ما الذي ينبغي معرفته عن الرضاعة الطبيعية

5 دقائق
توصي معظم الهيئات الطبية بالرضاعة الطبيعية حصراً خلال الأشهر الستة الأولى من حياة الطفل.

على الرغم من مرورنا جميعاً بمرحلة الطفولة، إلا أننا نسينا تماماً كافة المعلومات المتعلقة بكيفية وما هيّة ما كنا نأكله حينها. ويعدّ ذلك مؤسفاً حقاً، لأنه من الصعب جداً الحصول عبر الإنترنت على نصيحة موثوقة حول كيفية الاعتناء بالأطفال، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالرضاعة الطبيعية.

وبين المدوّنين الذين يلومون النساء اللواتي لا يردن (أو لا يستطعن) إرضاع أطفالهن وشركات الحليب الصناعي التي تروّج لأحدث منتجاتها، فمن السهل إساءة تقدير قيمة حليب الثدي والرضاعة الطبيعية لكل من الأم والمولود. وعلى الرغم من أن الإرضاع الطبيعي لا يحدث بشكل فطري للكثير من النساء، فقد أظهرت الأبحاث بأن هذه الممارسة لها فوائد لا يمكن إنكارها، مثل الحماية من بعض الأمراض وتحسين استجابة الأنسولين بالإضافة إلى تعزيز جهاز المناعة. لكن الرضاعة الطبيعية بعيدة عن الوضوح التام. فالوقت الذي يتم فيه تقديم الأطعمة الصلبة والمواد المسببة للحساسية مثل الفول السوداني، وماذا الذي يجب فعله في حال عدم القدرة على الإرضاع الطبيعي، هي من النقاط الصحيحة والتي تستحق الاهتمام الشديد في الإنترنت. وإليكِ ما يقوله العلم حول ذلك.

ما المدة التي يجب أن أقوم فيها بالإرضاع الطبيعي (وهل يجب عليّ أن أقوم بذلك)؟

توصي معظم الهيئات الصحية البارزة في العالم بالرضاعة الطبيعية حصراً خلال الأشهر الستة الأولى من حياة الطفل. إذ تظهر الأبحاث أن حليب الثدي قد يساعد الأطفال على تجنّب الإصابة بالأمراض في وقت لاحق من حياتهم، مثل البدانة ومرض السكري. وعلى الرغم من أن الآلية الدقيقة غير معروفة، إلا أن الخبراء يعتقدون أن الحليب يبدّل مسارات الأنسولين وغيره من الهرمونات عند الأطفال، مما يغيّر الطريقة التي تستجيب بها أجسامهم الصغيرة للسعرات الحرارية الواردة. ويحتوي حليب الثدي أيضاً على بكتيريا مفيدة، والتي يدرك الباحثون بأنها مهمة جداً لتطوّر أمعاء الطفل. وترتبط هذه الممارسة أيضاً بارتفاع معدّلات الذكاء. ويتمكّن عدد أكبر من الأطفال الذين يرضعون من الثدي من اجتياز السنة الأولى من حياتهم وهم أحياء، وتكون أمهاتهم أقل عرضة للإصابة بنزيف ما بعد الولادة أو سرطانات الثدي أو الرحم أو المبيض. كما يعزّز الحليب الطبيعي من مناعة الأطفال، مما يساعد في حمايتهم من الإصابة ببكتيريا المعدة وعدوى الأذن والالتهاب الرئوي وعدوى المسالك البولية وغيرها. وهذا بسبب احتواء حليب الثدي على الجلوبيولين المناعي (A) - وهو جزيء مناعي يساعد في خط الدفاع الأول تجاه مسببات الأمراض الواردة - بالإضافة إلى البروتينات المضادة للميكروبات وعوامل المناعة الأخرى التي تساعد الأطفال على تطوير قدرتهم في مقاومة العدوى.

لكل هذه الأسباب، فإن منظمة الصحة العالمية (WHO) والجمعية الأميركية لطب الأطفال والكلية الأميركية لأخصائيي التوليد وأمراض النساء (ACOG) تدعم الرضاعة الطبيعية لمدة ستة أشهر على الأقل.

لكن هذا لا يعني أن جميع الأمهات يفعلون ذلك.

وجد أحد التقارير من مراكز السيطرة على الأمراض في عام 2012 بأن حوالي ثلاثة أرباع الأطفال فقط في الولايات المتحدة قد تم إرضاعهم من الثدي في وقت ما، وأن أقل من النصف قد تم إرضاعهم من الثدي لستة أشهر. تتوقف الكثير من النساء عن الإرضاع الطبيعي مبكراً للعودة إلى العمل، وخاصة النساء ذوات الدخل المنخفض ممّن لا يتمتعن بإجازات الأمومة الطويلة والوظائف المرنة التي تسمح بالإرضاع في العمل. وقد تعتقد نساء أخريات أن الحليب الصناعي مثله مثل حليب الثدي، فقد أنفقت بعض الشركات مثل نستله الملايين للترويج لتلك الرسالة بالضبط.

إلا أن بعض النساء لديهنّ أسباب طبية مشروعة لعدم استطاعتهنّ الإرضاع. وقد ذكرت منظمة الصحة العالمية عدداً قليلاً منها، بما في ذلك العدوى بفيروس الإيدز وأخذ الأدوية الضرورية للأمهات وغير الآمنة على الأطفال (مثل الأدوية النفسية أو العلاج الكيميائي) والسلّ وتناول بعض المواد (مثل الكحول والنيكوتين والكوكايين والأمفيتامينات وغيرها) وأمراض الأمومة الخطيرة الأخرى. وقد لا يتمكّن بعض الأطفال من تناول حليب الثدي. فالرضع الذين يعانون من بيلة الفينيل كيتون (داء فولينغ) يحتاجون إلى حليب صناعي خالٍ من الفنيل الأنين، وقد يحتاج أطفال آخرون إلى حليب خالٍ من الجلاكتوز أو الليوسين أو الإيزوليوسين أو الفالين. وقد يكون هؤلاء الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالأمراض وأنواع العدوى المذكورة سابقاً، ولكن من الواضح أن مخاطر الاستمرار في إرضاعهم بشكل طبيعي لا تساوي قيمة التأثيرات الوقائية.

تتمتع الرضاعة الطبيعية بالكثير من الفوائد، ولكنها يمكن أن تكون صعبة أيضاً. تجد الكثير من النساء صعوبة في تعلّم كيفية إخراج الحليب ووضع الطفل على الثدي، ويمكن أن يكون ذلك مؤلماً في بعض الأحيان، ولهذا السبب يوجد متخصصون في الرضاعة الطبيعية. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أنه "في حين أن الرضاعة الطبيعية هي عمل فطري، إلا أنها سلوك مُكتسب بالتعليم أيضاً". وقد يستغرق إتقان الأمر بعض الوقت والطاقة وقدراً كبيراً من الإحباط.

متى يجب عليّ تقديم الطعام الصلب؟

كما ذكرنا، فإن معظم وكالات الصحة البارزة توصي بعدم تقديم الطعام الصلب قبل ستة أشهر من العمر. ولكن مع ذلك، هناك بعض الدراسات التي تشير إلى فوائد محتملة لتقديم بعض الأطعمة بوقت أبكر. قامت إحدى الدراسات الحديثة في مجلة جاما بيدياتريكس (JAMA Pediatrics) بتتبع 1303 طفلاً من سن ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، ووجدت أن التقديم المبكر للأطعمة الصلبة (بين أربعة وستة أشهر) قد ساعد الأطفال على النوم لفترة أطول وبشكل أكثر انتظاماً طوال الليل. ومع ذلك، فقد وجدت الأبحاث السابقة عكس ذلك، مثل إحدى الدراسات من عام 2011. وحذر أحد الباحثين في جامعة سوانزي من تغيير سلوكيات التغذية اعتماداً على هذه الدراسة الأخيرة، مشيراً إلى أن هناك الكثير من الأسباب لتجنب الأطعمة الصلبة قبل عمر ستة أشهر. إذ لا يزال الجهاز الهضمي عند الرضع قيد التطوّر (بالإضافة إلى أنهم لا يستطيعون رفع رؤوسهم حتى).

