أظهرت التقارير الأخيرة أن تسجيل الأطفال في التعليم المنزلي في ولاية فيكتوريا بأستراليا عام 2020، زاد بنحو 4 أضعافٍ عن المعدل في العام السابق. وجد أفراد بعض العائلات ممن لجؤوا لتعليم أطفالهم في المنزل أثناء الإغلاق، متعةً أكبر بقضاء المزيد من الوقت مع بعضهم، وأن الأطفال قد تعلّموا بشكلٍ أفضل في المنزل، وربما يصبح الآباء- على ما يبدو- على وعيٍ أكبر بحجم الصعوبات الأكاديمية أو الاجتماعية التي يواجهها أطفالهم في المدرسة، ويقررون بالتالي متابعة تعليم أبنائهم في المنزل حتى بعد انتهاء الجائحة.
في الواقع؛ لقد كان التعليم المنزلي في ارتفاع حتى قبل جائحة فيروس كورونا. حسناً، إذا كنت تفكّر في التعليم المنزلي لأنك تعتقد أن أداء طفلك سيكون أفضل، ولكن لست متأكداً إذا ما كان هذا هو الخيار الصحيح الذي يجب القيام به، فإليك 5 أشياء يجب وضعها بعين الاعتبار:
1. يختلف التعليم المنزلي عن التعلم الافتراضي
التعلم الافتراضي هو قيام المعلمين بتقديم المناهج الدراسية للأطفال في المنزل؛ كما حدث أثناء إغلاق المدارس مؤخراً، وهذا يشبه إلى حدٍ كبير التعليم عن بُعد؛ وهو ما تلجأ إليه- على سبيل المثال- بعض العائلات إذا كانوا يعيشون في أماكن بعيدة عن موارد التعليم.
أما في حالة التعليم المنزلي، يختار الآباء تلبية متطلبات أطفالهم التعليمية بأنفسهم؛ بدلاً من اللجوء إلى التعليم الحكومي أو خيارات المدارس الأخرى. يُعتبر التعليم المنزلي قانونياً في جميع الولايات والأقاليم في أستراليا وبعض بلدان العالم، ولكن هناك شروطاً مختلفةً للتسجيل والمراقبة.
2. يستغرق التعليم المنزلي الكثير من الوقت والجهد
يقوم بعض الآباء بإنشاء بنيةٍ مدرسية في المنزل، ويضعون خططاً للدروس وأوقات الراحة الروتينية، كما يمكنهم الاستعانة بمعلمٍ للمساعدة في تعليم أطفالهم أو القيام بذلك بأنفسهم، بينما يفضّل آخرون اتباع أسلوبٍ غير منظّمٍ أو لنقل «غير مدرسي»؛ وتلك طريقةٌ غير رسمية تدعم الأنشطة التي يختارها الطلاب بأنفسهم بدلاً من الدروس التي تجري بإشراف المعلم.
تستغرق عملية تطوير روتين التعليم المنزلي بعض الوقت والجهد والصبر، وقد يُطلب من أولياء الأمور تقديم خطةٍ إلى قسم التعليم في الولاية؛ والتي يجب -في معظم الحالات- أن تُظهر توافقاً بين تعلم أطفالهم في المنزل مع المناهج الدراسية الوطنية.
اقرأ أيضا:
قد يُضطر الآباء إلى تطوير أو تضمين منهج مدرسي كامل في المنزل دون الاستعانة بالموارد المتاحة في المدارس، وحتى إذا قرر الآباء تعليم الأطفال بطريقةٍ غير روتينية، سيحتاجون إلى بذل الكثير من الوقت والجهد؛ على سبيل المثال، قد يستغل الأب ذهابه إلى المتجر برفقة طفله لتعليم الطفل درساً في الجغرافيا أو الرياضيات (يترك الطفل يحسب تكلفة المشتريات مثلاً)، أو الاقتصاد (يناقشان عوامل العرض والطلب في المتجر)، ولكن كلّ ذلك قد يستهلك المزيد من الوقت في الواقع.
لذلك يجب على الآباء الأخذ بعين الاعتبار قدرتهم ورغبتهم في تولّي هذا الدور الرائد في تعليم أطفالهم؛ إذ قد يتسبب ذلك في خسائر عاطفية، والشعور بالعزلة إذا لم يكن لديهم خطّة، أو دعم كافٍ.
3. النظر في الصعوبات الاجتماعية في المدرسة
تقوم بعض العائلات بالتعليم في المنزل لأسبابٍ دينية أو أيديولوجية، بينما تدفع بعض القيود العملية عائلاتٍ أخرى للجوء إلى التعليم المنزلي؛ هذه القيود قد تكون بُعد المدرسة عن المنزل، أو معاناة طفلهم من ظرفٍ صحي خاص.
يمكن أن يواجه العديد من الأطفال صعوبات في حول تأثير التحول إلى التعليم المنزلي على الأطفال ممن يواجهون صعوبات في المدارس التقليدية.
لكن على الآباء إدراك أن المدارس مُلزمةٌ قانونياً بتوفير بيئةٍ آمنةٍ للأطفال، يجب عليهم معالجة سلوك التنمر وتقديم الدعم لكلّ من الضحية والجاني في مثل هذه الحالات. عندما تكون هناك مشاكل معقدة في المدرسة، يجب على الآباء والمعلمين والمدرسة والأطفال -إذا اقتضت الحاجة- التعاون لتحسين الوضع.
في الواقع؛ يحتاج الأطفال غالباً إلى دعم المعلمين وأولياء الأمور للتغلب على التعرض للتنمر، لكن إذا سُمح لهذا السلوك بالاستمرار مع استنفاد الخيارات، فسيكون الطلاب أكثر عرضةً للإصابة بمشاكل نفسية سلبية جرّاء استمرار تعرضهم للتنمر.
تُظهر البيانات من عام 2016 أن حوالي 70% من الأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين 12-13 عاماً، قد تعرضوا لسلوكٍ مشابهٍ للتنمر مرةً واحدة على الأقل خلال ذلك العام، ومن المعروف أن جميع أشكال التنمر يمكن أن تسبب للأطفال أضراراً نفسيةً وجسديةً كارثيةً وطويلة الأمد. في هذا الصدد؛ تبيّن أن بعض الشباب الذين أقدموا على الانتحار، إنما فعلوا ذلك نتيجة تعرضهم المستمر للتنمر.
تشير الأدلة إلى أن التنمر يبني تجربةً مؤلمةً لدى الطلاب؛ لذلك من المهم أن تكون استجابة المعلمين والمدارس للتنمر صحيحةً في هذا السياق، وإلا فإن معالجتها بشكلٍ غير صحيح يتسبب للطلاب بضغطٍ نفسي كبير، لكن العديد من المدارس ليس لديها القدرة على إدارة التنمر وغيره من المواقف غير الآمنة التي قد يتعرّض لها الأطفال بشكلٍ مناسب، وفي هذه الحالة؛ وعندما يلاحظ الوالدان ظهور علاماتٍ من الضيق النفسي ومشاكل سلوكية باستمرار على أطفالهم، قد يقررون إخراج أطفالهم من المدرسة وتعليمهم في المنزل.
قد يساعد الدعم المتخصص من طبيب نفسي الآباء والطلاب على فهم فوائد ومشاكل التحوّل إلى التعليم المنزلي، وإذا كانت هناك مخاوف اجتماعية، أو مخاوف تتعلق بقلق الانفصال، فيجب معالجة هذه المشكلات، لأنها من المحتمل أن تستمر في المنزل أيضاً.
4. يمكن للأطفال الازدهار أكاديمياً
يجب مراعاة النتائج الأكاديمية للأطفال في سياق تشجيع الآباء لاختيار التعليم المنزلي؛ على سبيل المثال، إذا كان الحافز الأساسي لأحد الوالدين هو التعليم الديني، فقد يفقدون التركيز على تحصيله الأكاديمي. تُظهر الأبحاث أن النتائج الأكاديمية للأطفال الذين يتلقون تعليمهم في المنزل متباينة، ويرجع ذلك جزئياً إلى وجود دوافع أبوية مختلفة قد لا تولي الأولوية للمهام الأكاديمية.
تركّز بعض الدراسات في أستراليا على نتائج برنامج التقييم الوطني؛ والذي يقوم بسلسلة من الاختبارات السنوية تركز على المهارات الأساسية للطلاب، تقوم هذه الاختبارات الموحدة بتقييم قراءة الطلاب وكتابتهم ولغتهم -تهجئة وقواعد وعلامات ترقيم- والحساب، وتتم إدارتها من قبل هيئة المناهج والتقييم والتقرير الأسترالية. تشير هذه النتائج إلى أن الطلاب الذين يتلقون تعليمهم في المنزل يحصلون على درجاتٍ أعلى من متوسط الطلاب الآخرين في الولاية على جميع المقاييس، وتبقى هذه النتائج حتى لو عاد الطفل إلى تلقي تعليمه في المدرسة.
قد يكون أداء هؤلاء الأطفال جيداً بسبب الاهتمام بهم وتعليمهم بشكلٍ فردي، أو قد يكون ذلك بسبب تخصيص عملية التعلّم بما يتناسب مع احتياجات ورغبات الطفل.
5. أثر البيئة التعليمية على تنشئة الطفل الاجتماعية
تتأثر التنشئة الاجتماعية أيضاً بدوافع الآباء وطرق التعليم المستخدَمة؛ فقد تكون لدى الأطفال الذين يدرسون في المنزل مجموعة متنوعة من التفاعلات الاجتماعية مع أشخاص من مختلف الأعمار؛ بما في ذلك البالغين. يُظهر مسح للعائلات التي تقوم بتعليم أطفالها في المنزل، أن حوالي 50% من الأطفال شاركوا في أحد أنشطة النوادي، أو الأنشطة الخارجية، وشملت هذه الأنشطة 24 رياضةً مختلفة؛ مثل: كرة القدم، الجمباز، نوادي الليغو والشطرنج وغير ذلك، كما اتّبع حوالي 40% من هؤلاء الأطفال دورةً تعليميةً منتظمةً واحدةً على الأقل؛ انطوت على تعلّم لغاتٍ جديدة، البستنة، الشِّعر، وعلوم الآثار وغيرها.
ووفقاً للمسح أيضاً؛ كان لدى غالبية الأطفال مواعيد منتظمة للّعب مع أطفال آخرين؛ سواء كانوا أطفال عائلاتٍ تتبع التعليم المنزلي، أو لا تتبعه، كما شارك هؤلاء الأطفال بمختلف الأنشطة الفنية المجتمعية؛ مثل: المسرح المجتمعي، الفرق الموسيقية، الجوقات والرقص، والفنون البصرية.
يجب على الآباء الانتباه إلى الأسباب الكامنة وراء اختيارهم للتعليم المنزلي، وطلب المشورة لضمان أفضل النتائج لأطفالهم اجتماعياً وعاطفياً وأكاديمياً.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً