يخضع الأطفال الرضع خلال السنة الأولى من العمر لتغيرات جذرية في نموهم، تكون ظاهرة للعيان. ولكن الميكروبات في أمعائهم تتغير أيضاً. وفي السنوات الأخيرة، وجد العلماء أن الاختلافات في تطور أمعائهم قد يكون لها علاقة ما بالظروف الطبية في وقت لاحق من العمر. ويحاول الباحثون الآن تحديد كيفية وسبب تغير هذه الميكروبات، على أمل معرفة ما يؤسس لأمعاء صحية للطفل الرضيع، والكيفية التي يمكن للوالدين من خلالها مساعدة طفلهما للوصول إلى هذه الأمعاء الصحية.
وفي دراسة نشرت في سبتمبر 2017 في مجلة مستجدات طب الأطفال، قام باحثون من جامعة ألبرتا بتتبع وتحليل التغيرات الميكروبية التي تحدث خلال هذه الفترة الحرجة. وفحص الفريق الميكروبات المأخوذة من أمعاء 166 طفلاً رضيعاً، وقاموا بتتبعها من عمر ثلاثة أشهر إلى سنة. ثم بحثوا في الأرقام التي حصلوا عليها ليجدوا تغييرات ذات دلالة إحصائية، وهي تحولات خارجة عما يعتبر نموذجياً في الدراسات السابقة.
وتشير بعض الأبحاث إلى أن الممارسات الشائعة مثل تغذية الأطفال على بدائل حليب الأم، والولادة بالعملية القيصرية، وإعطاء المضادات الحيوية خلال السنة الأولى من العمر، يمكن أن تؤثر كلها في تطور أمراض معينة لدى الطفل. ووجد التحليل بشكل مؤكد أن تلك العوامل تغير التقدم الطبيعي للتنوع الميكروبي، لكن الدراسة لا يمكنها التوصل إلى أي استنتاجات بعد. ولم يتوصل العلماء بعد إلى ما يجعل ميكروبيوم الأمعاء صحياً أو غير صحي (عند الرضع أو غيرهم)، وما يزال وجود رابط بين غياب أو وجود بعض البكتيريا وتطور ظروف مرضية محددة غير مؤكد.
ولكن في حين أن هناك حاجة إلى المزيد من العمل لفهم آثار هذه النتائج الجديدة، فإن النتائج نفسها ليست صادمة. فإذا ولد طفل ولادة طبيعية، فإنه يكتسب بعض الميكروبات في طريق خروجه من قناة الولادة، ولا يتعرض الأطفال الذين يولدون أثناء العمليات الجراحية المعقمة (نسبياً) لنفس البكتيريا. وبالمثل، يحتوي حليب الأم أيضاً على البكتيريا المفيدة، وهي المصدر الوحيد للطفل من ميكروبات الأمعاء خلال تلك الفترة. وعلى الرغم من أن الباحثين يعملون على إيجاد غذاء بديل يؤدي نفس الغرض، فإن حليب الأم لا يزال، في الوقت الراهن، متفوقاً من منظور بكتيري. ويمكن للمضادات الحيوية أن تقتل البكتيريا الهامة في الأمعاء في أي مرحلة من مراحل العمر، وبالتالي فإن الجرعة ذات التوقيت الخاطئ قد تغير مسار تطور الأمعاء لدى الطفل.
وفي السنوات الأخيرة، نظرت العديد من الدراسات الأخرى في تلك المعايير الثلاثة: العمليات القيصرية، والتغذية على بدائل حليب الأم، واستخدام المضادات الحيوية في وقت مبكر. لكن هؤلاء الباحثين قاموا بتحليل حالات الأطفال الذين لديهم العوامل الثلاثة (أو اثنين منها على الأقل) في آن واحد. تقول مؤلفة الدراسة أنيتا كوزيرسكي، أستاذة طب الأطفال في كلية الطب بجامعة ألبرتا: "لقد اختبرنا الآثار المشتركة لهذه العوامل، لأنها غالباً ما تحدث معاً".
وقد رأى الباحثون لدى الأطفال الذين ولدوا ولادة طبيعية، وتغذوا على حليب أمهاتهم، ولم يأخذوا أي مضادات حيوية، تغييرات ميكروبية نموذجية: زيادة في مجموعتين من البكتيريا، تعرفان باسم متينات الجدار والعصوانيات، وانخفاضاً في المتقلبات. وبدأت الأمور تنحرف عن ما نراه طبيعياً مع تعرض الأطفال لواحد أو أكثر من هذه العوامل.
ولكن ما تعنيه هذه التغييرات لا يزال غير واضح تماماً، تقول كوزيرسكي: "نحن لا نعرف ما هو ميكروبيوم الأمعاء الطبيعي عند البالغين أو الرضع، وهناك الكثير من الاختلاف في ميكروبيوم الأمعاء عند الكبار بسبب النظام الغذائي". وفي الوقت نفسه -تضيف كوزيرسكي- فإن تطور نمو الميكروبات بين الرضع ذوي الولادة الطبيعية، والذين تمت تغذيتهم على حليب أمهاتهم، والذين لم يأخذوا أي مضادات حيوية، والذين يعيشون في البلدان المتقدمة، يتشابه في العديد من المناطق. لذلك فهم يعتقدون أن لديهم إحساساً بشكل التطور الطبيعي .
وتعتقد كوزيرسكي أنه يمكن في المستقبل التنبؤ بالنتائج الصحية عند الأطفال على أساس الملامح الميكروبية في الأمعاء. وتقول كوزيرسكي إن مجموعة بكتيريا الأمعائيات -على سبيل المثال- غالباً ما تنخفض مع مرور الوقت عند الرضع الذين يتغذون على حليب أمهاتهم. وعندما لا يحدث ذلك -وهو ما رأته في الرضع الذين يتغذون على البدائل- فإنه يمكن أن يجعل هؤلاء الرضع أكثر عرضة لاكتساب الوزن والحفاظ عليه عندما يكبرون، فضلاً عن جعلهم أكثر عرضة لحساسية الطعام وعدم القدرة على تحمل الطعام. لكنها تلاحظ أن هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث لتأكيد هذا النوع من الارتباط.
وفي الوقت الراهن، تشير هذه الدراسة والدراسات المشابهة إلى أن الرضاعة الطبيعية، والولادة الطبيعية، والحد الأدنى من استخدام المضادات الحيوية، يمكن أن تسهم في الحفاظ على الميكروبات الحيوية للرضع ضمن مسارها النموذجي. ومع ذلك، فحتى يكون لدى العلماء فهم أفضل للشكل المثالي للأمعاء الصحية (وغير الصحية)، فإن الأهمية الحقيقية لهذه العوامل وغيرها لا تزال غير واضحة.
وبطبيعة الحال، فليس من الممكن دائماً للأبوين اختيار الولادة الطبيعية أو الرضاعة الطبيعية. وبعض الرضع بحاجة إلى المضادات الحيوية من أجل حمايتهم من العدوى الخطيرة. ولكن إذا تمكن العلماء من معرفة كيف ولماذا تؤثر هذه العوامل الثلاثة على الأمعاء، وكيف يؤثر ذلك بدوره على الصحة العامة، فقد يجدون طرقاً لتعديل الميكروبيوم غير الصحي وإعادته إلى المسار الصحيح.