منذ التسعينيات انخفضت معدلات متلازمة الموت المفاجئ للرضّع (SIDS) إلى النصف. حيث تم تشجيع الآباء على نطاق واسع لكي يكون وضع نوم أطفالهم الرضع على الظهر، وإبعاد أي أشياء موجودة في السرير قد تؤدي إلى اختناق الطفل، وقد آتت الجهود المبذولة أكلها. لكن مع انخفاض معدلات الوفيات العرضية في الإحصائيات، تزايدت أهمية عامل آخر وهو التدخين.
خلصت العديد من الدراسات في سنوات تلك الفترة إلى أن التدخين هو أكبر عامل خطر يمكن تجنبه لمتلازمة الموت المفاجئ للرضّع. قامت العديد من هذه الدراسات بقياس مدى احتمالية حدوث متلازمـة الموت المفاجئ عند قيام الأم بالتدخين أثناء فترة الحمل، وتراوحت الزيادة بين 1.5 إلى 6.5 ضعفاً، إلا أن هذه الدراسات كانت عامة أكثر مما ينبغي. تسعة أشهر فترة طويلة. هل الامتناع عن التدخين في منتصف هذه المدة بإمكانه المساعدة؟ أم أن الضرر قد حدث بالفعل خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل؟ قرر باحثون في معهد سياتل لبحوث الأطفال فحص المسألة بشكلٍ أعمق، ومؤخراً قاموا بنشر نتائجهم في دورية طب الأطفال (Pediatrics).
بعد فحص أكثر من 12 مليون حالة ولادة بين عامي 2007 و2011، وجد الباحثون أن كل سيجارة قد تصنع الفارق. فالفارق بين عدم التدخين على الإطلاق، وتدخين سيجارة واحدة في اليوم ضاعف خطر حدوث متلازمة الموت المفاجئ للرضّع. وكل سيجارة بعد ذلك زادت معدل الخطر بـ 0.07. (وبالرغم من ذلك فمن المهم الإشارة إلى أن إجمالي خطر الوفاة بهذه المتلازمة يعتبر منخفضاً، حيث تسجل 0.83 حالة وفاة فقط لكل 1000 ولادة؛ لذا ومع مضاعفة نسبة الخطر مازالت تمثل أقل من 2 حالة وفاة لكل 1000ولادة). قرابة 9% من أفراد العينة البحثية قاموا بالتدخين بلا تحفظ طوال فترة الحمل، مما عرض أطفالهم لزيادة خطر الإصابة بالمتلازمة بـ2.52 ضعفاً. نصف هؤلاء المرضى لم يقللوا من تدخينهم على الإطلاق، لكن هؤلاء الذين قاموا بالمحاولة، نجحوا في مساعدة اطفالهم عبر كل سيجارة قاموا باجتنابها. الأشخاص الذين تمكنوا من خفض مقدار تدخينهم خلال الثلاثة أشهر الأخيرة من الحمل كان بوسعهم تقليل خطر الإصابة بـ 12%، بينما الإقلاع التام عن التدخين خلال تلك الفترة، نتج عنه انخفاض نسبة الخطر بـ 23%.
منحنى الخطر يتوقف عن الزيادة، ويبدأ في مرحلة الثبات بعد تدخين 20 سيجارة يومياً، لذا فالأشخاص الذين اعتادوا تدخين أكثر من علبة في اليوم، لن يروا فائدة ملموسة إذا خفّضوا تدخينهم إلى علبة واحدة فقط. أما الذين يدخنون أقل من علبة واحدة في اليوم فهؤلاء من المحتمل أن يروا تغيراً كبيراً في خطر تعرض أطفالهم للموت المفاجئ عبر الحد من عادتهم.
لا يزال الباحثون غير متأكدين تماماً من الكيفية التي يقوم بها التدخين بزيادة خطر حدوث متلازمة الموت المفاجئ للرضّع. توضح الدراسة أن الأدلة تشير حتى الآن إلى حدوث تغيرات في السيروتونين والنواقل العصبية الأخرى في جذع مخ الجنين أثناء مرحلة النمو، وهو ما تم ربطه بالتدخين. وبناء على دراسات أجريت على الحيوانات، يبدو أن النيكوتين يؤثر على إفراز السيروتونين، وهو ما يدعم هذا الافتراض. لكن حتى دون وجود آلية واضحة، فهذه الدراسة وغيرها، تظهر أن التدخين عامل خطرٍ كبير في حدوث الموت المفاجئ. يقدِّر الباحثون أن قرابة 22% من حالات الموت المفاجئ يحتمل أنها حدثت بسبب التدخين أثناء فترة الحمل. من المستحيل إثبات ذلك دون معرفة الآلية التي تحدث بها هذه الوفيات، لكن هذا الرقم يمثل 800 حالة وفيات رضعٍ في العام.
على الرغم من قلة عدد النساء المدخنات قبل الحمل حيث يمثلن فقط نسبة 11.6% في أمريكا، لكن 3 من كل 4 يواصلن التدخين أثناء فترة الحمل. ولسوء الحظ فقد أظهرت دراسة حديثة أن حتى هؤلاء اللائي يقلعن عن التدخين قبل حدوث الحمل، تزداد فرص حدوث الوفاة المفاجئة لأطفالهم 1.47 مرة أكثر من الأخريات ممن لم يقمن بالتدخين من قبل. دراسة أخرى قدرت ارتفاعاً مماثلاً في الخطر من التدخين السلبي عبر استنشاق دخان سجائر المحيطين بهم. في الواقع أوضح مركز السيطرة على الأمراض أن استنشاق أي دخان تبغ يزيد من احتمالية ولادة الاطفال بنقصٍ في الوزن، ويجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالتهابات الأذن وبأزمات الربو المتكررة.
تتلقى النساء الحوامل المدخنات الكثير من الانتقادات الحادة لانغماسهن في عادات غير صحية تضر كل المحيطين بها، وهو أمر أبعد ما يكون عن العدل في حق من يقع عليه الضرر. وبعيداً عن التأثيرات المنتظرة على الأطفال، فالتدخين يزيد خطر تعرضك للإصابة بأمراض القلب، والسكتة الدماغية، ومرض الانسداد الرئوي المزمن، وما لا يقل عن عشرة أنواع من السرطان، فلو لم يقم أحد في أمريكا بالتدخين، فإن واحدة من كل 3 حالات وفاة بسبب السرطان، سيتم تجنب حدوثها. لديكِ الكثير من الأسباب للإقلاع عن التدخين والتي لا علاقة لها بصحة أي أطفال افتراضيين قد ترزقين بهم ذات يوم. ولكن إذا كنتِ امرأة حامل أو تحاولين الحمل، وتحتاجين إلى بعض الدوافع، فاعلمي أن أي جهد قد تقومين به للحد من هذه العادة السيئة قد يؤتي ثماره.