بالنسبة للأشخاص الذين يسافرون والذين ليس لديهم أطفال، يكون الهدف هو الوصول من مكان لآخر فقط. لكن بالنسبة لهؤلاء الذين يسافرون مع أطفالهم، سيتطلب الأمر الكثير من الطقوس والروتينات الضرورية المستهلكة للوقت والمخطط لها بعناية (من النوم إلى تناول الطعام) التي يجب تطبيقها في خضم فوضى الرحلة، بينما يحاولون بنفس الوقت الوصول إلى وجهتهم بأمان.
لن أجمّل الموضوع، هذا الأمر معقّد للغاية. لكنه ليس مستحيلاً أيضاً. كانت أول رحلة طيران قمت بها مع ابني الذي يبلغ من العمر 4 سنوات مخيفة، ولكنّي تعلّمت الكثير من الرحلات العديدة الأخرى التي قمت بها معه. أتمنّى أن تساعدك تجربتي في السفر للأماكن البعيدة ومختلف الولايات في الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى، بالإضافة إلى نصائح بعض خبراء صحة الأطفال في فهم ما يدور في بال طفلك وما يحدث في جسمه في أثناء السفر في الطائرة. عندما تفهم هذه الأمور، ستكون مستعدّاً بشكل أفضل لضمان الحفاظ على سعادة وصحة وأمان جميع أفراد أسرتك.
اقرأ أيضاً: نصائح مفيدة لرحلة مريحة مع أطفالك
حضّر طفلك عقلياً للرحلة
تقول جين تراكتنبرغ (Jen Trachtenberg)، طبيبة الأطفال وأستاذة طب الأطفال المساعدة في كلية إيكان للطب في منطقة ماونت سيناي في مدينة نيويورك، إن مناقشة نشاط السفر بالطائرة وحتى محاكاة تجربة الذهاب إلى المطار من خلال تمثيل الأدوار واستخدام الألعاب والحقائب التي تُخطط لحزمها طريقة رائعة لتساعد طفلك على فهم ما سيحدث وتهيئته للاستمتاع بالرحلة. تقول تراكتنبرغ: "يمكنك ممارسة لعبة تتظاهر فيها بأنك تعبر الممرات الأمنية في المطار أو تنتظر موعد الصعود إلى الطائرة. قم بتصميم صفوف مقاعد الطائرة بنفسك وتظاهر بأن الركّاب والألعاب هم أشخاص آخرون يجلسون في الصفوف".
فضّلنا عند تحضير ابننا الذي بدا لنا أنه يطرح عدداً من الأسئلة يتجاوز العدد الوسطي الذي يطرحه الأطفال يومياً (وهو يتراوح بين 73 و390 سؤالاً) أن نشرح كل مرحلة من مراحل الرحلة بالتفصيل على مدى عدة أيام (وأحياناً أسابيع) قبل الرحلة.
على سبيل المثال، شرحنا له أنه لتسجيل الوصول، يجب علينا أن نسلّم معظم حقائبنا وأن نُظهر بطاقات الهوية الخاصة بنا ونمر عبر القسم الأمني ونخلع أحذيتنا ونسمح للموظفين بإجراء المسح الضوئي لحقائبنا. شرحنا أيضاً أنه علينا الانتظار عند بوابة ما حتى يأتي دورنا للصعود إلى الطائرة، ثم الجلوس في المقاعد المخصصة لنا ووضع ما تبقّى من حقائبنا في أدراج التخزين العلوية. حتى إننا تحدّثنا عن الوجبات التي سنتناولها على متن الطائرة والنشاطات التي سنقوم بها، وعن الضغط الذي سنشعر به في آذاننا وأنه سيتعيّن علينا حمل حقائبنا بعد نهاية الرحلة، وما هي الخطوات التالية في الرحلة. يساعد كل ذلك في جعل الطفل يتوقّع ما سيحدث حتى لا يتعرض لمفاجآت كبيرة، كما أنه يجعل هذا النشاط المجهول أقل ترويعاً.
قم بحزم الحقائب بطريقة ذكية
لا يجب أن ينتهي بك المطاف بحزم عدد أقل من اللازم من الحفاضات أو كمية أقل من الحليب أو حليب الأطفال أو عدد أقل من الملابس الاحتياطية لك ولطفلك (كل هذا حدث معنا من قبل) عندما تصبح في المطار أو الطائرة حيث يصبح خيارك الوحيد هو ارتجال حل ما. قد لا يكون تجنّب هذه السيناريوهات ممكناً أحياناً. وإذا حدث أي منها، فقد تصبح جزءاً من قصص السفر التي ستتحدّث عنها عائلتك لسنوات. لكن يمكنك تجهيز نفسك لهذا النوع من الحوادث من خلال تحديد الحاجيات التي تريد اصطحابها عند البوابة وعلى متن الطائرة والتخطيط مع وضع أسوأ السيناريوهات بعين الاعتبار (مثل إلغاء الرحلة أو تأخّرها وفقدان الأمتعة وغيرها).
سنستعرض فيما يلي الحاجيات الضرورية التي يجب أن تبقيها في متناول اليد (وليس في حقيبة قمت بتسليمها):
- وجبات خفيفة صحية لك وللجميع: تقول تراكتنبرغ: "الجوع يجعل الأطفال والبالغين نزقين". تنصح تراكتنبرغ وغيرها من خبراء صحة الأطفال بتجنّب الأطعمة والمشروبات التي تحتوي على كمية كبيرة من السكّر، والوجبات السريعة والكافيين، والتي تتسبب جميعها في صعوبات في النوم ومشكلات معدية للأطفال. بدلاً من هذه الأطعمة، حضّر الوجبات الخفيفة التي تحتوي على البروتينات والدهون الصحية والكربوهيدرات المعقّدة.
- احرص على وجود ملابس احتياطية: يجب عليك أن تصطحب طقماً احتياطياً أو اثنين على الأقل لكل شخص تحسّباً لاتساخ الملابس بسبب انسكاب المشروبات أو غيرها وتغيّر درجة الحرارة في الطائرة.
- وسائل الترفيه: قم باصطحاب ما يفضّله أطفالك من كتب الأنشطة والكتب المصورة والأحجيات والألعاب الصغيرة ودمى الحيوانات، بالإضافة إلى أجهزة الاستماع للموسيقى ومشاهدة الأفلام والمسلسلات. تقول تراكتنبرغ إنه على الرغم من أن الخبراء ينصحون بتقليل تعرّضك وتعرّض أطفالك للشاشات، فإنه لا ضير في القيام باستثناءات في أثناء الرحلات الجوية. وذلك لأن العروض المألوفة بالنسبة للأطفال قد تساعد في إشغالهم، وخصوصاً عندما يتعيّن عليهم البقاء جالسين لسلامتهم.
- بعض الأساسيات الأخرى: احرص على اصطحاب المناديل المطهّرة والحفاضات وكريمات الطفح الجلدي الناتج عن ارتداء الحفاضات والزجاجات المختلفة والأكواب ذات المصاصات وحليب الأطفال وعدة الإسعافات الأولية المخصصة للرحلات ومقياس الحرارة المخصص للأطفال (سواء كان رقمياً أو تقليدياً). يجب عليك أيضاً أن تتأكد من اصطحاب الأدوية (ويمكنك الاطلاع على قائمة الأدوية في دليلنا الخاص بالسفر مع الأطفال الصغار هنا) ومقعد محمول للتبول أو التبرّز وسرير السفر وحمّالة الأطفال أو عربة الرضّع القابلة للطيّ أو أي شيء يحتاجه طفلك عادة.
كُن على دراية بإرشادات وكالة أمن المواصلات
احرص على الاطلاع على أحدث إرشادات وكالة أمن المواصلات قبل مغادرة المنزل. وتوقّع أن تستغرق عملية الفحص بأكملها ضعف الوقت الذي تستغرقه لو لم تصطحب أطفالك معك. الأخبار السارة هي أن العائلات التي تسافر مع الرضّع والأطفال صغار السن يسمح لهم عادةً بتجاوز حد وزن السوائل القياسي عند نقل حليب الأطفال وحليب الثدي والعصير.
