لماذا يثار الجدل دائماً حول جدوى تطعيم الأطفال؟

3 دقائق
تطعيم الأطفال, أمهات, فائدة التطعيم, أمراض, صحة, طفولة

تصدرت عناوين الصحف المحلية في الولايات المتحدة قصة طالب في المرحلة الثانوية، أصرّ على أخذ اللقاحات رغم معارضة عائلته له.

لم يحصل «إيثان ليندنبرج»، 18 عاماً، على اللقاحات الضرورية سابقاً، إلا أنه بدأ في التساؤل والتشكيك في قرار والديه بعدم تلقيحه. فذهب إلى مواقع الإنترنت، وبدأ بطرح الأسئلة على الموقع الاجتماعي «ريديت» حول التطعيم، وسرعان ما انتشرت أسئلته عبر الإنترنت وأثارت تساؤلات جديدة حول المعتقدات الخاطئة للأهل بخصوص التطعيم.

وقد دُعي «إيثان» في مارس/ آذار من العام الجاري للإدلاء بشهادته أمام جلسة استماعٍ في مجلس الشيوخ الأميركي، للتحدث حول التطعيم والوقاية من تفشي الأمراض. قال «إيثان» في شهادته أن والدته اتخذت قراراً بعدم تطعيمه بناء على المعلومات المضللة التي عثرت عليها خلال بحثها على الإنترنت.

في الواقع، هناك العديد من العائلات تتبنى فكرة مناهضة التطعيم. في أسوأ تفشٍّ لمرض الحصبة في نيويورك منذ 30 عاماً، ويلقي خبراء الصحة العامة باللوم جزئياً على المنتديات الحوارية على الإنترنت التي تبث معلومات مضللة حول التطعيم، بالإضافة إلى نشطاء مناهضة التطعيم الذين يعملون على زيادة مناهضة التطعيم في الولايات المتحدة وخارجها.

بصفتنا الأساتذة المساعدون في دراسة المواد المتعلقة بالصحة العامة؛ وبصفتنا آباء أيضاً، أطلعنا على المحتوى والتعليقات المنشورة على الإنترنت فيما يخص موضوع التطعيم، وأجرينا بحثاً لفهم سلوكيات تواصل الناس المتعلقة بنظرتهم إلى لقاحات الأطفال بشكلٍ أفضل. وركّز بحثنا على الأصوات الأكثر أهمية على الإنترنت؛ الأمهات، وأظهر بحثنا أن المناهضات منهن للتطعيم هنّ أكثر من يتواصلون حول هذه المسألة.

ما الذي يدفع الأمهات للتحدث؟

الغالبية العظمى من الآباء والأمهات في الولايات المتحدة يدعمون التطعيم، ولكن في الوقت نفسه، تزداد أعداد مناهضي التطعيم في الولايات المتحدة والعالم. واعتبرت منظمة الصحة العالمية ممانعة أو رفض التطعيم واحداً من بين أكبر 10 تهديدات للصحة العالمية عام 2019.

تبين لنا أن للأمهات الدور الحاسم في اتخاذ القرار فيما إذا كان ينبغي تطعيم أطفالهن أم لا. ففي دراستنا قمنا باستطلاع 455 أمٍّ تنشط على الإنترنت؛ لتحديد أيٍّ منهن تتحدث وتتواصل حول موضوع اللقاحات، ولماذا؟

أظهرت الأبحاث السابقة في العموم أن الناس تلجأ لتقييم الرأي العام حول قضايا معينة قبل التعبير عن أفكارهم، واتخاذ قرارٍ بشأنها. وينطبق ذلك على الموضوعات المثيرة للجدل مثل؛ التمييز الإيجابي، الإجهاض، والهجرة. فإذا كان رأي الشخص غير محبّذ ومرغوبٍ به في المجتمع، فغالباً لا يفصح عنه، خاصّة إذا كان الموضوع يحظى باهتمام كبير من وسائل الإعلام، وهي ظاهرة تعرف باسم «دوامة الصمت».

ومع ذلك، إذا كان لدى بعض الأفراد معتقدات قوية حول قضية ما، فقد يعبرون عن آرائهم بغض النظر إن كانت تؤمن به الغالبية أم يؤمن به أقليةٌ من الناس. ويمكن أن تنتشر هذه الأفكار في المنتديات الحوارية على الإنترنت في حال وجدت من يؤيدها ويدعمها، وينضم إليها.

