«هل يمكنك قول ماما؟ أو بابا؟ أو أن تلوّح مودّعاً؟». إذا كنت قد قضيت الوقت مع طفل رضيع، فمن المرجّح أنك سمعت أو قلت أشياء من هذا القبيل. يمكن أن تأخذ النغمات الغنائية عالية التواتر التي نستخدمها عند التفاعل مع الأطفال الصغار أسماء عديدة: كلام الرضع أو لغة التخاطب مع الرضع أو، وفقاً لأخصائيي تربية الأطفال، الكلام الموجه للأطفال. ولكن بقدر ما قد يبدو هذا الكلام اللحني بسيطاً، إلا أن إجراء المحادثات مع الرضع هو أمر بالغ الضرورة.
ما أهمية كلام الرضع؟
كلام الأطفال هو جزء أساسي من تطوير مهارات الكلام واللغة. تشير الدراسات إلى أنه عندما يتعرض الأطفال لهذه الطريقة بالكلام بشكل يومي طوال العام الأول من حياتهم، فإنهم يطورون مخزون مفردات أوسع من الأطفال الآخرين. الصغار يحبون هذه المحادثات، إذ تظهر الأبحاث الحديثة أن النغمة المميزة لهذه اللغة تجذب انتباههم، مما يمنح لهم العديد من الفوائد.
حدد الباحثون من خلال تحليل المحادثات بين الأطفال ومقدمي الرعاية في جميع أنحاء العالم المكونات الرئيسية لهذه التفاعلات. عندما يطبّق الآباء هذه المكونات، فهي تساعد الرضّع على تعلم المزيد من الكلمات وتعزز قدرتهم على التفاعل الاجتماعي.
لم يكن الكلام الموجه للأطفال موضع تقدير دائماً. قبل منتصف القرن العشرين، تجاهله الباحثون إلى حد كبير كموضوع للدراسة. منذ أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، عندما اقترح اللغوي «نعوم تشومسكي» أن البشر لديهم قدرة فطرية على تعلّم اللغة، وحتى أوائل التسعينيات، اعتقد العديد من علماء النفس التنموي واللغويين أنه إذا لم يتعلّم الأطفال اللغة أثناء النمو، فسوف يتعلّمون بشكل تلقائي كيفية التحدث وتشكيل جمل كاملة. حتى أن بعض الأطباء نصحوا الآباء بتجنب استخدام كلام الأطفال، معتقدين أنه سخيف للغاية أو متعال.
لكن على مدى العقود القليلة الماضية، وجدت العديد من الدراسات أنه عندما يتعرّض الرضّع بانتظام للكلام الموجه لهم بالإضافة إلى الكلام العادي طوال العام الأول من حياتهم، فإنهم يعالجون ويتعلمون ويتذكرون الكلمات المقدمة لهم بنبرة هزلية أفضل من تلك التي تقدّم لهم ضمن محادثات تُجرى بلغة الكبار.
تقول «ميغا سوندارا»، أستاذة اللغويات ومديرة مختبر اكتساب اللغة في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، إن أحد الأسباب قد يكون له علاقة بكيفية تفاعل الأطفال مع العالم. إنهم يميلون إلى تجاهل محادثات البالغين والضوضاء الخلفية الأخرى، لكنهم ينتبهون عندما يبدأ مقدم الرعاية الحديث باستخدام هذه اللغة. تقول سوندارا: «إذا أتيحت لهم الفرصة، فإن الأطفال عادةً ما يختارون الكلام الموجه للأطفال بدلاً من الكلام الموجه للبالغين». نظراً لأن الكلام الموجه للأطفال يبدو مختلفاً تماماً عن الكلام الذي يستخدمه الكبار عادةً مع بعضهم البعض، فقد ينبّه الرضّع أيضاً إلى أن هذه الأصوات مخصصة لهم.
الحصول على فهم أعمق لدور استخدام كلام الرضّع خلال مرحلة النمو قد يساعد علماء النفس وغيرهم على تحديد الرضّع الأكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات اللغوية.
ويبدو أن هذا ينطبق على الأطفال في جميع أنحاء العالم. راقبت دراسة عالمية أجريت عام 2020 بقيادة «مايكل فرانك»، عالم النفس في جامعة ستانفورد، 2329 طفلاً من 16 دولة. أظهرت النتائج، والتي نُشرت في دورية «التطورات في الممارسات والأساليب في علم النفس»، أنه بغض النظر عن المنشأ، يفضل الصغار الاستماع والتفاعل مع الكلام الذي يستهدف آذانهم. حتى الأطفال من البلدان غير الناطقة بالإنجليزية فضلوا كلام الرضع باللغة الإنجليزية على كلام البالغين بنفس اللغة، لكن التفضيل كان واضحاً بشكل خاص بالنسبة للأطفال الذين يعرفون اللغة الإنجليزية بالفعل.
في دراسة تكميلية عام 2021 شاركت سوندارا في تأليفها، راقب الباحثون 333 رضيعاً من منازل ثنائية اللغة (أي يتحدّث قاطنوها لغتين) و 384 رضيعاً من منازل أحادية اللغة في أربع قارات. ظلّت النتائج الأولى صحيحة بالنسبة للأطفال الذين درسوهم في جميع أنحاء العالم، سواء كانوا يسمعون لغة واحدة أو لغتين في المنزل.