على الرغم من أن الأطفال لن يحتاجوا لخلع أحذيتهم أو ملابسهم الخارجية الخفيفة، فإنه يجب عليك إزالة هذه الملابس من حمالة الأطفال. يجب أن يتم مسح كل حاجيات الأطفال بالأشعة السينية، وهذا يتضمّن دمى الحيوانات والبطّانيات وحليب الأطفال وحليب الثدي والعصير. كما قالت وكالة أمن المواصلات الأميركية إن السوائل قد تخضع لاختبارات إضافية "للكشف عن المتفجرات والعناصر الممنوعة المخفية". عملاً بما نصحت به وكالة أمن المواصلات، نحن نخبر موظفي المطار دائماً ما هي السوائل التي اصطحبناها حتى يعرفوا أنها تعود لنا وأننا لم نتجاوز حد الوزن المسموح به.
احرص على استغلال وقتك بشكلٍ مفيد قبل الصعود والإقلاع
بعد تجاوز نقطة وكالة أمن النقل بنجاح، لا ضير في أن تحتفل قليلاً! لكن الوقت المتاح لك قبل الصعود إلى الطائرة مناسب لشرب الماء وتناول وجبة من الطعام. ففي النهاية، الحفاظ على الترطيب والالتزام بأوقات الوجبات مهم لرفاهة جميع أفراد الأسرة.
تعتبر هذه الفترة الزمنية أيضاً مناسبة لممارسة بعض التمارين الرياضية، لا سيما أنه من الصعب على الأطفال ممارسة النشاط الجسدي الاعتيادي داخل الطائرة. تقول تراكتنبرغ إنه يجب عليك أن تحاول جعل الأطفال يبذلون أقصى جهد ممكن قبل الصعود إلى الطائرة. في الحالة المثالية، يمكنك القيام بالنشاطات الجسدية مع الأطفال قبل مغادرة المنزل، ربما من خلال الركض في أرجاء المنزل. وعندما تبدأ مرحلة الانتظار عند البوابة، يمكنك القيام ببعض العدّات من تمرين القفز ولمس أصابع الرجل، أو ممارسة إحدى ألعاب الألغاز أو التجول. تقول تراكتنبرغ إنه كلما تحرّك الأطفال أكثر، كانوا أكثر استعداداً للنوم أو الجلوس بسكون على الأقل في الطائرة.
عندما يحين وقت الصعود إلى الطائرة، وإذا كنت من أوائل الأشخاص الذين صعدوا، استفد من هذه الأفضلية من خلال استغلال الوقت في تعقيم المقاعد والرفوف الأمامية الصغيرة وترتيب حاجيات طفلك بطريقة تجعل الأهم منها في متناول اليد. يمكنك أيضاً أن تطلب من المضيفين إحضار أكياس التقيؤ (تحسباً لأن يشعر طفلك بدوار الحركة، وسنتحدّث عن هذا أدناه) أو البطانيات، ويمكنك الذهاب للحمام وتغيير حفاضات الأطفال قبل الإقلاع.
مارس النشاطات واتخذ الاحتياطات التي تضمن سلالة الرحلة
من أهم ما يمكنك القيام به هو الالتزام بالروتين الذي اعتاد عليه طفلك قدر الإمكان. تقول تراكتنبرغ إنه ليس من المستغرب أن ذلك سيساعدك في جعل الرحلة هادئة أكثر. كما أن هذه النصيحة تنطبق على الرحلات الطويلة التي تجريها بالسيارة أيضاً.
يمكنك أخذ هذه النصيحة بعين الاعتبار في أثناء حجز الرحلة. إذا كنت تعرف أن طفلك ينام بعمق في أثناء السفر، اختر توقيتاً للرحلة يتزامن مع وقت قيلولته أو وقت نومه الليلي حتى يتمكّن من النوم بعمق خلال الرحلة. وتنصحك تراكنبرغ أن تتأكد من إطعام طفلك أو رضيعك قبل النوم في الطائرة حتى لا ينام وهو يشعر بالجوع.
إذا كنت تعرف أن طفلك لن ينام، أو كنت تخشى ذلك، نصيحتي الخاصة هي اختيار موعد للرحلة تضمن فيه أن تكون مستيقظاً. وفي هذه الحالة، إذا لم ينم طفلك، فلا مشكلة في ألا تنام أنت بسبب استيقاظه. لا يتطلب الأمر الكثير من الخبرة في السفر حتى تعرف أن الرحلات الليلية التي لا يحصل فيها الأطفال أو آباؤهم على قسط من الراحة هي رحلات غير ممتعة على الإطلاق.
بالإضافة إلى الالتزام بالروتين، من الضروري أيضاً الاحتياط من المشكلات الصحية الشائعة التي يعاني منها الأطفال الصغار خلال الرحلات الجوية. ابدأ بالاطلاع على المخاطر المحتملة واتخاذ الإجراءات الاحتياطية اللازمة لتجنّبها. وتتضمن هذه المخاطر ما يلي:
- دوار الحركة: لوقاية الأطفال من الإصابة بالغثيان في أثناء الرحلة، تأكد من ألا تسمح لهم بتناول الوجبات الخفيفة والجاهزة التي تحتوي على السكر، وحافظ على ترطيبهم وقم بوقايتهم من الإصابة بالحر الشديد. يمكنك أن تبقي فتحة الهواء فوق رأس طفلك مشغّلة وتنفث الهواء بقوة، واجعله ينظر من النافذة على الأفق ويستمع إلى الموسيقى الهادئة. تقول تراكتنبرغ إن القراءة والنظر إلى الشاشات يمكن أن يزيد الغثيان سوءاً.
- الحروق أو الحوادث المرتبطة بالمشروبات الساخنة: تشرح تراكتنبرغ قائلة إن المقعد الأكثر أماناً بالنسبة لطفلك هو الذي يكون بجانب النافذة، ما يقيه من أي حوادث قد تقع عندما يبدأ المضيفون بتوزيع المشروبات، وخصوصاً إذا كان طفلك كثير الحركة.
- ألم الأذن: تقول تراكتنبرغ إنه بسبب تغير ضغط الهواء، قد يبدأ طفلك بالبكاء أو الاشتكاء بسبب ألم في أذنيه خلال الإقلاع والهبوط. ويمكن لكل من مضغ الطعام أو شرب الماء أو مص اللّهاية أو زجاجة ماء أو الرضاعة الطبيعية أن يخفف هذا الألم.
- الأمراض المنقولة بالهواء (مثل نزلات البرد والإنفلونزا وكوفيد-19): قال زاكري هوي (Zachary Hoy)، اختصاصي في منظّمة بيدياتريكس ناشفيل للرعاية الصحية المتخصصة في طب أمراض الأطفال المعدية لموقع بوبيولار ساينس (PopSci) إنه للوقاية من مرض كوفيد-19، يجب أن يرتدي الأطفال الصغار الكمامات في الأماكن المغلقة مثل الطائرات حيث تكون ممارسة التباعد الاجتماعي غير ممكنة. يمكنك الاطلاع على إرشادات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها حول الكمامات الفعّالة بالنسبة للأطفال هنا.
كُن صبوراً مع نفسك ومع الأطفال
هناك دائماً إمكانية لتأخّر الرحلات ووقوع الأحداث غير المتوقعة. تمكّنت عائلتنا المكوّنة من 3 أفراد من إنجاز رحلة تأخرت 19 ساعة بسبب طيبة قلوب مجموعة من الغرباء الذين تبرّعوا لنا بالحليب دون مقابل عندما نفدت الكمية التي كانت لدينا، وبسبب تعاملنا مع بعضنا بلطف أيضاً.
كُن على دراية بأن الرحلة قد تكون مجهدة بالنسبة لك ولطفلك، وحاول أن تحافظ على هدوئك. تقول تراكتنبرغ إن القيام بردود فعل عصبية تجاه الأطفال الذين يتصرفون بطريقة سيئة يمكن أن يفاقم غضبهم.
تذكّر أن هدفك النهائي هو الوصول إلى وجهتك بأمان. لذلك، حسب قول تراكتنبرغ، لا داعي لأن تشعر بالذنب إذا استجبت لمطالب طفلك أكثر من المعتاد.
لا تنسَ التقاط الكثير من الصور وتسجيل مقاطع الفيديو التي يمكنك الاستمتاع برؤيتها ومشاهدتها بعد الرحلة، وأن تطلب من المضيفين منح أطفالك الدبابيس التذكارية التي لها شكل الجوانح والتي تقدّمها الكثير من شركات الطيران للأطفال. (انظر الصورة أعلاه)
أحاول خلال لحظات الهدوء أن أقدّر قيمة الأمور البسيطة مثل تجربة رؤية العالم لأول مرة من وجهة نظري طفلي. وأتذّكر في تلك اللحظات أنه على الرغم من أن الرحلة قد تكون أصعب بوجود الأطفال، فإنها مجزية أكثر بوجودهم أيضاً.