عند مشاهدة الأخبار هذه الأيام، يبدو العالم وكأنه مكان مخيف لا يمكننا الحفاظ على سلامة أطفالنا فيه. لكن أحد المخاطر التي تحيق بأطفالنا أبسط بكثير من الحرب أو الجوائح. يُعتبر الغرق السبب الرئيسي لوفاة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من عام إلى أربعة أعوام، وثاني سبب رئيسي للوفاة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 1 و14 عاماً. وحتى إذا نجا الأطفال من هذه الأنواع من الحوادث، فإن حوادث الغرق غير المميتة عادة ما تؤدي إلى تلف عصبي شديد وإعاقة طويلة الأمد.
يسمع الآباء الكثير من النصائح مراراً وتكراراً: عندما يقترب الأطفال من الماء، راقبهم طوال الوقت، واترك هاتفك الذكي جانباً. لكن الأرقام تظهر أن هذه التوصيات ليست كافية.
يقول طبيب الطوارئ في ويك ميد والمتخصص في الإنقاذ من الغرق منذ 15 عاماً، غراهام سنايدر: «نهتم بالأشياء الجميلة والممتعة والأشياء المثيرة في عطلاتنا. لكننا لا نعير انتباهنا للأشياء التي يمكن أن تجعل حياتنا حزينة ومظلمة أو نحاول تجنبها، مثل غرق أحد أحبائنا في الماء.
للمساعدة في تقليل مخاطر تعرض الأطفال للغرق، يتجاوز الآباء التوصيات التقليدية ويلجؤون إلى استراتيجيات جديدة لا يمكن أن تحل محل إشراف البالغين الجيد، ولكن تعمل على تعزيزه.
اقرأ أيضاً: ما هو السن الأنسب لتعليم الأطفال مهارات مثل القراءة والسباحة؟
انتبه إلى المنحدر في المسبح
عندما تفكر في الغرق، قد تتخيل طفلاً مرتبكاً بعد سقوطه في الجهة العميقة لحوض السباحة أو البحيرة. على الرغم من أن حدوث ذلك محتمل، إلا أن المنطقة الأكثر خطورة هي أقرب بكثير إلى الأرض الثابتة، تحديداً المنطقة التي يتراوح عمقها من 1 إلى 1.5 متراً.
تقول أخصائية العلاج المهني للأطفال في مركز ولاية أوهايو ويكسنر الطبي المتخصص في الوقاية من حوادث الغرق للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، إريكا كيمب: «تحدث معظم حالات الغرق عندما يكون مستوى الماء أعلى من مستوى رأس الطفل بقليل. المنطقة الخطرة ليست المنطقة الأكثر عمقاً في الواقع».
يحدث ذلك خصوصاً إذا لم يلاحظ الصغار التغيير أثناء الانتقال من نهاية المنطقة الضحلة العمق إلى المياه العميقة، حيث يعتقدون أن بإمكانهم التقدم خطوة إضافية، لكنهم بعد ذلك يفقدون توازنهم وينتهي بهم الأمر إلى الصعود والهبوط في الماء بشكل عمودي، ويغرقون حيث يمكنهم الوصول إلى القاع تقريباً.
عندما يكون ذلك ممكناً، أمسك بيد طفلك في الماء وامشِ معه لتريه مكان الانحدار، أو ضع كرسياً مثلاً عند هذا الحد ليكون بمثابة علامة تدل الأطفال عليه. وبهذه الطريقة يمكن للأطفال تقييم الأماكن الآمنة بشكل أفضل والأماكن التي يحتاجون فيها إلى توخي مزيد من الحذر.
بالإضافة إلى ذلك، تنصح كيمب الآباء بعدم تشجيع اللعب الخشن في الماء، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى ارتباك الأطفال في المناطق التي لا يستطيعون فيها لمس الأرض أو بالكاد يلمسونها.