وتشير دراسة أخرى إلى أن تقديم الأطعمة الصلبة بعمر مبكر يساعد على تقليل خطر الإصابة بالأكزيما والربو والحساسية بشكل عام. ووجدت دراسة أخرى أن تقديم المواد الصلبة قبل عمر أربعة أشهر يرتبط بالسمنة في وقت لاحق من الحياة، ولكن يكون ذلك فقط بين الأطفال الذين تم إرضاعهم الحليب الصناعي. أما الأطفال الذين تم إرضاعهم بشكل طبيعي فلم يكن لديهم أي تغيير في مخاطر السمنة.

يبدو كل ذلك متناقضاً إلى حدّ كبير، وهو كذلك نوعاً ما. إلا أن الشيء الذي تتفق عليه كل المنظمات الصحية هو أنه بغض النظر عن العمر الذي يتم فيه تقديم المواد الصلبة، فإنه يجب المحاولة قدر الإمكان في الاستمرار بالإرضاع الطبيعي لنفس الفترة من السنة الأولى، وحتى السنة الثانية إن أمكن.

متى يجب أن أقدّم لطفلي الأطعمة المسببة للحساسية مثل الفول السوداني؟

كانت التوجيهات تنصّ على أنه يجب الانتظار قبل إطعام الأطفال الفول السوداني - وربما أيضاً الأطعمة الأخرى التي تحتوي على مسببات الحساسية - حتى يبلغ عمر الطفل ثلاث سنوات. وللأسف، فقد استندت تلك التوصية إلى الحدس وليس إلى المعرفة. وعندما أصبحت البيانات ذات الجودة المرتفعة متوافرة لأخصائيي الحساسية أخيراً، فقد قاموا بمراجعة هذه التوصية لتنص على أنه يجب تقدم هذه الأطعمة إلى الأطفال عندما تتراوح أعمارهم بين أربعة وستة أشهر. يساعد هذا التقديم المبكر أجهزتهم المناعية في التعرّف على أن البروتينات الموجودة في الفول السوداني (والبيض وغيره من الأطعمة المسببة للحساسية) ليست ضارة. ويجب تقديمها مبكراً أيضاً حتى إلى الأطفال الذين قد يكونون معرضين لخطر الإصابة بالحساسية الغذائية، مثل الأطفال المصابين بالأكزيما. وقد يشعر الآباء بمزيد من الارتياح عند القيام بذلك في عيادة الطبيب، حيث يتواجد اختصاصيون في الرعاية الصحية للمساعدة في حال أبدى الطفل أي رد فعل تحسسي. وفي كلتا الحالتين، فإن الأساس هو التقديم المبكر.

إذا كنتِ قلقة، فيمكنكِ العثور على طبيب متخصص بالحساسية بالقرب منكِ أو التحدث إلى طبيب الأطفال أو طبيب الأمراض النسائية. هذه هي حقاً أفضل نصيحة لمعظم الأسئلة التي تراودكِ حول الرضاعة الطبيعية: تحدثي إلى شخص يعرف تاريخكِ الصحي الشخصي ويمكنه أن يساعدكِ في اتخاذ القرار. إذ يتمثل عملهم في الاستماع إليكِ وإرشادكِ. وإذا لم يتمكنوا من ذلك، فابحثي عن أحد آخر (إن أمكن). حيث يجب أن يتمكن أخصائيو الرعاية الصحية من مساعدتكِ أنتِ وطفلكِ على التمتع بحياة صحية، بغض النظر عن الصعوبات التي تواجهكِ.

المحتوى محمي