يعتقد الكثير من الناس أن تعليم الطفل لغة ثانية في عمر صغير جداً سيكون بلا فائدة، لأن دماغ الطفل ما زال صغيراً ولن يستوعب هذا الكم من المعلومات، بل كثيراً ما يجادلون أن تعليم الطفل الصغير لغة ثانية أو عدة لغات بالتزامن مع بعضها بعضاً هو أمر ضار بالطفل، وقد يؤدي إلى الارتباك والتشوّش أو يسبب ضرراً لا رجعة فيه للغة الطفل ونموه المعرفي. فهل تعليم الطفل لغة ثانية بالتزامن مع اللغة الأم أمرٌ يضر بالطفل أم يفيده؟ وهل فوائد تعليم لغة ثانية في الصغر تفوق أضراره أمْ ينبغي الانتظار ريثما يكبر الطفل؟
اقرأ أيضاً: نصائح لاختيار أفضل كتب رعاية الأطفال
ما أضرار تعليم الطفل الصغير لغة ثانية؟
قد يشعر الآباء أن طفلهم متأخر لغوياً بسبب تعليمه لغة ثانية أو أكثر بالتزامن مع اللغة الأم، فما مدى صحة هذا الشعور؟
في الواقع، عادةً ما يعرف الأطفال ثنائيو اللغة عدداً أقل من الكلمات في كل لغة من لغاتهم مما يعرفه الأطفال أحاديو اللغة، لكن ومع ذلك، فإن هذا الاختلاف الواضح يختفي عند حساب المفردات المفاهيمية للأطفال ثنائيي اللغة عبر كلتا اللغتين، وهذا يعني أننا إذا جمعنا عدد الكلمات التي يعرفها الطفل في كلتا اللغتين، مع عدم تكرار المرادفات عبر اللغات، فإن الأطفال ثنائيي اللغة يعرفون تقريباً نفس عدد الكلمات الذي يعرفه الأطفال الذين يتحدثون لغة واحدة.
بالإضافة إلى ذلك، قد يكون أكبر مخاوف الآباء بشأن تربية الأطفال في منزل ثنائي اللغة أو تعليم أطفالهم لغة ثانية منذ الصغر، هو أن تعليم اللغتين معاً يسبب ارتباك الطفل أو تشوّشه، كأن يخلط الطفل كلمات من لغتين مختلفتين في نفس الجملة. في الواقع، إن خلط كلمات من لغتين مختلفتين لتكوين جملة واحدة يدعى بـ مزج اللغات (Cod mixing)، وهو جزء طبيعي من التطور ثنائي اللغة، وثمة مجموعة من الأسباب الوجيهة لهذا المزج وأهمها:
- أحد الأسباب أن الطفل يكرر ما يسمعه من الكبار، فغالبية الكبار الذين يتحدثون لغتين في آنٍ واحد غالباً ما يمزجون مفردات من كلتا اللغتين.
- قد يكون السبب في مزج اللغات هو أن موارد الطفل اللغوية قليلة، وهذا يعني أن الطفل إذا كان لا يعرف أو لا يستطيع استرجاع الكلمة المناسبة بسرعة لاستخدامها في إحدى اللغتين، فقد يستعين بمرادفها من اللغة الأخرى، وهذا لا يدل على ارتباك الطفل، بل يدل على براعة الأطفال ثنائيي أو متعددي اللغات.
إذاً، يمكن القول إن تعليم الطفل لغة ثانية أو عدة لغات منذ الصغر ليس أمراً ضاراً على الإطلاق، بل هو أمر مفيد جداً، ومن المهم جداً أن نبدأ بتعليم أطفالنا عدة لغات منذ الصغر، وإليكم الأسباب.
اقرأ أيضاً: 10 نصائح للوالدين تساعد أطفالهم على التأقلم في الحضانة
ما فوائد تعلم لغة ثانية في الصغر؟
إن التعددية اللغوية توفر نتائج استثنائية على مدى العمر تتجاوز بكثير فوائد وجود لغتين للأغراض التواصلية. إذ وعلى الرغم من أن القدرة على التحدث بلغتين أو أكثر ستعزز بالطبع من فرص التفاعل الاجتماعي من أجل التقدم الاقتصادي وزيادة التفاهم بين الثقافات، فهي تحقق العديد من الفوائد على مستوى التطور المعرفي وعمل الدماغ عند الطفل، مثل ما يلي:
- من فوائد تعلم لغة ثانية في عمر مبكرة جداً أنها تعزز التطور المعرفي للأطفال، وقد يكون ذلك نتيجة تعزيز أداء التحكم التنفيذي للدماغ، وهي وظائف الدماغ التي تسمح للبشر بتنفيذ مهام معقدة مثل حل المشكلات، وتخطيط سلسلة من الأنشطة، وتثبيط المعلومات التي تم إدراكها بالفعل، وتوجيه الانتباه لتحقيق هدف، ومراقبة الأداء.
لتوضيح مدى أهمية التحكم التنفيذي، يمكن القول إن الأشخاص الذين يظهرون ضرراً في مناطق الدماغ المسؤولة عن تنسيق الوظيفة التنفيذية يظهرون ضعفاً في الحكم، ويواجهون صعوبة في اتخاذ القرار، ولديهم ضعف في القدرات الفكرية. ونتيجة أن الفوائد في مجال التحكم التنفيذي قد ارتبطت بتحسن مستويات الحالة الاجتماعية والاقتصادية، فلهذا يعتبر تعلم اللغتين في آنٍ واحد ذا صلة بالنجاح الأكاديمي للأطفال.
