دليلك للتعرّف إلى آثار التدريب الرياضي على الأطفال

4 دقائق
التدريب الرياضي على الأطفال
shutterstock.com/ Gorynvd

التدريب هو طريقك للمثالية؛ هذه هي الرسالة التي يسلّم بها الأطفال وأولياء أمورهم والمدربون فيما يتعلق بالرياضة. اليوم، ووفقاً لبعض التقديرات؛ يركّز حوالي ثلث الرياضيين في سن المدرسة على رياضة واحدة، كما أنهم يشاركون في نظم تدريب مكثفة على مدار العام، وأحيانا ضمن فرق مختلفة متعددة، كما أنهم يضيّقون نطاق تركيزهم في سن مبكرة جداً أيضاً. وفقاً لـ «نيرو جايانثي»؛ طبيب في مجمّع «إيموري للطب الرياضي» في مدينة أتلانتا، فإن العديد من الأطفال بدؤوا في ممارسة رياضة واحدة في أعمار تتراوح بين 10 و 12 عاماً، فما هو تأثير التدريب الرياضي على الأطفال؟

لم تكن رياضات الشباب على هذا الحال دائماً. يقول جايانثي: تحوّل التركيز في الرياضة من النشاطات التي كان الهدف منها التسلية مع الأصدقاء فقط إلى «كم يمكن أن تصبح جيّداً وما مدى سرعتك في التحسّن». منذ حوالي عقدين من الزمن، كان جايانثي من بين الباحثين الأوائل الذين دقوا ناقوس الخطر بشأن ما أسماه «التخصص الرياضي للشباب».

اليوم؛ تشير مجموعة من البحوث إلى أن هذه النزعة تأتي على حساب الرياضيين الشباب. يرتبط التدريب مفرط التركيز على مدار العام بزيادة معدلات الإرهاق والإصابات لدى الأطفال. يتّفق خبراء الطب الرياضي وخبراء آخرون على أن الأطفال يفتقرون إلى التحكم العصبي العضلي، وأنهم ليسوا متطورين جسدياً بما يكفي للقيام بنشاطٍ واحد مراراً وتكراراً، كما يتفّقون على أن تشجيع الأطفال على القيام بذلك قد يكون له عواقب طويلة المدى على صحتهم الجسدية والعقلية.

التمارين الرياضية الكافية

Boy, Scooter, Kick, Bike, Kid, Child, Male, Son

اشتهر «تايغر وودز» ببدء ممارسة لعبة الغولف عندما كان في الثانية من عمره، وبدأت «سيرينا ويليامز» تلعب التنس في الرابعة من العمر. غذّت قصص الرياضيين المشهورين -الذين بدؤوا ممارسة رياضاتهم في سنٍ مبكّرة- التصوّر الذي يتمثّل في أنه حتى تكون ناجحاً، عليك أن تبدأ في سنٍ مبكّر وتتدرب جيداً.

يقول جايانثي أن قاعدة الـ 10,000 ساعة التي روج لها الكاتب «مالكولم غلادويل» في كتابه الصادر عام 2008 باسم «القيم المتطرفة»، شجعت هذا الاعتقاد. تنص هذه القاعدة على أنك بحاجة للتدرّب لـ 10,000 ساعة لتحقيق إتقان مهارة معقدة (كما اتضح وفقاً لجايانثي، لم تكن هذه القاعدة تخص الرياضيين أبداً. ركّزت الدراسات الأوّلية التي أشارت إلى هذا الرقم على أعداد صغيرة من أبطال الشطرنج والموسيقيين المحترفين، كما أن المزيد من البيانات الأحدث تتعارض مع هذه النتائج).

كنتيجة لهذه الأفكار الخاطئة؛ يعتقد الآباء والمدربون أنهم إذا لم يشجعوا الأطفال على التركيز على رياضة واحدة على مدار العام، فإن الرياضيين الشباب سيتخلّفون عن الركب؛ وذلك وفقاً لـ «إليزابيث ماتزكن»؛ جرّاحة العظام في مستشفى «بريغام وومن» في بوسطن. تقول ماتزكن: «هذا ليس صحيحاً؛ لكن الخوف من التخلّف عن البقية هو واقع حقيقي». في استطلاع للرأي شمل 201 من أولياء أمور الأطفال الرياضيين، كان أكثر من نصفهم يأمل في أن ينتهي المطاف بأولادهم ليمارسوا الرياضة بشكلٍ احترافي، أو على الأقل في الجامعة؛ وهو إنجاز حققه أقل من 1% من الأطفال بالفعل. كان هؤلاء الآباء أكثر ميلاً إلى تشجيع أطفالهم على التخصص في الرياضة.

كما اتضح أنه لا توجد أدلّة علمية تبيّن أن التركيز على رياضة واحدة بشكلٍ خاص في مرحلة الطفولة يعزّز النجاح مستقبلاً. استعرضت مجموعة من الأطباء العلماء؛ ومنهم جايانثي، 22 دراسة مختلفة حول تاريخ تدريب الرياضيين البالغين النخبويين وغير النخبويين. وفقاً لـ جايانثي؛ كانت النتائج التي نُشرت في عام 2019 في دورية «ذا بريتيش جورنال أوف سبورتس ميديسن»، واضحةً: «لم تُظهر أية دراسة من تلك الدراسات أن هناك أي أفضليةً ناتجة للتخصص».