ارتداء ملابس سباحة ذات ألوان زاهية
بسبب قيعانها المظلمة ومياهها العكرة، تعد البحيرات والبرك والشواطئ عموماً أكثر خطورة من حمامات السباحة الصافية. تحجب هذه الأجسام المائية العكرة الرؤية أكثر، لذلك في حالة وقوع حادث غرق، يضيع البالغون ثوانٍ ثمينة في محاولة العثور على طفل في محنة قبل أن يتمكنوا من إنقاذه. لا تستهن بهذا الأمر، فالوقت الذي يقضيه الطفل تحت الماء يمكن أن يمثل الفرق بين أن تكون نتائج الحادث مجرد خوف بسيط يصيب الطفل وبين أن تكون نتيجته إصابة أكثر خطورة ودائمة.
تقترح رئيسة قسم طب الأطفال في مركز بروفيدنس سانت جون الصحي، دانيل فيشر، بأن يرتدي الأطفال ملابس سباحة ذات ألوان زاهية حتى يسهل اكتشافهم في الماء العكر. في عام 2021، اختبرت شركة "أليف سوليوشنز" (Alive Solutions)، وهي شركة متخصصة في السلامة المائية، ملابس السباحة بألوان مختلفة في مياه البحيرة بعمق نصف متر تقريباً لمعرفة أي الألوان يسهل اكتشافها أكثر لتتم عملية الإنقاذ بسرعة أكبر. أظهرت النتائج أن جميع الألوان قد اختفت بسرعة، وأن عوامل الطقس وهدوء سطح المياه والضوء ولون الماء وقاع البحيرة أثّرت بشكل كبير على الرؤية. إن ارتداء ملابس سباحة مخصصة لكل مجموعة محددة من الظروف ليس عملياً أو واقعياً، لكن الألوان العملية التي يمكن رؤيتها بوضوح أكثر في معظم السيناريوهات كانت الألوان الفاقعة الصفراء والخضراء والبرتقالية. وتوصي كيمب، في حال كنت تشرف على أكثر من طفل، بأن يرتدوا جميعاً نفس اللون لأن ذلك يمكن أن يساعدك على اكتشافهم بسهولة أكبر.
إذا كان أطفالك يرتدون قمصاناً مخصصة للسباحة، فقد يكون من المفيد ارتداء القمصان ذات الألوان الزاهية، خصوصاً عندما يغطي الماء النصف السفلي من جسمهم. تساعد الألوان الزاهية الأطفال أيضاً على اكتشاف المساعدة بسهولة أكبر عندما يحتاجون إليها، لذلك تقول كيمب إنه يجب على الآباء تعليم أطفالهم أي الألوان التي يرتديها رجال الإنقاذ حتى يعرفوا من يجب أن يطلبوا منه المساعدة ومن يجب أن يستمعوا إلى تعليماته.
تعيين منقذ واحد في كل مرة
في الواقع، تحدث 62% من حوادث الغرق المميتة بوجود شخص بالغ مشرف. ومن المفارقات، كما يقول سنايدر، أن وجود مشرف واحد في هذه الحالة على وجه الخصوص أفضل من وجود مشرفين.
يقول سنايدر موضحاً: «عندما يعتقد الجميع أن شخصاً آخر ينتبه، لا يكون أحد منتبهاً في الواقع. تُدعى هذه الظاهرة "انتشار المسؤولية". ولكن إذا عينت شخصاً واحداً ليكون مسؤولاً عن الإشراف على المسبح، فذلك أكثر أماناً».
وهذا مهم بشكلٍ خاص بين الساعة الرابعة والسادسة بعد الظهر في عطلات نهاية الأسبوع، حيث تظهر الأبحاث أن البالغين يكونون أكثر تشتتاً في هذا الوقت. كما يميل انتباه البالغين إلى التشتت عند التحدث مع بعضهم بعضاً، لذلك يجب أن يكرس الشخص الذي يقوم بمهام المنقذ وقته لهذه المهمة بالكامل. لتجنب بقاء الشخص البالغ يتحدث مع الأطفال طوال اليوم، فإن العمل بنوبات قصيرة يعد فكرة جيدة.