اقرأ أيضاً: الأطفال الذين يأكلون الخضار والفواكه يتمتعون بصحةٍ نفسية أفضل
لماذا ينجذب الرّضّع إلى التغييرات التعبيرية في الأصوات؟
قد ينجذب رضّع البشر بشكل خاص إلى الوالدين بسبب صوتهما الفريد. تعتقد سوندارا أن النغمات التعبيرية تشترك في العديد من الخصائص مع الطريقة التي يتحدث بها البالغون عندما يكونون سعداء. وتشير إلى أنه عندما نستخدم الكلام الموجه للأطفال، «تكون نبرة صوتنا عالية جداً، ونستخدم تغييرات مفرطة في طبقة الصوت. هذا أمر جوهري. يمكن أن أكون في غرفة مختلفة وستستطيع مع ذلك أن تعرف أنني أتحدث مع طفل». المكونات الأخرى ضرورية أيضاً. تضيف سوندارا: «نتحدث مع الرضع أيضاً ببطئ أكثر، ونستخدم كلمات أقصر، ونميل إلى التحدث بشكل أكثر وضوحاً».
في الواقع، وجدت دراسة أجريت عام 2017 بقيادة «إليز بيازا»، وهي الآن أستاذة في علم الدماغ والعلوم المعرفية في جامعة روتشستر، أن طابع الصوت يتغير بالكامل بشكل ملحوظ عندما يتم توجيه الكلام إلى الرضيع. يتميز طابع الصوت عن النغمة (أي درجة الصوت) والإيقاع. مثلاً: حتى لو استطاعت المغنية «أديل» غناء نفس النوتات مثل «مايلي سايرس»، إلا أن طابعي صوتيهما لا يزالان مختلفين. بيّن فريق بيازا باستخدام خوارزمية تعلم آلي أن 24 من الأمهات اللواتي يتحدثن لغات مختلفة عدّلن طابع أصواتهن بنفس الطريقة عند التحدث إلى الرضّع.
البشر أيضاً ليسوا الوحيدين الذين يستخدمون كلام الرضع. درس باحثون في جامعة برلين الحرة في دراسة أجريت عام 2020 اللغة الموجهة للرضع بين الخفافيش ذات الأجنحة الكبيرة في أميركا الوسطى، ووجدوا أن الآباء استخدموا أيضاً نغمة وطابعاً مختلفين للتحدث مع صغارهم. كما لوحظ كلام الرضع في عدد قليل من الأنواع الأخرى، مثل القرود السنجابية التي تُدندن لصغارها وعصافير الزيبرا التي تزقزق لأطفالها.
اقرأ أيضاً: ما هو السن الأنسب لتعليم الأطفال مهارات مثل القراءة والسباحة؟
لفائدة أكبر: تدرّب على طريقة التحدث مع طفلك
من خلال تجاهل الهراء وتحديد ما هو الأكثر أهمية في الكلام الموجه للرضع، تمكن الباحثون من تقديم المشورة للآباء حول أفضل الطرق للتكلّم مع أطفالهم. طورت المؤسسات من جامعة هارفارد إلى منظمة اليونيسف أنظمة تدريبية لمساعدة الأطفال على إتقان النطق واللغة بشكل أسرع.
وجدت دراسة أجريت في فبراير/شباط 2020 بقيادة «نجا فرجان راميريز»، وهي لغوية في جامعة واشنطن، أن هذا النوع من الدورات التدريبية المكثفة يمكن أن يعزز الآثار الإيجابية لكلام الأطفال. التقط الباحثون التفاعلات بين الوالدين والطفل في المنزل، وذلك عن طريق تزويد الرضع بسترات تحتوي على أجهزة تسجيل صوتي تسجّل صوت الرضع الذين تبلغ أعمارهم 6 و 10 و 14 و 18 شهراً لمدة يومين متتاليين. قبل كل جلسة، دُرّب بعض البالغين على استخدام الكلام الموجه للرضّع بكفاءة، بينما لم يتلق البعض الآخر أي تدريب.
كان أداء الأطفال ذوي الآباء المدربين أفضل خلال الدراسة، وأظهرت الاستطلاعات اللاحقة أن الفوائد استمرت، إذ وصل متوسط مفردات الأطفال الذين تلقى آباؤهم التدريب عند بلوغهم عمر 18 شهراً حوالي 100 كلمة، بينما بلغ متوسط الأطفال في المجموعة المعيارية حوالي 60 كلمة .
لا يزال الباحثون يحاولون فهم كيفية عمل كلام الرضع والأسباب التي تجعله مفيداً جداً. وفقاً لسوندارا، الحصول على فهم أعمق لدور استخدام كلام الرضّع خلال مرحلة النمو قد يساعد علماء النفس وغيرهم على تحديد الرضّع الأكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات اللغوية. تفيد سوندارا أيضاً بأنه ربما، في النهاية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى إيجاد علاجات مستهدفة في وقت مبكر. لذا لا تخجل، غنّ: «من هذا؟ هذه أمي!» بقدر ما تريد، فالرضّع يستمعون في كل مكان.
نُشرت هذه المقالة في عدد «الشباب» من مجلة بوبيولار ساينس.