وتبين لنا من خلال دراستنا الجديدة أن الأمهات اللاتي ساهمن بنشر معلومات عبر الإنترنت شاركن عدة وجهات نظر. كانت الأمهات اللائي لا يدعمن تطعيم الأطفال بقوة أكثر ميلاً للبحث عن المعلومات لدعم وجهة نظرهن، وإثارة النقاش حولها ومشاركتها والتحدث علناً عنها، مقارنةً بأولئك الذين يدعمون تطعيم الأطفال.

الأمهات اللاتي أعتقدن أن مسألة تطعيم الأطفال مسألةٌ مهمة (سواء مع أو ضد)؛ عبرنّ عن رأيهن فقط، بينما الأمهات المناهضات للتطعيم نشرن آرائهن بشكل أكبر على الانترنت.

كيف تشوه وسائل التواصل الاجتماعي الحقائق؟

يمكن أن يتأثر المحتوى الإخباري عبر الإنترنت كثيراً بالمعلومات التي تُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي التي يقرأها ملايين الأشخاص، ويمكن لها أن تُسهم في زيادة انتشار آراء الأقلية والخرافات الصحية. على سبيل المثال، يمكن أن تحظى المنشورات على تويتر وريديت المتعلقة بخرافة أن اللقاحات تسبب التوحد لدى الأطفال، بتغطية كبيرة في الأخبار.

وأولئك الذين عبّروا عن آرائهم حول التطعيم؛ شكّلوا نسبةً كبيرة في التغطية الإخبارية أيضاً. يُظهر بحثٌ مشترك آخر قمنا به أنّه بعد ظهور منشورات تتعلق بخرافة مرض التوّحد المرتبطة بالتطعيم؛ انتشرت بعض الأخبار على الإنترنت تستند على هذه المنشورات في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا.

تشير تقارير حديثة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي -مثل فيسبوك- تبذل جهوداً للحدّ من انتشار هذه المعلومات الصحية المضللة، إلا أنه الأساليب والطرق التي من المفترض أن تواجه هذه المعلومات المضللة والخرافات التي يتكرر انتشارها عبر الإنترنت؛ لا تزال غير واضحة المعالم ولا يُعلم مدى فعاليتها.

مواجهة الشكوك

تُشير دراستنا أن الأشخاص المتفقين فعلاً مع الحقائق العلمية حول التطعيم قد لا يعيرون اهتماماً، أو لا يرون حاجةً للاهتمام بهذه المسألة، أو التعبير عن آرائهم عبر الإنترنت. ربما اتخذوا قرار تطعيم أطفالهم وقاموا بذلك فعلاً، ولم تعد المسألة تثير اهتمامهم.

ولكن، ومن وجهة نظر مفهوم التواصل الصحي، ينبغي أن يعبر الآباء والأمهات الداعمين للتطعيم عن آرائهم وتجربتهم لما له من أثرٍ على المجتمع، خاصّةً في بيئات الانترنت.

تشير الدراسات أن مدى ثقة الوالدين أو عدم ثقتهم بالأطباء أو العلماء أو الحكومات؛ يؤثر في النهاية بالقناعة التي يتوصلون إليها في النقاش حول التطعيم. إن تعبير الوالدين عن وجهات نظرهم على الإنترنت يوفر فهماً أفضل لكيفية تفكيرهم بمخاطر أو فوائد التطعيم.

في الواقع، تُعتبر الشروحات والحقائق العلمية التي تعمل منظمة الصحة العالمية، بالإضافة لمركز السيطرة على الأمراض، على نشرها والتوعية بشأنها من الوسائل المهمة لنشر الوعي في المجتمع. إلا أن الأبحاث تشير أيضاً إلى أن «الإجماع المجتمعي»، الذي يعتمد في جزءٍ منه على آراء الأقران والأهالي، هو أيضاً عنصرٌ فعّال في النقاشات التي تشكّل قرار الناس في مسألة التطعيم.

إذا استمرت ظاهرة الأمهات أو الآباء المشككين في الانتشار والتوسع عبر الإنترنت وفي المجتمع، وبقي المؤيدون للتطعيم صامتين، فقد تنمو وتزداد ظاهرةُ الإجماع المجتمعي حول الحقائق المزيفة، وذلك بدوره يمكن أن يؤدي إلى زيادة عدد الآباء الذين يعتقدون أن الإحجام عن تطعيم أطفالهم هو التصرف الطبيعي، والقاعدة وليس الاستثناء.

تم نشر هذا المقال بواسطة كلا من «بروك ماكفير» و«روبرت ماكفير» في موقع ذا كونفيرسيشن

المحتوى محمي