قد يحتاجه منك، أو إذا كان يريد معرفة ما إذا مررت بظروفٍ مشابهة وكيف تجاوزتها.
الأهم من ذلك كله، علينا التحلي بالصبر تجاه بعضنا البعض، وقبول أننا قد تغيرنا بعد الجائحة. ربما يتعين علينا التعرف على بعضنا البعض وعلى أنفسنا مرةً أخرى، وعلينا جميعاً التعاون لتجاوز هذه المرحلة.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً