في عام 2017، أطلقت فيسبوك تطبيق مراسلة مخصص للأطفال في الولايات المتحدة، وقد قوبلت هذه النسخة معدلة الألوان والخاضعة لرقابة الأهل ببعض الترحيب والكثير من الشكوك. فقد قدمت الشركة العملاقة "مسنجر كيدز" على أنه وسيلة تتيح للأهل تقديم أولادهم بطريقة مسؤولة إلى حياة ذات طابع رقمي واضح. غير أن المنتقدين يقولون بأن فيسبوك قامت ببناء أداة زاهية الألوان لجمع البيانات من الأولاد، و"اجتذابهم منذ الصغر". ولكن بعد مرور أكثر من عام على طرحه في السوق، أصبح من الواضح - بالنسبة لي على الأقل - أن الضحايا الحقيقيين لهذا التطبيق هم البالغون. ولكن لماذا؟ لأنهم لا يستخدمونه.
من الناحية المرئية، يحمل التطبيق نفس شعار مسنجر العادي، ولكن بنقاط متدرجة خضراء اللون. وعندما يفتح المستخدم التطبيق لأول مرة - وهو أمر متاح فقط لمن ولد في 2005 أو بعد ذلك، أو لمن هو مستعد لإعداد حساب مزيف يدعي فيه أن عمره 13 سنة على الأكثر - سيرى عدة لوحات أرجوانية، تمثل كل منها أحد جهات الاتصال التي وافق الأهل عليها. يمكن إرسال رسائل نصية، أو الدردشة بالفيديو، كما في التطبيق العادي، غير أن الدردشة بالفيديو مزودة هنا بالعديد من خيارات الواقع المعزز، بحيث يستطيع الأولاد تجربة لحية بابا نويل مثلاً، أو مشاهدة طبق طائر يخطف بقرة على رأس أحد الوالدين. باختصار، هذا التطبيق يتسم بالمرح.
من ناحية أخرى، فإن بنية التطبيق تحمل الكثير من الجدية. فقد تم الترويج له على أنه حصن رقمي لا يمكن اختراقه، ويمكن للوالدين فقط أن يُفعّلا التطبيق ويشرفا على عمله بشكل مباشر. يجب على الوالدين أن يقوما بتحميل وتنصيب التطبيق وإنشاء الحساب، والذي سيبقى مرتبطاً بشكل دائم بحسابهما على فيسبوك. ومن لوحة تحكم في تطبيق مسنجر العادي، يمكن أن يتحكم الوالدان في التطبيق بعد تسليمه للأولاد. يمكن مراقبة أي صورة سيلفي تحمل فلتر الديناصور، ويمكن الموافقة على أي جهة اتصال أو حظرها، بل يمكن للأم والأب إغلاق هذا التطبيق في "نمط النوم"، أي إجبار الأولاد عن بعد على ترك التطبيق والذهاب إلى النوم. أما الميزة الأفضل في مسنجر كيدز فهي أنه خال من الإعلانات وعمليات الشراء ضمن التطبيق، وهو أمر نادر، حتى في المنصات المخصصة للأولاد.
لا شك في وجود سبب يدعو للقلق إزاء استخدام الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي، ولكن أغلب البالغين يجب أن يشعروا ببعض القلق حول أنفسهم أيضاً. فمقابل كل دقيقة نكسبها بفضل ميزة التأليف الذكي للجُمل التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في جِيميل، يبدو كأننا نخسر ساعة كاملة بسبب ميزة أخرى. وبفضل استراتيجيات التصميم المثيرة للإدمان، والتي تعتمد على عقود كاملة من أبحاث علم النفس السلوكي، يمضي الأميركي متوسط 6 ساعات يوميًا في العالم الرقمي، مما يؤدي إلى آثار جانبية تتراوح بين الجسدية (مثل جفاف العينين بسبب الشاشة) والنفسية (الأذى الناتج عن التجاهل بسبب الانشغال بالهاتف، مهما كان صغيراً).
قد يؤدي مسنجر كيدز إلى غرس هذه المشاكل التي تتعلق بالتواصل الاجتماعي في الأولاد، ولكنه قد يكون أيضاً نموذجاً في كيفية حل هذه المشاكل بالنسبة للبالغين، وهو كذلك بالفعل في بعض النواحي.
لنأخذ نمط النوم كمثال، فما زال استخدام الأجهزة الإلكترونية في الليل مشكلة عصية على الحل، وقد أظهرت دراسة تلو الأخرى أن الضوء الأزرق الصادر عن الشاشات كافِ لتشويش الإيقاع اليومي للجسم، مما دفع بعض المنصات مثل ريديت إلى إطلاق "نمط مظلم"، كما دفع آبل إلى تقديم فلاتر "النوبة الليلية" الصفراء على الحواسيب. ولكن هذه الطرق ما زالت غير مثبتة، وعلى الرغم من أنها قد تخفف من بعض الآثار السلبية للأجهزة المحمولة، فإنها أبعد ما تكون عن حل فعلي.
يبدو أن بضعة بالغين مستعدون للقبول بإنهاء عمل الجهاز على طريقة مسنجر كيدز، أي وجود يد خفية تطفئ الجهاز ببساطة لأن الساعة تجاوزت الثامنة مساء مثلاً. ولكن هذه النظرية انهارت في 2018، حيث أن أنظمة آي أو إس وأندرويد الجديدة أطلقت وظائف لمراقبة وقت الشاشة. ولا تتيح لك رؤية الوقت الذي تمضيه على كل تطبيق وحسب، بل يمكنك أيضاً أن تضع لنفسك حداً أعلى من الوقت لكل تطبيق. هل تجاوزت حد 15 دقيقة على تويتر؟ إذاً يجب أن تنتظر إلى اليوم التالي، إلا إذا قمت كبالغ بتسجيل الدخول وتغيير الإعدادات بنفسك طبعاً.
من ناحية أخرى، فإن مسنجر كيدز مرغوب بنفس الدرجة، وكذلك النسخ العالمية المصغرة من الكثير من التطبيقات المعروفة، والتي يستفيد معظمها من المميزات المحدودة. تجربة خالية من الإعلانات؟ أرغب بالاشتراك فوراً. أدوات حماية صارمة؟ أجل من فضلك! تعهد إلزامي يقول: "كن لطيفاً، كن محترماً، كن آمناً، وامضِ وقتاً ممتعاً"؟ ربما لا!
ولكن، قد نحتاج جميعاً إلى سبب لنفكر بما يدعونا لاستخدام تطبيق الدردشة هذا، أو الاشتراك في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام.
اقرأ أيضا: