اتخذ والدا بيلار جميع الاحتياطات الموصى بها لحمايتها من مخاطر فيروس كورونا فبقِي الجميع في المنزل، وابتعدوا عن الأقارب والأصدقاء والأنشطة الاجتماعية. تابعت بيلار تعليمها عن بعد طوال فترة الجائحة كطالبةٍ في الصف الأول ثم الثاني. مع بدء تخفيف الإجراءات الاحترازية وحصول جدتها على لقاح فيروس كورونا؛ بدأ والدا بيلار بحثّها على العودة إلى الحياة الاجتماعية وزيارة جدّتها، والخروج لممارسة الأنشطة كباقي الأطفال، لكن والديها لاحظا أنها باتت تقول دائماً: «لا أريد الذهاب».
ترفض بيلار الذهاب إلى صف الجمباز، ومحلّ البقالة، وحتى إلى مطعمها المفضل الذي يقدم الوجبات في الهواء الطلق. بعد عامٍ على الجائحة؛ بدت بيلار البالغة من العمر 7 أعوام متوترةً وقلقةً بشأن العودة إلى الحياة الاجتماعية والتواصل مجدداً مع محيطها البعيد عن عائلتها. أربك ذلك والديها خاصة مع اقتراب موعد إعادة فتح المدارس وضرورة حضور التلاميذ شخصياً.
بصفتنا باحثين وأطباء يعملون بشكلٍ مباشر مع الأطفال والأُسر الذين يعانون من القلق؛ فقد سمعنا العديد من القصص المشابهة مع دخول الولايات المتحدة مرحلةً جديدةً من جائحة فيروس كورونا. فقد أصبح تجنّب بعض الأطفال التواصل مع الآخرين أمراً اعتدنا على سماعه مؤخراً، مما قد يجعل مسار العودة إلى التواصل الطبيعي مع الآخرين تحدياً صعباً بالنسبة للعديد من الأطفال.
الشعور بالتوتر أمر طبيعي
في الواقع؛ لقد أدت الجائحة إلى تغييراتٍ مفاجئةٍ ومستمرة في روتين حياة العائلات، وانطوت على المزيد من العزلة وإيقاف التعليم العادي، وأدّت إلى تدهور الصحة العقلية لجزءٍ كبير من الأطفال. فمنذ مارس/ آذار 2020؛ ازدادت حالات الإبلاغ عن القلق بين الأطفال بشكلٍ كبير، لا سيما المتعلقة بفيروس كورونا، إلى جانب زيادة الإحباط والملل والأرق وعدم الانتباه. فقد وجدت دراسة استقصائية جرت في صيف عام 2020 أن أكثر من 45% من المراهقين أبلغوا عن أعراض الاكتئاب والقلق، وإجهاد ما بعد الصدمة.
وفي نفس الوقت ازدادت معاناة الآباء العاطفية. فقد زادت حالات الإبلاغ عن اشتداد أعراض الاكتئاب بين البالغين، خصوصاً بين من يعاني من مستوياتٍ عالية من القلق المرتبط بخطر التعرض لفيروس كورونا أو العدوى. وفي هذا السياق؛ يُعتبر الآباء أكثر عرضةً للإصابة بالأمراض النفسية؛ فقد أبلغ الكثيرون عن عدم تلقيهم دعماً شخصياً كافياً منذ بدء الجائحة. في الواقع؛ على الآباء الموازنة بين متطلبات العمل وإدارة المنزل والتعليم عن بعد، وتحمّل سلوك أطفالهم خلال أوقات العزل المطولة. ربما يتكيف الكثيرون مع الوضع الجديد والتحديات المرهقة، لكن البعض سيعاني من ضغوطٍ نفسية شديدة وممتدة.
إذاً: ما الذي يمكن للوالدين فعله للاعتناء بأنفسهم وأطفالهم مع عودة الحياة العامة، والتفاعل مع الناس تدريجياً؟
الإصغاء إلى مخاوف الأطفال من الإصابة بالفيروس
قد يزداد القلق لدى الأطفال والمراهقين مع عودتهم إلى المدارس والأماكن العامة والاختلاط بالآخرين. وبالطبع من المنطقي أن يكون لديهم مخاوف تتعلق بالصحة والسلامة في ظلّ الجائحة، لكن بوسع الآباء الإصغاء إلى مخاوف أطفالهم والتعبير عن تفهمهم لها بطريقةٍ تناسب أعمارهم.
ولكن يجب على الآباء الانتباه إلى مستوى هذه المخاوف. هل يقوم طفلك بالإفراط بغسل اليدين والتعقيم مثلاً؟ وهل يصرون على تجنّب الأماكن العامة التي تُعتبر آمنة؟ يمكن للآباء مناقشة مخاوف أطفالهم المبالغ بها برويةٍ وشرح الاختلاف بين احتياطات السلامة الملائمة والمفرطة لهم.
ذكّر طفلك أنه بالرغم من أهمية الحفاظ على سلامته، لكن من الضروري تحديث إستراتيجيات السلامة مع ظهور معلوماتٍ وإرشاداتٍ جديدة. بهدف مساعدة طفلك على الشعور بأنه مستعدّ للخروج والتفاعل من الناس من جديد؛ قد يكون من المفيد توضيح الفرق بين ما يمكنك ولا يمكنك أنت وأطفالك التحكّم به فيما يتعلّق باحتمال التقاط المرض، والحدّ من الطمأنينة المفرطة بشأن السلامة مع وجود خطةٍ لإدارة المواقف الصعبة عند حدوثها.
الاستعداد والعودة إلى الحياة الاجتماعية
استمر بعض الأطفال في الذهاب إلى المدرسة خلال فترة الجائحة، بينما تابع الآخرون معظم تعليمهم عبر الإنترنت، لذلك ستختلف سرعة التكيّف مع العودة مجدداً إلى المدرسة، والاندماج فيما بين الأطفال عموماً.
بالنسبة للأطفال الذين يعبّرون عن قلقهم بشأن عودتهم إلى التفاعلات الاجتماعية الشخصية، يمكن لوالدين المساعدة في تسهيل ذلك عليهم من خلال التعبير عن التعاطف معهم ببساطةٍ ووضوح، والقول لهم بأنّ هذا الوقت لم يكن سهلاً على أحد.
يمكنك مساعدة طفلك من خلال القيام بخطواتٍ صغيرةٍ يمكن القيام بها تدريجياً مع عودته للتفاعل مع الآخرين. على سبيل المثال، قد يشعر الطفل بالقلق من قضاء بعض الوقت مع الأصدقاء في الأماكن المغلقة، ولكنه قد يشعر بالراحة عند مقابلة أحد الأصدقاء في الحديقة. يمكن لهذه الطريقة أن تشجعهم على البدء في المشاركة في أنشطةٍ إضافية مع أصدقائهم، أو في أماكن مناسبة وآمنة أكثر. كما يمكن لتحديد الأهداف التدريجية أن تساعد الأطفال على الشعور بمزيدٍ من التحكّم في استجابتهم في المواقف غير المريحة.
في حين أنه قد يكون من الأسهل في الوقت الحالي استيعاب رغبة طفلك في تجنّب المواقف الاجتماعية التي تبدو مرهقةً، ومحرجة أكثر من ذي قبل، فمن المهم عدم تعزيز مثل هذا السلوك. كذلك يمكن أن يؤدي طول فترة التباعد الاجتماعي وتجنّب الآخرين إلى مزيد من القلق، وتقليل ثقة الطفل في قدرته على التواصل الاجتماعي.
بدلاً من ذلك؛ اعترف لطفلك بأن التفاعل مع الآخرين قد يكون صعباً بعد فترةٍ طويلة من العزلة، وساعده على التفكير بالطرق التي نجح من خلالها في التعامل مع مخاوف مماثلة في الماضي. على سبيل المثال؛ ذكره كيف تمكّن من التغلّب على مخاوفه عند ذهابه أول مرة إلى روضة الأطفال عندما شعر بأنه طالبٌ جديد ومختلف. ماذا فعل حينها وساعده كي يتكيّف مع البيئة الجديدة؟
إذا كان الطفل متشائماً وقلقاً حيال العودة إلى التفاعل الاجتماعي، ويعتقد أنها ستكون تجربة سيئة؛ فحاول تشجيعه على الصبر والمرونة، وساعده على تطوير توقعات أفضل وأكثر واقعية. في الحقيقة؛ قد يكون أثر التشاؤم أسوأ بكثير من واقع مخاوف الطفل من التفاعل الاجتماعي.
وضع روتين أكثر نشاطاً وتفاعلاً
أدت جائحة فيروس كورونا إلى إلغاء العديد من النشاطات التي عادةً ما كانت تنطوي على الالتزام، أو الأنشطة الاجتماعية. وربما أحب بعض الأطفال أسلوب الحياة الذي يقتصر على التفاعل مع أفراد العائلة ووجدوا فيه الدفء والحنان، ولذلك قد تبدو العودة إلى الالتزام بأنشطةٍ أكثر هذه الأيام أكثر إرباكاً بالنسبة لهم.
إذا كان طفلك يواجه مشكلة في التعامل في الانتقال من مرحلة البقاء في المنزل إلى العودة إلى روتين الحياة المنتظم؛ فحاول مساعدته على إنشاء روتين جديد يتضمّن تناول الوجبات والنوم بانتظام، وإدارة وقته بين أوقات الاستراحة الضرورية وأوقات العمل، وإنجاز واجباته المدرسية. يمكن أن تضفي هذه الخطوات مزيداً من التنظيم الذي غاب في السابق عن حياة الطفل، ويساعد في تهيئته على العودة إلى الانتظام مجدداً.
تذكر أن تجعل الأنشطة الجديدة أو المتجددة ممتعة قدر الإمكان لتشجيع مشاركة أفراد الأسرة فيها، ودعم الطفل. فبالرغم من أنك قد تصبح أكثر انشغالاً مع تخفيف قيود الإغلاق؛ فإن تخصيص بعض الوقت لقضائه مع الطفل سيساعده على الشعور بالثقة خلال المرحلة القادمة.
الخبر السار أن هناك العديد من الأطفال مثل بيلار يتمتعون بمرونةٍ عالية ويتعافون من الظروف الصعبة التي مرّت عليهم، ويمكنهم العودة إلى الحياة الاجتماعية الطبيعية مجدداً. لقد تكيّف العديد من الأطفال مع جائحة فيروس كورونا، وحتى في معظم تفاصيل حياتهم الصغيرة. ربما تستغرق عودتهم إلى الحياة الطبيعية بعض الوقت والصبر، ولكن مع الدعم الاجتماعي يمكن للأطفال الذين يشعرون بالقلق القيام بذلك بثقةٍ وراحة أكبر.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.