وجدت إحدى الدراسات التي تم شملها في المراجعة؛ والتي نُشرت عام 2013 في دورية «ذا جورنال أوف سبورتس ساينسز»، أن العكس هو الصحيح: من بين أكثر من 1000 رياضي؛ كان أولئك الذين مارسوا 3 رياضات في سن الـ 11 و 13 و 15 عاماً أكثر عرضةً بمرتين أن يلعبوا على المستوى الوطني في مرحلة المراهقة المتأخرة؛ مقارنةً بأقرانهم الذين مارسوا رياضةً واحدةً فقط.

التخصص يؤذي الأطفال: كيف ذلك؟

ببساطة؛ الأطفال الرياضيون ليسوا بالغين صغار الحجم. لا تتمتع العقول النامية للرياضيين الشباب بنفس السيطرة على عضلاتهم مثل المراهقين الأكبر سناً أو البالغين؛ إذ أن إتقان هذه القدرة يستغرق الوقت. تقول ماتزكن أن أجساد الأطفال ليست قويةً أو قادرةً على تحمّل الحركات المتكررة؛ وهذا يجعلهم عرضةً لخطر الإصابات الناتجة عن فرط الإجهاد؛ مثل كسور السيقان، وكسور الإجهاد.

يمكن أن يكون لإصابات الأطفال هذه عواقب طويلة المدى؛ مما قد يؤدي إلى حالات تنكسية في مرحلة البلوغ؛ مثل التهاب المفاصل في مواقع الإصابات القديمة. تقول ماتزكن: «يمكننا إعادتهم إلى الملاعب، ويمكننا علاجهم؛ ولكن لا يمكننا لن نقي من العواقب التي يمكن أن تظهر بعد 15 أو 20 عاماً».

يتعرض أي طفل يمارس الرياضة لبعض مخاطر الإصابة؛ لكن الأدلة تشير إلى أن ممارسة رياضة واحدة تزيد من احتمالية الإصابة. في عام 2015، فحص فريق من خبراء الطب الرياضي 546 لاعبة كرة سلة وكرة قدم وكرة طائرة، وسألوا الرياضيين عن مستويات الألم لديهم وأنظمة التدريب خاصتهم. بيّنت النتائج؛ والتي نُشرت في دورية «ذا جورنال أوف سبورتس ريهابيليتيشن»، أن الرياضيات اللواتي يمارسن رياضة واحدة كنّ أكثر عرضةً بـ 4 أضعاف للتعرّض لإصابات في الركبة من اللواتي يمارسن عدّة رياضات.

الحفاظ على عامل التسلية أثناء ممارسة الرياضات

تقول ماتزكن أن ممارسة عدّة رياضات لا تقتصر على تمرين مجموعات عضلية مختلفة فقط (مما يمنح العضلات وقتاً للراحة)؛ بل تساعد الأطفال على تطوير التحكم العصبي العضلي الذي يحتاجون إليه للنجاح، وتجنّب الإصابات مثل تمزق الأربطة، كما تضيف أن هذا يقي من الإرهاق النفسي والجسدي الذي يمكن أن يمنع الأطفال من ممارسة النشاط البدني في مرحلة البلوغ.

يشير بعض الخبراء إلى أن العوامل مثل حجم التدريب الهائل والضغط للمنافسة على مستوى عالٍ؛ بدلاً من عامل عدد الرياضات المُمارسة، تلعب دوراً في الإصابة والإرهاق أيضاً. معظم الدراسات التي تفحص التخصص الرياضي هي دراسات استعادية، ولا يتم فيها التحكم في عوامل مثل ساعات التدريب.

يقول جايانثي إنه من الممكن أن يكون الفرد رياضياً متخصصاً يتمتع بصحة جيدة؛ لكن ذلك يتطلب مراقبة متسقً وددقيقةً لنظام التدريب بالنسبة للرياضيين الشباب. من المهم أيضاً التأكد من أن الطفل سعيد بحجم التدريب ولا يشعر بضغط كبير للفوز، وإذا كان الرياضي الشاب يرغب في ممارسة رياضة ما على مستوى عالٍ، فهناك سن يكون فيه التخصص مناسباً. يقول جايانثي: «التخصص ليس خياراً سيئاً بالنسبة للجميع».

يقول جايانثي أنه بالنسبة لمعظم الأطفال، فيجب على الآباء ألا يفكروا في السماح لأطفالهم بالتخصص في رياضة ما قبل بلوغهم سن الرابعة عشرة، حتى لو شجّع المدرب على ذلك، وحتى إذا كان الطفل يتوسل لترك الرياضات الأخرى. بحلول منتصف المراهقة أو أواخرها؛ من الآمن إعادة النظر في هذا القرار. يقول جايانثي: «عليكم كآباء أن تفعلوا ما أنتم متأكدون من أنه الأفضل لأطفالكم».

وفقاً لماتزكن، ففي نهاية المطاف؛ يجب على الآباء وأطفالهم أن يضعوا المتعة في اعتبارهم كهدف من التدريب الرياضي في سن الشباب. تقول ماتزكن: «عندما ننظر إلى جميع الرياضيين الشباب لدينا، فإن أقل من 1% سيصلون إلى مستوى النخبة»، وتضيف: «لذا فربما يكون العثور على مزيد من المتعة في الرياضات أكثر أهميةً من السعي إلى الوصول إلى النخبوية».

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً

المحتوى محمي