- الأطفال الذين يتعلمون لغتين في الوقت نفسه والذين يماثلون الأطفال أحاديّي اللغة في المهارات النفسية الحركية والمستوى المعرفي العام والوضع الاجتماعي والاقتصادي، لا يؤدون فقط أداءً مشابهاً مع الأطفال أحاديي اللغة في المهام اللغوية الخاصة بالمعرفة النحوية والوعي اللغوي، بل يظهرون أيضاً ميزة كبيرة في مهام التحكم التنفيذي.
- على الرغم من أن الأطفال الذين يتحدثون لغتين عادة ما تكون لديهم مفردات أقل من الأطفال أحاديي اللغة، فهم يتفوقون على أطفال اللغة الواحدة في المهارات الإدراكية التي تتطلب درجة عالية من التحكم في الانتباه.
- تعلم الأطفال الذين يتحدثون لغتين أو أكثر أن الكائن يظل كما هو على الرغم من اختلاف اسمه في اللغات. على سبيل المثال، يدرك الطفل أن الوردة تبقى وردة في اللغة الإنجليزية وكذلك العربية حتى لو اختلفت تسميتها بين اللغتين. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعلم اللغات الأجنبية يزيد من مهارات التفكير النقدي والإبداعي ومرونة الدماغ.
- تعلم لغات متعددة منذ الصغر يساعد الأطفال في تطوير مهارات أكثر فعالية في التواصل الاجتماعي مقارنة بالأطفال أحاديي اللغة.
- من فوائد تعلم لغة ثانية في الصغر أن الأطفال قادرون على تعلم اللغة الأجنبية دون إضافة لكنة إليها، وهذا يعني أن الأطفال الذين يكبرون وهم يتحدثون لغتين أو أكثر يمكنهم إتقانها مثل الناطقين بها. أما البالغون، فيكاد يكون من المستحيل التحدث بلغة جديدة دون لكنة، وكلما تقدمنا في السن علقنا بلكناتنا وأصبح التخلص منها أكثر صعوبة.
تجدر الإشارة إلى أن المزايا المعرفية الناتجة عن تعلم اللغات في وقت مبكر من العمر لا تنتج فقط عن تعلم اللغات، فقد رصدت العديد من المزايا المعرفية المماثلة لدى الأطفال الذين تلقوا تدريباً موسيقياً مبكراً، ما يدل على أن العديد من التجارب المبكرة الغنية والمتنوعة تستطيع أن تعزز التطور المعرفي للأطفال.
اقرأ أيضاً: ما المشكلات التي ترافق استبدال الأسنان اللبنية بالأسنان الدائمة؟
في أي عمر يمكن البدء بتعليم الطفل لغة ثانية؟
كلما بدأنا أبكر كان أفضل، فالطفولة المبكرة هي أفضل وقت ممكن لتعلم اللغة الثانية، إذ يبدأ الأطفال بتعلم أصوات اللغة قبل أن يولدوا حتى. وبحلول الوقت الذي يولدون فيه، يكونون قادرين ليس فقط على التمييز بين لغة أمهاتهم ولغة أخرى، وإنما أيضاً التمييز بين اللغات المختلفة. فتعلم اللغة يعتمد على معالجة الأصوات، وجميع لغات العالم تحتوي مجتمعة على نحو 800 صوت تقريباً، تستخدم كل لغة نحو 40 صوتاً فقط، وهذه الأصوات هي ما تميز لغة عن أخرى.
عند الولادة، يمتلك دماغ الطفل موهبة غير عادية، إذ يستطيع التمييز بين جميع الأصوات البالغ عددها 800 صوت، هذا يعني أنه في هذه المرحلة، يمكن للطفل تعلم أي لغة يتعرض لها، فالطفل المولود في اليابان يمكنه اكتساب اللغة الإنجليزية بنفس سهولة اكتساب اللغة اليابانية أو أي لغة أخرى.
في عمر 6 إلى 12 شهراً، يصبح الأطفال الذين يكبرون في عائلات أحادية اللغة أكثر تخصصاً في مجموعة فرعية من الأصوات الخاصة بلغتهم الأم، بعبارة أخرى يصبحون متخصصين في اللغة الأم. وبحلول عيد ميلادهم الأول، يبدأ الأطفال بفقدان القدرة على سماع الاختلافات بين أصوات اللغات الأجنبية.
ذلك لأن دماغ الرضيع يتمتع بعد ولادته بوفرة من الوصلات العصبية، وعند تعليمه لغة ثانية مع لغته الأم أو عدة لغات معاً، سوف يشكل دماغه بسهولة كبيرة مسارات عصبية قوية لازمة لتطور اللغات في المستقبل، لكن ودون هذا النوع من التحفيز في هذه المرحلة المبكرة بعد الولادة، سيظل الرضيع قادراً على تعلم اللغة ولكن على نحو أقل فعالية.
ولاحقاً يصبح تعلم اللغات الأجنبية أكثر صعوبة نتيجة تخفيف النشاط العصبي، وهي حالة ناتجة عن عمل الخلايا المثبطة، إذ ومع نضوج الدماغ، يتم إطلاق الناقلات العصبية المثبطة، ما يؤدي إلى إبطاء النشاط المشبكي القوي في الفترة المبكرة ما بعد الولادة.
اقرأ أيضاً: إلى جانب اللياقة البدنية: إليك 6 فوائد لرياضة كرة القدم للأطفال
ختاماً، يمكن للطفل أن يكبر ويتعلم 3-4 لغات في وقت مبكر من حياته (0-5 سنوات). لذا حتى يتعلم طفلك لغة ثانية، فابدأ الآن، فالآن أفضل من أي وقت لاحق.