الارتجاج الدماغي الناجم عن الرياضة أو الحوادث هو حالة طبية خطيرة تستحق الاهتمام بغض النظر عن عمر من يُصاب بها. تقدر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن نحو 6.8% من الأطفال قد عانوا من أعراض ارتجاج أو أذية دماغية في عام 2020. ويوصي الأطباء بالراحة الكاملة للأطفال المصابين والعودة لممارسة أنشطتهم وزيادتها ببطء لمساعدتهم على الشفاء، لذلك يبدو أن الحد من وقت الشاشة، والذي يمكن أن يؤثر على عادات النوم، هو أفضل طريقة لتعافي الأطفال. كيف يؤثر وقت الشاشة على الأطفال الذين يعانون من ارتجاج الدماغ؟
الاعتدال هو الخيار الأفضل
ولكن دراسة جديدة نُشرت نتائجها مؤخراً في مجلة بيدياتريكس (Pediatrics) تشير إلى أنه على الرغم من أن وقت الشاشة الطويل يمكن أن يبطئ تعافي الأطفال والمراهقين من آثار الارتجاج، فإن منع وقت الشاشة كلياً قد لا يكون هو الحل.
في تفاصيل الدراسة، درس باحثون من جامعة كولومبيا البريطانية وجامعة كالجاري في كندا أكثر من 700 طفل تتراوح أعمارهم بين 8 و16 عاماً في الأيام السبعة إلى العشرة الأولى بعد الإصابة ووقت الشاشة والأعراض خلال الأشهر الستة التالية.
وعلى غرار جولديلوكس، الفتاة في القصة الخيالية "جولديلوكس والدببة الثلاثة"، يبدو أن القدر المناسب أو المعتدل لوقت الشاشة تمثّل عند الأطفال الذين شفوا بشكلٍ أسرع من جميع أعراض الارتجاج.
تقول الأستاذة الجامعية المساعدة في جامعة سيمون فريزر التي أجرت البحث، مولي كيرنكروس، في بيان صحفي: «دعونا هذه المجموعة "جولديلوكس"- أو المجموعة المعتدلة، لأنه يبدو أن وقت الشاشة المحدود جداً أو الزائد ليس مثالياً للتعافي من الارتجاج». وتضيف: «تظهر نتائجنا أن التوصية الشائعة بتجنب استخدام الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والتلفزيون قد الإمكان ليست بالضرورة في مصلحة الأطفال».
اقرأ أيضاً: الآباء والمدرسة: هذا ما يجب معرفته عن حوادث الارتجاج الدماغي للأطفال
نظرت الدراسة أيضاً في المرضى الذين عانوا من إصابة عظمية أخرى (التواء الكاحل، كسر في الذراع، ونحو ذلك) لمقارنة تعافيهم بالمجموعة التي عانت من الارتجاج. وقد تبين أنه في حين عانى المرضى في مجموعة الأذيات الدماغية من أعراض أسوأ نسبياً مقارنة بمجموعة الإصابات العظمية الأخرى، لم يرتبط تفاقم هذه الأعراض مع زيادة وقت الشاشة. كما أن الأطفال الذين قضوا أقل وقت على الشاشة تعافوا ببطء أكثر.
تقول كيرنكروس في هذا الصدد: «يستخدم الأطفال الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر للتواصل مع أقرانهم، لذلك فإن حظر هذه الشاشات بالكامل قد يؤدي إلى شعورهم بالانفصال والوحدة والافتقار إلى الدعم الاجتماعي. من المرجح أن يكون لهذه العوامل تأثير سلبي على الصحة العقلية للأطفال ويمكن أن يطيل فترة التعافي».
تناقض هذه الدراسة دراسة أخرى أُجريت في الولايات المتحدة عام 2021، والتي قيّمت وقت الشاشة في أول يومين من الإصابة وفي الأيام العشرة التالية وخلصت إلى أن وقت الشاشة تسبب بالفعل في إبطاء التعافي.
اقرأ أيضاً: كيف تساعد طفلك على الحد من وقت الشاشة؟
وقت الشاشة بريء من الاتهامات الموجهة إليه
وفقاً لأستاذ علم النفس في جامعة كولومبيا البريطانية، نوح سيلفربيرغ، أدى طول الفترة الزمنية في هذه الدراسة الجديدة إلى اكتشاف آخر مثير للاهتمام.
يقول سيلفربيرغ: «لم يُحدث مقدار وقت الشاشة خلال مرحلة التعافي المبكر فرقاً جوهرياً في النتائج الصحية على المدى الطويل. فبعد 30 يوماً، أبلغ الأطفال المصابون بارتجاج دماغي أو بأي نوع آخر من الإصابات عن أعراض متشابهة بغض النظر عن استخدامهم للشاشة في وقت مبكر».
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن لوقت الشاشة تأثيراً أقل على أعراض الارتجاج مقارنة بعوامل أخرى مثل عمر المريض أو عادات النوم أو الأعراض الموجودة مسبقاً.
ويقول الأستاذ الجامعي في علم النفس في جامعة كالجاري وأحد مؤلفي الدراسة، كيث ييتس، في بيان صحفي: «مقارنة بالعوامل الأخرى التي نعرف أنها يمكن أن تؤثر على التعافي من الارتجاج، لم يُحدث وقت الشاشة فرقاً كبيراً. نعتقد أن تشجيع مرضى الارتجاج على الحصول على قسط كافٍ من النوم والانخراط تدريجياً في الأنشطة البدنية الخفيفة أفضل بكثير لتعافيهم من التوصية بمنع الهواتف الذكية عنهم».
تشير هذه الدراسة إلى أن المنع الكامل لوقت الشاشة قد لا يكون مفيداً للأطفال والمراهقين المصابين بارتجاج الدماغ، وأن وقت الشاشة المعتدل قد يكون الحل الأمثل للمساعدة على التعافي.