حول الوقت واعتقادنا بأن أطفالنا يكبرون بسرعة. أعتبر نفسي من الرجال الذين يستحيل أن تجد لهم هديةً مناسبةً في عيد الأب، فأنا لا أرتدي ربطات العنق، وجواربي كلها متشابهة لعدم كفاءتي باختيارها، أستمتع بالطهي الذي يتيح لي بعض الخيارات؛ لكن لدي عادةٌ مزعجة تتمثل في شراء الأدوات المفيدة عندما أحتاجها فقط؛ مثل الأكياس الورقية المصممة خصيصاً لتخزين الجبن، أو أدوات المطبخ التي تقطع الخضار على شكل المعكرونة، وترك أقاربي يقومون بشرائها لي.
مع احترامي لعائلتي، فالحقيقة هي أن هدية عيد الأب المفضلة التي حصلت عليها هذا العام كانت «الوقت»، أو بكلامٍ أدق؛ اكتسابي فهماً جديداً حول كيفية تشويه عقلي لإدراكي للوقت. أنا متخصص في علم النفس الاجتماعي، وأقوم بدراسة كيفية تشكيل عقول الناس لتجاربهم الذاتية، وفي هذا الصدد؛ وجدت أن هناك القليل من التجارب الذاتية مثل تجربة الزمن.
طفولةٌ تمر بلمح البصر
من المؤكد أن كل والد يعاني من نفس الآلام التي أشعر بها بعد أن بلغت ابنتي عامها التاسع. في عامها الأول، بدا أن الليالي الطويلة التي لا أنام فيها وأنا أسهر على راحتها لن تنتهي أبداً. مرت أيام كثيرة على هذه الحال، كنت أتمنى فيها أن أرى اليوم الذي تستمتع فيه باللعب أو بالرسم بمفردها، حتى لبضع دقائق، شعرت وكأنني أتسلق جبلاً بشق الأنفس وأنتظر الوقت الذي سيأتي ويمكنني الاستراحة فيه.
الآن؛ وبينما تقترب طفلتي من مرحلة ما قبل المراهقة، أشعر بأن الزمن قد تسارع بطريقةٍ ما بسرعةٍ رهيبة. صعدنا القمة في مكان ما ولكننا لم نهبط بعد ذلك ببطء؛ بل شعرت وكأنني أسقط بشكلٍ حر سريع وأسمع صوت أزيزٍ لا يمكنني إبطاؤه مطلقاً.
هل هذا الشعور بمرور الوقت بسرعة أمر لا مفر منه؟ لقد كشف العلماء عن رؤىً مذهلة حول كيفية تسجيل الدماغ مرور الوقت. إن فهم هذه الآلية لن يجعل هذا الشعور المزعج يختفي تماماً؛ ولكنه قد يخفف من الألم الذي تسببه.
اقرأ أيضاً: فوائد الرسم للأطفال: 6 طرق تساعد طفلك على التعبير عن مشاعره
مرور الوقت
يحدث هذا الإحساس بتسارع أو تباطؤ الوقت في كثيرٍ من مناحي حياتنا. بشكلٍ عام؛ نشعر أن وقتنا يمر بسرعة أكبر مع تقدمنا في السن. هل تذكر كم كانت عطلة الصيف تبدو طويلةً عندما كنت طفلاً؟ ومن المفارقات التي نشعر بها مع تقدمنا في السن أيضاً، تبدو الفترات الزمنية الطويلة كالعقود تمرّ بسرعةٍ أكبر من الفترات الأقصر مثل الأيام وحتى الدقائق.
لقد كشف بحثٌ غير منشور أجرته «هايدي فوليتش» في مختبري أن الموارد الشحيحة تجعل المستقبل يبدو بعيداً، وهو ما يفسّر سبب اتخاذ الأطفال الفقراء قراراتٍ متسرعة أكثر من أطفال الطبقة الوسطى. ويبدو أن الوقت يتباطأ أيضاً أثناء الحوادث العاطفية المشحونة - سواء كان حادث سيارة أو قضاء الليل بدون نوم.
هل يصبح الوقت حقاً بطيئاً أثناء حادث سيارة؟ هل يتسارع حقاً مع تقدمنا في العمر؟ تشترك هذه الظواهر في أن الشعور بها وتجربتها تتم بأثرٍ رجعي أو مستقبلي، وليس في الوقت الحقيقي. في الحقيقة؛ لا توجد طريقة لإعادة تجربة حادث السيارة دون استخدام ذاكرتنا لتجربتها مجدداً. إذاً عندما نشعر أن الوقت يتباطأ أو يتسارع، هل يحدث ذلك في الوقت الحقيقي؟ أم الأمر مجرد وهمٍ تجعلنا ذاكرتنا نشعر به؟
أجرى عالم الأعصاب ديفيد إيغلمان وزملاؤه تجربةً ذكية لاكتشاف ذلك؛ حيث استخدموا برجاً للقفز في مدينة ملاهي في دالاس يصل ارتفاعه إلى 30 متراً، وطلبوا من المشاركين القفز بشكلٍ حر ليسقطوا في شبكةٍ في الأسفل، وقد رُبط جهاز كرونومتر بمعصمهم (الكرونومتر جهازٌ لقياس إدراك الوقت). كانت الساعة عبارةٌ عن شاشة يومض عليها الوقت بسرعة كبيرة بحيث يصعب تحديد الأرقام، و كان الهدف من استخدامها هو أنه إذا كان الوقت يتباطأ حقاً بالنسبة للدماغ عند السقوط، فيجب أن يكون الشخص الذي يسقط بشكلٍ حر قادراً على تحديد المزيد من الأرقام التي تومض سريعاً على الشاشة بدقة كلّ ثانية مقارنةً بالحالة التي يكون فيها على الأرض.
إذاً ماذا حصل؟ عندما طُلب من المشاركين بعد ذلك تقدير مدة سقوطهم، بالغوا في تقدير الوقت الذي بقوا فيه في الهواء بأكثر من الثلث. لقد تباطأ الوقت في ذاكرتهم بالفعل؛ ولكن وفقاً للأرقام التي أبلغ المشاركون عن رؤيتها على الكرونومتر، مرّ الوقت بنفس المعدل العادي الذي كان عليه قبل السقوط الحر.
ولذلك، فبالرغم من أننا نتذكر حادث السيارة بالحركة البطيئة على ما يبدو؛ لا يسمح لنا الوقت الإضافي بأية قدرةٍ على الابتعاد عن الطريق، لأن الحركة البطيئة موجودةٌ في ذاكرتنا فقط، وليست في الوقت الحالي، وينطبق هذا الأمر على تجاربنا الأخرى بتسارع وتباطؤ الوقت، فالإحساس بالوقت ليس في حاضرنا - إنه محصورٌ في ذاكرتنا فقط.
الحاضر هو الآن
إذاً هل شعورنا بأن أطفالنا يكبرون بسرعة كبيرة هو أمر محتوم؟ من المحتمل أننا نشعر بالوقت بهذه الطريقة عندما نتذكر الماضي. ومع ذلك، فإن الدرس الأكثر أهميةً لا يتعلق بالماضي بل بالحاضر. الآن بعد أن أصبحت أشعر بأن ابنتي وصلت إلى سن المراهقة بسرعةٍ كبيرة، من المهم أن أدرك أن الوقت لا يهرب مني بالفعل. كل لحظةٍ تدوم كما كانت عندما كنت طفلة، وكل لحظةٍ تحمل الكثير من الفرح والألم بقدر ما ستحمله غداً.
وهكذا، فإن هذه النظرة هي دعوةٌ لعدم التركيز على الماضي أو القلق بشأن المستقبل. يوماً ما سأفكر في الماضي وفي رأسي الكثير من الأفكار، وأتذكر أيام الصيف الطويلة البطيئة؛ لكن في الوقت الحالي عليك أن تعيش اللحظة التي أنت فيها. ما تزال ابنتي الآن تحب أن تنام وأنا أقرا لها، والآن ما أزال بالنسبة لها الوالد الحنون والقوي الذي يمكن أن تلجأ إليه وتحتضنه عندما تحتاج ذلك.
ماذا يريد الأب أكثر من ذلك؟
اقرأ أيضاً: ما هو السن الأنسب لتعليم الأطفال مهارات مثل القراءة والسباحة؟
هذا المقال من «ذي كونفيرسيشن» عبر بوبيولار ساينس بواسطة «كيث باين»؛ أستاذ علم النفس وعلم الأعصاب بجامعة نورث كارولينا في تشابل هيل.