عادةً ما نحاول تجنُّب تبادل اللعاب، ولكننا لن نكون بوبيولار ساينس إذا لم نخبرك لماذا ينبغي عليك ألَّا تقرف من أمر مقرفٍ جداً.
يعتبر اللعاب مادة رطبة ولزجة وله رائحة مميزة جداً، كما أنه مضاد للبكتيريا ويعدُّ من عوامل التنظيف الرائعة، ويتَّضح الآن بأنه ربما يساعد في الوقاية من الحساسية؛ إذ إن هناك بحثاً جديداً تم عرضه مؤخراً في المؤتمر العلمي السنوي للكلية الأميركية للحساسية والربو والمناعة يشير إلى أن الأطفال الذين يقوم آباؤهم بتنظيف لهَّاياتهم باللعاب يميلون للإصابة بالحساسية بشكل أقل من أولئك الذين يقوم آباؤهم بما يسميه الكثيرون "بالتنظيف الفعلي" للهَّاية.
اقرأ أيضا:
أولاً، لماذا قد يساعد اللعابُ الأطفالَ على تجنب الحساسية؟ أحد التفسيرات المحتملة هو أنه ليس كذلك، فقد تكون هذه الحالة هي حالة ارتباط وليست سببية؛ إذ إن الدراسة لم تطلب من الآباء تنظيف اللهاية بطريقة معينة ثم تتبُّع نتائج الحساسية عند أطفالهم، بل طلبت من الآباء الإبلاغ بشكل ذاتي عن كيفية قيامهم بتنظيف لهَّايات أطفالهم، وأجروا اختبارات لهؤلاء الأطفال لمعرفة مقدار الغلوبولين المناعي هـ (IgE) لديهم. ومن الجدير بالذكر أن الغلوبولين المناعي هـ هو أحد أنواع بروتينات الجهاز المناعي الذي يتواسط الحساسية، لذلك فإن وجود مستويات مرتفعة منه يعني بشكل عام أنك أكثر عرضة للإصابة بالحساسية.
ومع ذلك فهو ليس اختباراً مثالياً؛ إذ يمكن للباحثين دراسة العلاقات بين هذين المتغيِّرَين فقط، وليس التحقُّق من وجود علاقة سببية، فربما يكون الناس الذين يستخدمون اللعاب لتنظيف اللهَّاية يعيشون حياتهم بطريقة تقلل من الحساسية، فنحن نعلم أن التعرُّض الأكثر للبكتيريا والأوساخ عموماً من شأنه أن يعزِّز الجهاز المناعي بشكل أفضل، ومن المحتمل أن يكون الشخص الذي لا يغسل اللهاية (وهو على استعداد للاعتراف بهذه الحقيقة أمام الباحثين) هو شخص لا يقوم بتطهير كافة السطوح في منزله، أو لا يفزع إذا كان أطفاله يتدحرجون في الخارج.
وهناك تفسير آخر يعتقد مؤلفو الدراسة أنه محتمل إلى حد كبير، وهو أن هناك بعض الميكروبات المعزِّزة للصحة في لعاب الوالدين وهي من شأنها أن تعزِّز الجهاز المناعي الطبيعي غير المُعرَّض للإصابة بالحساسية. لكن ما هو هذا الميكروب؟ إنهم غير متأكدين بعد، ولكنها نظرية معقولة.
ونحن نعلم أن الولادة الطبيعية تقدِّم للطفل الميكروبات المهمة التي تساعد على استيطانها في الأمعاء ويمكن أن تؤثر على كامل الجهاز المناعي للطفل، كما يبدو أن الرضاعة الطبيعية تقلل من الحساسية، وهذا يحدث غالباً عن طريق تحفيز الجهاز المناعي للطفل، وبالتالي الوقاية من عدوى الجهاز التنفسي التي غالباً ما تكون بمنزلة مُثيرات للحساسية الجديدة. وكل هذا يتفق مع فرضية النظافة؛ أي فكرة أن التعرُّض للميكروبات والمواد المسببة للحساسية في وقت مبكر من الحياة تساعد على الوقاية من أمراض الحساسية، وربما يكون لعاب أحد أقرباء الدرجة الأولى طريقة آمنة جداً للحصول على جرعة من الجراثيم المتنوِّعة.
وهناك دراسة سابقة أُجريت عام 2013 وأظهرت أن الأطفال الذين كان آباؤهم يستخدمون اللعاب لتنظيف لهاياتهم كانت لديهم حالات أقل من الربو والحساسية والإكزيما، وافترض هؤلاء الباحثون أن هناك شيئاً في اللعاب يساعد على تحفيز أجهزة المناعة عند الأطفال بطريقة تمنعهم من التعرُّف على الفول السوداني وحبوب اللقاح بشكل خاطئ على أنها من العوامل الغازية الخطرة.
إذن فهل يجب عليك بصفتك أباً لطفلك أن تقوم بمصِّ لهّايته من أجل أن تمنحه حياة أكثر صحة؟ لا يوجد مَن هو متأكد من ذلك بعد، ولكن لا يمكن لهذا الفعل أن يؤذي الطفل، على افتراض أنك لست مريضاً في الوقت الحالي. وربما يكون من الآمن أن تدع طفلك يستمتع بلهَّاية لم يتم تطهيرها بشكل كامل، طالما أنها لم تسقط في مكان قذر بشكل واضح. ولكن خبراء الحساسية لا يروِّجون للِّعاب على أنه عامل التنظيف الأفضل. وأفضل نصيحة لهم الآن لتجنب الحساسية هي الإرضاع الطبيعي إن أمكن، وتقديم الأطعمة التي يمكن أن تسبِّب الحساسية للأطفال في وقت مبكر، وعدم التدخين بالقرب منهم.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكنك الحصول على حيوانات أليفة؛ لأنها تساعد على تعريض الأطفال لمسبِّبات الحساسية البيئية المحتملة، وبالتالي ربما تمنع الحساسية من النشوء في المقام الأول. وإذا كنت تريد أيضاً استخدام لعابك لتنظيف لهّاية طفلك، فإن الأدلة تشير إلى أنها ليست فكرة سيئة، بل على العكس قد تكون فكرة جيدة، ولكن إذا كانت هذه الفكرة ترعبك فلا بأس؛ لأنك على الأرجح لا تحكم على طفلك بحياة من الزكام والحساسية الغذائية من خلال حجب لعابك عنه، فهناك طرق أخرى لضمان أن يقضي أطفالك أيام نموِّهم وهم محاطون بمجموعة متنوعة من الميكروبات.