وفقاً لفيشر وكيمب، لتحديد ما إذا كان الطفل يغرق، يجب على البالغين ألا يركزوا على حركات معينة يمكن أن تظهر وكأنهم يلعبون تحت الماء. بدلاً من ذلك، انظر إلى عيني طفل، فإن عيون الطفل الذي يغرق تظهر بوضوح أن الطفل في محنة، كما يوضح سنايدر. ولكن إذا لم تتمكن من فهم تعبيراتهم أو لم تتمكن من التواصل بالعين معهم، فعليك الوصول إليهم والتحقق مما إذا كانوا يعانون من مشكلة.
من المرجح أن يحتاج طفلك إلى سترة نجاة، حتى حين يقول إنه لا يحتاجها
ربما تظن أن سترات النجاة مخصصة لركوب القوارب فقط، لكنها طريقة سهلة لتجنب العديد من أنواع حوادث الغرق في حمامات السباحة والمسطحات المائية الأخرى.
يمكن لأي حادث يقع في بيئة مائية أن يعيق قدرة الشخص على الوصول بسرعة إلى بر الأمان، حتى لو كان يجيد السباحة في الظروف العادية. لذلك يوصي سنايدر الأطفال بارتداء سترات نجاة مناسبة، خاصة عندما يسبحون في المياه العكرة.
يقول سنايدر في هذا الصدد: «ينبغي عدم السماح للطفل بالنزول إلى الماء دون سترة نجاة ما لم تكن واثقاً من أنه سباح ماهر».
أحد الاختبارات الافتراضية التي يستخدمها سنايدر لمعرفة ما إذا كان الطفل قادراً على النزول إلى الماء دون سترة نجاة هي التفكير فيما إذا كان قادراً على المحافظة على وعيه بمحيطه والسباحة إلى بر الأمان فيما لو اصطدم بطفل آخر بالخطأ. إذا بدا أنه غير قادر على ذلك، فلا تأبه بتذمره واجعله يرتدي سترة النجاة.
علم الطفل كيف ينبه شخصاً بالغاً عندما يواجه مشكلة
تقع العديد من الحوادث عندما يقفز طفل إلى الماء لمساعدة صديق أو شقيق يغرق، فيسحب أحدهما الآخر ويواجهان خطر الغرق معاً. تنصح كيمب الآباء بتعليم أطفالهم كيفية تنبيه البالغين في حالة الطوارئ بشكل واضح وعدم محاولة إنقاذ أنفسهم دون مساعدة.
يمكن تعليم الأطفال الأكبر سناً كيفية تقديم المساعدة في حالة الغرق عن طريق استخدام شيئ مثل العصي الإسفنجية ومناولتها من الحافة إلى الشخص الذي يواجه مشكلة وسحبه إلى بر الأمان. يوصي الصليب الأحمر الأميركي بهذه الطريقة، كما تعلمها كيمب لطلابها.
تقول كيمب: «يستطيع الطفل الذي يواجه الغرق رؤية ما يُرمى نحوه في الماء عادةً». يمكن لذلك أن يمنح من يواجه الغرق متنفساً ووقتاً كافياً لاستعادة رباطة جأشه والمساعدة في إنقاذ نفسه.
لا يمكن التنبؤ بسلوك الأطفال، ولهذا السبب دائماً ما تكون مراقبتهم بشكل وثيق المفتاح لتجنب تحويل إجازة الصيف المثالية إلى مأساة. مع بعض النصائح الاستراتيجية، يمكن للبالغين التوقف عن القلق بشأن أية مأساة محتملة وتركيز طاقتهم على قضاء أوقات ممتعة وآمنة مع أطفالهم.