مرّ أكثر من عام على بدء جائحة فيروس كورونا. تعلمنا خلال تلك الفترة كيف نتكيّف مع أشياء جديدةٍ؛ مثل ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي في مختلف الأماكن. مع ذلك، قد نُضطر للتكيّف مع أشياء جديدة كل يوم، مثل تعليم الأطفال في المنزل. بالرغم من بدء إعادة فتح المدارس في الولايات المتحدة ودول العالم، فإن هناك الكثير من منافذ الأنشطة التعليمية غير الصيفية (المتاحف والمكتبات المحلية والأنشطة اللاصفية) ما تزال غير متاحة للناس.
نتيجة لذلك يقضي الأطفال وقتاً أطول أمام شاشات الأجهزة الذكية. قد يقضون أوقاتهم في لعب ألعاب الفيديو، أو الدخول لتطبيقات التسلية والرسوم المتحركة. هذه السلوكيات يزيد وقت الشاشة بنسبةٍ أعلى بنحو 50% مما كانت عليه قبل بداية الجائحة. كل ذلك دفع الآباء للتساؤل: كيف يمكن للأطفال الاستفادة من وقت فراغهم دون أن يشغلوا أدمغتهم بأشياء لا فائدة منها قد تؤذيهم؟
تقول «ريبيكا مانيس»؛ أخصائية علم النفس التنموي والمتخصصة في علم الأعصاب، وتملك خبرة 35 عاماً في التعليم: «رغم أنه بإمكاننا التعلم في أي عمر دائماً، إلا أن جهاز الأطفال العصبي وفضولهم في التعرّف على ما حولهم يجعل مرحلة الطفولة أنسب وقتٍ للتعلّم والتعرّف على العالم من حولهم».
من جانبها تقول «نانسي كارلسون بايج»؛ أستاذة فخرية في جامعة ليزلي، مارست مهنة التعليم في مجال تنمية الطفل لأكثر من 30 عاماً: «مع قضاء الأطفال وقتاً أطول في العزل المنزلي، وقضاء وقتٍ كبيرٍ أثناء ذلك على الشاشات في التعلم عن بعد، والتواصل مع الأصدقاء والعائلة، وألعاب الفيديو؛ يَكْمن التحدّي في أن أدمغتهم لم تعد بالضرورة منخرطةً بشكلٍ كامل كما هو معتاد؛ إذ يتعلم الأطفال على النحو الأمثل من خلال التفاعلات باستخدام جميع حواسهم».
لحسن الحظ؛ يمكن للآباء مساعدة أطفالهم على استخدام حواسهم الكاملة لتحفيز أدمغتهم والتعلّم. إليك 4 طرق بسيطة.
1. تشجيع الأطفال على اللعب غير المنظّم
تقول «تينا باين بريسون»؛ أخصائية نفس الأطفال والمراهقين، والتي تدرس العلاقة بين اللعب والتطور العصبي: «يُصعّب الآباء الأمر في كثيرٍ من الأحيان. فمع وجود العديد من المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، على الآباء أن يدركوا أنه ليس من الضروري إبقاء أطفالهم مشغولين طوال الوقت بهدف تنمية عقولهم»، وتضيف: «لا بأس بالسماح للصغار بقضاء الوقت بشكلٍ مستقل في اللعب غير المنظّم. كذلك السماح لهم بالاستكشاف والتعبير عن فضولهم. في الواقع، إنها طريقة رائعة للتعلّم».
ومع ذلك، يقع على عاتق الوالدين مساعدة الأطفال في الاستكشاف والتعلّم بطريقةٍ أو بأخرى. على سبيل المثال، كانت «باين بريسون» تضع بطانية زرقاءَ أو منشفةً على الأرض، وتخبر ابنها أنها بحيرة. ثم تضع ألعابه عليها، ومن ثم تخبره بأن عليه أن يكتشف بنفسه كيف ينقل ألعابه منها إلى برّ الأمان. تشرح قائلةً: «كنت أقوم بإعداد هذا العالم الخيالي له -مسرحٍ للعب- ومن ثم أتركه يستكشف ذلك بنفسه».
ينصح الخبراء عموماً بإتاحة الأشياء التي تحفّز الإبداع لدى الأطفال لاستكشافها بأنفسهم. على سبيل المثال؛ تُشجّع صناديق الملابس الأطفال على التخيّل، وتساعد مجموعات البناء والفنون على المشاركة بفعاليةٍ أكبر. كما يجب على الآباء أن يشجعوا اهتمامات أبنائهم مهما كانت؛ حتى لو كانت الرسم بالأصابع، أو مجرّد اللعب بالوحل.
اقرأ أيضا:
- أسباب ارتفاع الحرارة عند الأطفال.
- علاج البلغم عند الأطفال عمر ثلاث سنوات.
- موعد ظهور الأسنان اللبنية.
2. اختر الألعاب التي تحفّز التعلّم
تقول بريسون: «رغم أن الأطفال لا يحتاجون إلى الألعاب للتعلّم؛ حيث يمكن لعائلاتهم وبيئتهم توفير ما يكفي من التحفيز التعليمي، لكن يمكن أن تكون الألعاب وسيلةً رائعة لذلك. الألعاب تختلف من ناحية فائدتها للطفل. ومن المهم اختيارها وفق معاييرٍ محددة».
يوصي الخبراء باختيار الألعاب التي تحفّز التعلّم النّشط،وحل المشكلات، وتسهيل التفاعل مع الآخرين. على سبيل المثال لعبة «بوبساي زوفو فلاير» التي تتحدّى الأطفال للحفاظ على الطبق الطائر محلّقاً عالياً لإبهار أصدقائهم.
لتعزيز فضول الطفل الطبيعي وإحساسه بالاستكشاف، يجب على الوالدين اختيار ألعابٍ تنطوي على وظائف متعددة. مثلاً؛ مجموعات البناء أو العلوم التي يمكن استخدامها لابتكار شيءٍ جديد، وتقدّم تجربة متطورة مختلفة لجميع المراحل العمرية. كما يجب ألا تنطوي هذه الألعاب على أنشطةٍ نمطية متكررة؛ كلعبة قلم التلوين الضوئي. تقول مانيس في هذا الصدد: «أي لعبةٍ تتيح إنشاء شيءٍ جديد، أو التفاعل مع الآخرين، تصلح لتكون وسيلةً تعليمية». تنصح بريسون بالتبديل بين الألعاب من وقتٍ لآخر. يساعد ذلك على شعور الأطفال بأن الألعاب القديمة كأنها جديدة بالنسبة لهم عند اللعب بها مرة أخرى.
اقرأ أيضا:
3. إيجاد طقوس جديدة
يقول «دان بيترز»؛ عالم نفس، ومؤلف كتاب «تربية الأطفال المبدعين»: «في ظل هذه الأيام المليئة بالملل والروتين، فإن الحرص على إدخال عناصر جديدةٍ دائماً على الأمسيات وعطلات نهايات الأسبوع تضيف الحماس لدى أطفالنا. كما تساعدهم أكثر على التعلّم. من المهم مساعدتهم على إبقاء أدمغتهم منشغلةً في التفكير والابتكار لإبقاء ذهنهم نشيطاً؛ وبالتالي تنمية عقولهم». يضيف أيضاً: «تأسيس طقوسٍ في المنزل من قبيل «ليلة اللعب»، أو «ليلة مشاهدة فيلم» و«ليلة الاستمتاع بالموسيقى» وغير ذلك، أو ببساطة ترك الاختيار للطفل لاختيار قضاء ليلته لاختيار ما ستفعله العائلة اليوم؛ يمكن أن يثير لديهم الحماسة والانخراط أكثر».
السبب في ذلك هو أن أدمغة الأطفال غالباً ما تكون أكثر تحفيزاً عندما يكونون مشاركين نشطين، ومساهمين رئيسيين في الأنشطة. هناك العديد من الطرق التي يمكننا القيام بها بذلك. على سبيل المثال؛ يمكن أن يتنافس أفراد العائلة في الألعاب الجماعية، أو الاستماع معاً إلى أنواعٍ مختلفة من الموسيقى أو البودكاست أثناء إعداد الطعام، أو المنافسة على كتابة قصّةٍ في وقت محدد... إلخ.
يوضّح كارلسون: «في النهاية؛ لا يهم ما هي الأنشطة التي تركّز عليها الأسرة طالما تستطيع إبعاد الملل والروتين عن أطفالها، وتعزز تفكيرهم الإبداعي، وليس التفكير «المنغلق» الذي يحد من مشاركتهم». يمكن للأسر إيجاد العديد من المقترحات لقضاء الوقت مع الأطفال بعيداً عن الشاشة؛ من خلال زيارة مواقع بعض المنظمات غير الربحية التي تُعنى بهذا الخصوص.
4. إشباع فضولهم
تقول مانس: «الأطفال بفطرتهم يتّسمون بحسّ الملاحظة، ويحافظون على نشاط خلاياهم العصبية من خلال ربط الأشياء التي يرونها في الطبيعة مع محيطهم دائماً». تقول بريسون في هذا الصدد: «يمكن للبالغين تعزيز هذه السلوكيات الفطرية من خلال الاستماع إلى تعليقات الأطفال ومناقشتهم فيها، وطرح الأسئلة التي تثير فضولهم؛ مثل: هل هناك طيور في الخارج؟ سيكون للأطفال استنتاجاتهم وتعليقاتهم الخاصّة؛ وهو الأمر الذي يعزز نموهم العقلي والإبداعي».
من المهم أن يتذكّر الآباء ومقدّمو الرعاية أن ما يحدث مع نمو الطفل خلال هذه الجائحة لن يستمر بالضرورة، وقد يتغير في أي وقت. تقول بريسون: «يتميز دماغ الإنسان بقدرته على التكيف في مختلف الظروف؛ خصوصاً أدمغة الأطفال. وبمجرّد عودة الأطفال إلى بيئاتٍ تعليمية أكثر إثراءً مع أقرانهم، سيكون بوسعهم تعلّم الأشياء الجديدة التي افتقدوها بسرعةٍ كبيرة».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً