وفقًا لبحثنا الجديد؛ يمكن أن تؤثر النشأة في ظروف قاسية أو في حي فقير (محروم) على طريقة عمل أدمغة المراهقين؛ حيث قد يؤدي إلى تغيّر طريقة التواصل بين مناطق الدماغ المشاركة في التخطيط وتحديد الأهداف والتفكير الذاتي. يمكن أن يكون لهذه التغييرات في الدماغ عواقب على الوظيفة الإدراكية والرفاهية؛ لكننا وجدنا أيضاً أن البيئات المنزلية والمدرسية الإيجابية يمكن أن تخفف بعض هذه الآثار السلبية.
ما المقصود بالحي الفقير (المحروم)؟ هو ذلك الحي الذي يكون مستوى قاطنيه منخفضاً عموماً من ناحية الدخل والتعليم والعمل. يمكن أن يخلق النمو في هذه الظروف ضغوطاً على الأطفال، ويسبب لهم مشاكل إدراكية، ويؤثر على صحتهم العقلية.
لا نعلم في الواقع حتى الآن كيف يرتبط عامل بيئة النشأة في ظروف قاسية مع المشاكل العقلية بالضبط؛ ولكن يُعتقد أن الحرمان الاجتماعي يغيّر طريقة تطور أدمغة الأطفال.
الدماغ أثناء الطفولة والمراهقة
تتطور أدمغتنا بشكلٍ ديناميكي خلال مرحلة الطفولة والمراهقة، وبما أن دماغنا يكون «مرناً» خلال هذه المرحلة الحساسة كما نعلم، يمكن أن يكون عرضةً للتغيّرات نتيجة التجارب.
قد يؤدي التعرض لتجارب سلبية أو مرهقة (مثل النشأة في حي فقير) إلى تغيير نمو الدماغ بطريقة تجعل بعض المراهقين أقل مرونةً في المستقبل، وعلى وجه الخصوص؛ قد تؤدي النشأة في حي فقير إلى «سوء الاتصال النمائي»، أو بعبارةٍ أخرى؛ اضطرابات في الاتصال بين مناطق مختلفة من الدماغ، وتشير الأبحاث المتزايدة في هذا الصدد إلى أن مثل هذه الاضطرابات تلعب دوراً مهماً في حدوث الأمراض العقلية.
الأحياء الفقيرة والدماغ
خلال بحثنا؛ درسنا بيانات أكثر من 7500 طفل تتراوح أعمارهم بين 9-10 سنوات كانوا ضمن دراسة التطور المعرفي لدماغ المراهقين؛ وهي دراسة كبيرة وطويلة الأمد في الولايات المتحدة تركّز على تطور الدماغ وصحة الطفل، ودور العوامل البيئية المحيطة في ذلك. تضم تلك الدراسة أطفالاً من مدارس مختلفة في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى مراعاة التنوع العرقي والمستويات المختلفة للتعليم والمعيشة.
قمنا بتحليل هذه البيانات لاختبار ما إذا كان العيش في حي فقير مرتبطاً بالتغيرات في «الاتصال الوظيفي في حالة الراحة» من خلال فحوصات بنية الدماغ بجهاز الرنين المغناطيسي. يشير الاتصال الوظيفي في حالة الراحة إلى النشاط المُنسق لمناطق الدماغ المختلفة عندما الشخص مستريحاً ولا يفكر بأي شيءٍ محدد، فحتى أثناء الراحة؛ عادةً ما نلاحظ نشاطاً متزامناً بين مناطق الدماغ التي تعمل معاً لأداء المهام؛ أي أن مناطق الدماغ هذه «متصلة وظيفياً».
وجدنا أن الأطفال الذين نشؤوا في أحياء فقيرة لديهم تغييراتٍ واسعة النطاق في الاتصال الوظيفي في مناطق الدماغ المهمة للتعلّم والذاكرة والتخطيط واتخاذ القرار، والتفكير الذاتي والمعالجة الحسّية واللغة. قمنا بقياس تأثير عامل الحي الفقير من خلال استخدام «مؤشر حِرمان المنطقة»؛ وهو مقياس مركب من عوامل مختلفة مثل الدخل والعمل ومستوى تعليم الأفراد في حيّ معين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن 50% من هذه التغيرات الدماغية كانت مرتبطةً بضعف الإدراك والصحة العقلية لدى الأطفال؛ يشير ذلك إلى أن النشأة في حي فقير أدت إلى تغييرات في الوظيفة الإدراكية للأطفال وفي صحتهم العقلية.
من المهم الإشارة إلى أن هذه الدراسة كانت مقطعيةً؛ أي أنها قائمة على الملاحظة وتُجمع فيها البيانات في نقطة زمنية واحدة، لذلك فإن استنتاجاتنا حول المسببات هي تخمينية فقط، وعلاوة على ذلك؛ لا نعلم الآلية التي تسبب هذه التغييرات في الدماغ، أو لماذا تتأثر بعض مناطق الدماغ دون غيرها.
التقليل من أثر النشأة في حي فقير
أكمل الأطفال وأولياء الأمور استبياناتٍ حول بيئتهم المعيشية كجزء من دراسة التطور المعرفي لدماغ المراهقين، وقد سمح لنا ذلك بالنظر فيما إذا كانت البيئة المنزلية والمدرسية الإيجابية يمكن أن تخفف من الآثار السلبية لنشأة الأطفال في حي فقير. لقد وجدنا دلائلَ مؤكدةً على أن التغيرات الدماغية كانت أقل وضوحاً لدى الأطفال الذين يعيشون في بيئاتٍ منزلية ومدرسية إيجابية؛ يشير ذلك إلى أن الدعم الأبوي الجيد والتعليم الإيجابي يمكن أن يخفف بعض الآثار السلبية للنشأة في حي فقير.
يتضمن دعم الوالدين أشياءَ مثل ابتسامهم للطفل دائماً، ودعمه وجعله يشعر بشكلٍ أفضل عندما يكون منزعجاً، ومناقشة مخاوفه والتعبير عن حبهم له.
اتصفت البيئات المدرسية الإيجابية بتوفير الأنشطة اللامنهجية، وبالعلاقات الصحية بين الأطفال والمعلمين وشعور الأطفال بالأمان في المدرسة، بالإضافة إلى ثناء المعلمين على الطلاب عندما يقومون بعملٍ جيد، وقيام المدارس بإعلام والدي الطفل بهذا العمل، وإتاحة الفرصة للأطفال بالمساهمة في القرارات المتعلقة بالأنشطة والقواعد.
في الواقع؛ إن تأثير البيئة الاجتماعية على نمو الدماغ خلال السنوات الأولى معروف بالفعل على نطاق واسع في التعلّم في مرحلة الطفولة المبكرة؛ لكن التأثير الذي قد يحدثه الآباء والمعلمون على أدمغة الأطفال الأكبر سناً والمراهقين كان أقل وضوحاً.
يكشف بحثنا أن أن الآباء والمعلمين يمثلون مصدراً حيوياً لدعم الأطفال أثناء انتقالهم إلى مرحلة المراهقة، فبالرغم من أن دور الأقران يصبح مؤثراً ومهماً جداً خلال هذه المرحلة الانتقالية؛ لكن للآباء والمعلمين دورٌ مهم أيضاً في تعزيز النمو الصحي للدماغ.
أخيراً؛ بالرغم من أن نشأة الأطفال في ظروف قاسية وفي أحياء فقيرة يمكن أن تؤثر سلباً على نمو أدمغتهم ورفاههم؛ لكن يمكن تعويض ذلك من خلال توفير بيئة أفضل لهم في المنزل والمدرسة تمنحهم الشعور بالدعم والثقة، والحصول على الثناء والتقييم الإيجابي، وإتاحة الفرصة لهم للانخراط في أنشطة مختلفة.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً